مفهوم الصورة الشعرية لغة واصطلاحاً

كتابة:
مفهوم الصورة الشعرية لغة واصطلاحاً

الشعر

الشعر هو لفظ مُؤلَّف مُختار، ويكون موزوناً وله قافية، ويدلُّ على معنى مُعيَّن، ويتميَّز باعتماده على الخيال؛ ممّا يؤثِّر في نفس المُتلقِّي ويحقِّق المتعة لديه؛ حيث ينتج من مشاعر وانفعالات، يحوِّلها الشاعر إلى معانٍ وكلمات تحمل إيقاعاً موسيقيّاً، وعواطف، وصوراً فنيّة خياليّة وواقعيّة. وتُعَدُّ الصورة الشعريّة عنصراً مهمّاً؛ للتأثير في القارئ وإبراز المعنى.[١]


الصورة الشعريّة قديماً

حَظِيَت الصورة الشعريّة عند القدماء بالاهتمام والتحليل، وقد أكَّد الناقد إحسان عباس أنَّ الشعراء قد استخدموا الصورة الشعريّة منذ القِدَم، إذ قال: "وليست الصورة شيئاً جديداً، فإنَّ الشعر قائم على الصورة منذ أن وُجد إلى اليوم، لكنَّ استخدام الصورة يختلف من شاعر إلى آخر، كما أنَّ الشعر الحديث يختلف عن الشعر القديم في طريقة استخدامه للصُّور"، وقد درسها العديد من النُّقاد العرب، كعبد القاهر الجرجاني، إذ يقول: "ومَعلوم أنَّ سبيل الكلام سبيل التصوير والصِّياغة، وأنَّ سبيل المعنى الذي يعبِّر عنه سبيل الشيء الذي يقع التصوير والصَّوغ فيه"، وللجاحظ أيضاً قول في هذا، إذ قال: "الشعر فنٌّ تصويريُّ يقوم جانب كبير من جماله على الصورة الشعريّة، وحسن التعبير".[٢]


الصورة الشعريّة حديثاً

لقد بدأ هذا المصطلح بالظهور في أواخر القرن التاسع عشر، وانتشر بمُسمَّيات عديدة كالصورة الفنيّة، أو التصوير في الشعر، أو الصورة الأدبيّة. والصورة الشعرية هي عمليّة تفاعل متبادل بين الشاعر والمُتلقِّي للأفكار والحواس، من خلال قدرة الشاعر على التعبير عن هذا التفاعل بلغة شعريّة تستند مثلاً إلى المجاز، والاستعارة، والتشبيه؛ بهدف استثارة إحساس المُتلقِّي واستجابته، وفي ما يأتي بيان ذلك.[٣]


عناصر الصورة الشعريّة

إنَّ العناصر التي تتكوّن منها الصورة الشعريّة تتمثّل في اللغة، والموسيقى، وما تشتمل عليه من وزن، وقافية، وإيقاع، وإيحاء، وتتمثَّل كذلك في الخواطر، والأحاسيس، والعواطف.[٤]


الصورة الشعرية والخيال

لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ الصورة الشعريّة مُرتبِطة بالخيال؛ فهي وليدة خيال الشاعر وأفكاره؛ إذ يتيح الخيال للشاعرالدخول خلف الأشياء واستخراج أبعاد المعنى؛ لأنَّها طريقته لإخراج ما في قلبه وعقله إلى المحيط الخارجيّ ليشارك فكرته مع المتلقّي؛ لذلك ينبغي أن يكون الشاعر صاحب خيال واسع؛ لكي يتمكّن من تفجير أفكاره وإيصالها إلى المُتلقِّي.[٥]


طرق استخدام الصورة الشعريّة

تأتي الصورة الشعريّة أو الفنّية -كما اصطُلِح عليها حديثاً- بعدّة أشكال، وتُؤدِّي وظيفتها في إيصال المعنى المقصود بعدّة طُرُق منها: الرمز، والاستعارة، والتشبيه، والمجاز، والكناية،[٣] وفي ما يأتي توضيح لكلٍّ منها:

  • الرمز أو الإيحاء: هو لفظ قليل يشير إلى معانٍ كثيرة أو عميقة، وهو استخدام إشارة أو صور محددة؛ للتعبير عن عواطف وأفكار مجرّدة، أي أنّ هناك تبادلاً بين الكلمة وما ترمز إليه، كقول محمود درويش: "يطير الحمام"؛ ليرمز إلى السلام المَفقود في وطنه.[٦]
  • الاستعارة: وهي استعمال الكلمة في غير معناها الحقيقيّ، وأصل الاستعارة تشبيه حُذِف أحد طرفَيه، ووجه الشبه، وأداة التشبيه، كأن يُقال بأنَّ الله تعالى أخرج الناس من الظُّلُمات إلى النور، فهنا استُعِير لفظ الظُّلمة للدلالة على الضلال، ولفظ النور للدلالة على الهداية. وكقول الشاعر: "فأمطرت لؤلؤاً مِن نرجسٍ وسقت.. ورداً، وعضَّت على العُنّاب بالبَرَد".
فقد استعار الشاعر مثلاً اللؤلؤ للدموع، وهي استعارة مُصرَّحة.[٧]
  • التشبيه: هو إلحاق أمر ما بأمر آخر لوصفه باستخدام أداة للتشبيه، كأن يُقال: البنت كالقمر في الجمال. وأركان التشبيه في هذه الجملة هي: المُشبَّه وهو البنت، والمُشبَّه به وهو القمر، ووجه الشبه الجمال، والكاف أداة التشبيه. وقد يُحذَف ركنٌ أو أكثر من أركان التشبيه كما في قول الشاعر: "كأنّك شمسٌ والملوك كواكبُ.. إذا طلعت لم يَبْدُ منهنّ كوكبُ"
فقد حُذف وجه الشبه هنا، وهو واضح من المضمون؛ حيث إنَّ هذا المَلك يشبه الملوك في الشجاعة، وفي الكرم، وفي السماحة مثلاً.[٨][٩]
  • المجاز: هو اللفظ المُستعمَل في غير ما وُضِع له عادة، كالقول بين الناس بأنَّ فلاناً يتكلَّم بالدُّرَر، فكلمة الدُّرَر هي اللآلئ، ولكنَّها استُعمِلت هنا في غير موضعها؛ لوصف الكلام الفصيح؛ لتشابه الكلام والدُّرَر في الحُسن، وكقول الشاعر: شكا إليَّ جملي طول السّرى، والحقيقة أنَّ الجمل لا يشكو، وإنَّما عبَّر الشاعر عن كثرة أسفاره؛ ممّا أتعب الجمل، وقضى عليه، ولو كان الجمل يتكلم لاشتكى التعب.[١٠]
  • الكناية: هي لفظ يُراد به المعنى الحقيقيّ أو الأصليّ ليدلّ على صفة مُعيَّنة، كأن يُوصَف فلانٌ بأنَّه كثير الرَّماد كناية عن الكرم، كما يقول الشاعر: طويل النِّجادِ، رفيع العِماد.. كثيرُ الرَّماد إذا ما شتا
فالمعنى الحقيقي أنَّه يُشعل النار كثيراً للطبخ، وهذا كناية عن صفة الكرم لديه.[١١]


أهمية الصورة الشعريّة

إنَّ الصورة الشعريّة ليست إضافة يلجأ إليها الشاعر لتجميل شعره، بل هي لبّ العمل الشعريّ الذي يجب أن يتّسم بالرقّة، والصدق، والجمال، وتُعدّ عنصراً من عناصر الإبداع في الشعر، وجزءاً من الموقف الذي يمرّ به الشاعر خلال تجاربه، وقد استطاع الشاعر من خلال استخدامه للصور الشعريّة أن يخرجَ عن المَألوف، ولا شكّ في أن للصورة الشعريّة وظيفتها وأهميّتها في العمليّة الشعريّة، ومن أهمّ ما يوضِّح ذلك ما يأتي:[١٢]

  • تمثّل الصورة الشعريّة فِكْر الشاعر؛ إذ إنَّ اختيار الشاعر لألفاظه يدلُّ على براعة الشاعر، وقدرته على انتقاء الألفاظ المناسبة التي تعبِّر عن الفكرة.
  • تمثّل الصورة الشعريّة واحدة من المعايير التي يُحكَم بها على أصالة التجربة الشعريّة، وعلى قدرة الشاعر على التأثير في نفس كلٍّ من المُتلقِّي، والناقد والمُبدِع.
  • يعبِّر الشاعر بالصورة الشعريّة عن حالات لا يمكن تفهُّمها أو تجسيدها بدون الصورة.
  • تعبِّر الصورة الشعريّة أيضاً عن عواطف الشاعر ومشاعره، فتصبح الصورة هي الشعور، والشعور هو الصورة.
  • تتيح الصورة الشعريّة للشاعر الخروج عن الكلام المَألوف، كأن يجمع الشاعر بين الألفاظ المُتنافِرة أي غير المُنسجِمة.
  • للصورة الشعريّة دورٌ في تحقيق المتعة لدى المُتلقِّي، والتأثير فيه، من خلال نقل الفكرة بصورة أوضح، وشرح المعنى وتوضيحه؛ مما يُؤثِّر في المُتلقِّي أكثر.


المراجع

  1. أ.د. محمود درابسة (2010)، مفاهيم في الشعرية (الطبعة الأولى)، الأردن: دار جرير، صفحة 28-32. بتصرّف.
  2. د. طانية حطاب (2017)، "الصورة الشعرية في تصور الجاحظ وعبد القاهر الجرجاني"، جسور المعرفة، العدد العاشر، صفحة 188-191. بتصرّف.
  3. ^ أ ب أ. د. علي الخرابشة (2014)، "وظيفة الصورة الشعرية ودورها في العمل الأدبي"، مجلة الآداب، العدد 110، صفحة 97-99. بتصرّف.
  4. أ. د. علي الخرابشة (2014)،"وظيفة الصورة الشعرية ودورها في العمل الأدبي"، مجلة الآداب، 2014، العدد 109-110، صفحة 109. بتصرّف.
  5. أ.د علي الخرابشة (2014)، "وظيفة الصورة الشعرية ودورها في العمل الأدبي"، مجلة الآداب، العدد 110، صفحة 106-107. بتصرّف.
  6. شعبان أحمد بدير (30-8-2009)، "الرمز الشعري واغتراب اللغة فى المنظور الصوفي"، diwanalarab، اطّلع عليه بتاريخ 6-3-2018. بتصرّف.
  7. حفني ناصف، سلطان محمد، محمد دياب، وآخرون (2004)، دروس البلاغة (الطبعة الأولى)، الك: مكتبة أهل الأثر، صفحة 125-123. بتصرّف.
  8. حفني ناصف، سلطان محمد، محمد دياب، وآخرون (2004)، دروس البلاغة (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة أهل الأثر، صفحة 110-111. بتصرّف.
  9. حفني ناصف، سلطان محمد، محمد دياب، وآخرون (2004)، دروس البلاغة (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة أهل الأثر، صفحة 105. بتصرّف.
  10. علي الكاتب (2003)، مواد البيان (الطبعة الأولى)، سورية: دار البشائر، صفحة 110. بتصرّف.
  11. حفني ناصف، سلطان محمد، محمد دياب، وآخرون (2004)، دروس البلاغة (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة أهل الأثر، صفحة 149-150. بتصرّف.
  12. أ.د. علي الخرابشة (2014)، "وظيفة الصورة الشعرية ودورها في العمل الأدبي"، الآداب، العدد 110، صفحة 101-116. بتصرّف.
12898 مشاهدة
للأعلى للسفل
×