الشياطين
إنّ كلمة الشياطين هي جمع لكلمة شيطان، وللعرب في تفسير معنى كلمة الشياطين أو الشيطان مذهبان على الأغلب؛ بين من يرى حرف النون أصيلًا في الكلمة وبين من يراه دخيلًا زائدًا عليها،[١] فأمّا المذهب الأوّل -أي من يرى حرف النون أصيلًا- فيرى أصحابه أنّ كلمة شيطان وزنها فَيعَال، وقد اشتُقّت من كلمة شَطَنَ بمعنى بَعُدَ؛ وكأنّ المقصود هو البُعد عن الخير، وقيل هي مأخوذة من الحبل الطويل؛ فكأنّ الشيطان إذ سُمّي بذلك أُريد معنى استطالته في الشرّ، وهذا تفسير من ذهَبَ إلى أنّ حرف النون أصيلٌ في الكلمة، وأمّا من رأى أنّ حرف النون زائدٌ فقدّر كلمة شيطان وزنها فعلان، وهي مشتقّة من قولهم شاط الشيء يشيط؛ إذًا هَلَكَ واحترق، ولا تقتصر لفظة الشيطان على الجنّ فقط؛ إذ كلّ يكون فيه من الشرّ والمكر حدّ الامتلاء من الإنس والجن وحتى الدواب هو شيطان، ومن المعروف أنّ الشياطين تُصفّد في رمضان، وسيوضّح هذا المقال مفهوم تصفيد الشياطين في رمضان.[٢]
مفهوم تصفيد الشياطين في رمضان
يقول النبي -عليه الصّلاة والسلام- إنّ الشياطين إذا جاء شهر رمضان المبارك تُصفّد، ودليل ذلك ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ"،[٣] فيذهب ذهن كثير من الناس إلى أنّ الشياطين تُكبّل بالأغلال فلا يبقى منهم واحد يغوي أبناء آدم، ولكنّ أهل العلم لهم في ذلك كلام مخالف لمفهوم الناس، فالذي أعطي جوامع الكلم -صلّى الله عليه وسلّم- قد لا يفهم كلامه العوام فيؤوّلونه كما شاؤوا، ولكنّ القول الفصل في مسائل الدين الحنيف هي لأهل العلم من المسلمين، فمثلًا الإمام ابن تيمية يرى أنّ الشياطين تتمكّن من الإنسان من خلال إغوائه باتّباع الشهوات، فإذا ابتعد الإنسان عن الشهوات بسبب صيامه وانشغاله بالعبادة فإنّ الشياطين يصبح حالها كالمُكبّلة بالأصفاد، وهي لا تقدر على إغواء المسلمين، وقيل كذلك إنّ التّصفيد المقصود هو إضعاف كيدهم وشرورهم فلا يستطيعون التأثير في المسلمين، وقد يُرى بعض الناس في رمضان وهم على أفسق ما يكونون فهذا دليل على أنّ الشياطين لا تُصفّد بالكليّة ولكنّ شرّها يكون ضعيفًا فلا تستولي على المشغولين بالعبادة، وأمّا الذين جعلوا رمضان موسمًا للفسوق واتباع الشهوة والانحراف فهؤلاء أحرى بالشياطين أن تتحصّل منهم في رمضان على ما لا تتحصّل عليه طوال عام أو أكثر، والله أعلم.[٤]
وثمّة أقوال أخرى في مفهوم تصفيد الشياطين في رمضان من علماء استندوا إلى أحاديث كثيرة يُثبت معناها أنّ الشياطين تُسلسل وتُغَلّ، وهي أحاديث صحيحة في كتب الحديث منقولة عن الثقات، ومن تلك الأحاديث الكثيرة التي استند عليها أهل العلم يذكر المقال هذا ما يأتي منها:[٥]
- الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أبْوَابُ السَّمَاءِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ"،[٦] ولفظة "سُلسلت" تدلّ على الأغلال.
- الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- وفيه يقول النبي عليه الصّلاة والسلام: "إذا كان أوَّلُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ ومرَدةُ الجنِّ".[٧]
- وفي رواية أخرى صحيحة للحديث كما في صحيح ابن حبّان: "إذا كان أوَّلُ ليلةٍ مِن شهرِ رمضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ مَرَدةُ الجنِّ"،[٨] وهنا ليس هنالك فصل بين الشياطين وما بعدها؛ فكأنّ معنى الحديث أنّ الذين يغلّون ويصفّدون هم المردة وليس كلّ الشياطين.
وبناء على ما تقدّم من الأحاديث الثلاثة آنفة الذّكر فقد بنى بعض العلماء نظرتهم إلى مفهوم تصفيد الشياطين في شهر رمضان من زاوية أخرى؛ وقد نقل الإمام ابن حجر العسقلانيّ عن الأئمّة معظم أقوالهم في ذلك، ومنها أنّ الشّياطين يُصفّدون ولكنّ تصفيدهم يكون بالليل دون النهار، أو قيل هو أنّ الشياطين لا يستطيعون إغواء المسلمين في هذا الشهر لانشغالهم بالعبادة والذكر وقراءة القرآن الكريم، وقال آخرون إنّ المُراد بالشياطين في الأحاديث بعضهم وهم المردة منهم، وذهب بعض العلماء إلى أنّ المقصود هو أنّ الله -تعالى- يفتح لعباده المؤمنين في رمضان من الطاعات ما يجعله سببًا ففي دخولهم الجنة وعتقهم من النار؛ وهذا يفسّر ما جاء في الأحاديث من أنّ أبواب الجنة تفتح وتغلق أبواب النار؛ إذ المقصود هو الأسباب المؤدية إلى الجنة والأسباب المؤدية إلى النار، والخلاصة أنّ من حمل الأحاديث على معناها الظّاهر يرى أنّ صنفًا من الشياطين هو من يُصفّد، ومن حملها على المجاز يرى أنّ سُبُل الشياطين إلى الإنسان تضعف، أو إنّ الإنسان ينشغل بالعبادة ويترك سبيل الشهوات، وعلى كلّ الأحوال فإنّ ذلك لا يتنافى مع الأحاديث، والله -تعالى- أعلم.
الفرق بين الجن والشيطان
بعد الوقوف على حقيقة مفهوم تصفيد الشياطين في رمضان بقي أن يقف هذا المقال في نهايته مع موضوع يحصل فيه لغط أحيانًا مثله مثل مفهوم تصفيد الشياطين في رمضان، وهو موضوع الجن والشياطين والفرق بينهما، وخير من يقف على هذا التفصيل هو الإمام أبو هلال العسكري صاحب معجم الفروق اللغويّة، فيرى الإمام استنادًا إلى معاجم اللغة وكتبها أنّ الفرق بين الجن والشياطين هو أنّ الجنّ جنسٌ والشيطان هو الشرّير من الجن، وكذلك هو الشرير من الإنس؛ والدليل هو أنّهم يقولون لعن الله الشيطان ولا يقولون لعن الله الجني؛ فالجن فيهم الصالح وفيهم الشرير كما أنّ الإنس فيهم الصالح وفيهم الطالح، والله أعلم.[٩]
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى شياطين في معجم المعاني الجامع"، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-03-26. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1989)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، الكويت:دار السلاسل، صفحة 90، جزء 16. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1079، حديث صحيح.
- ↑ عبد الكريم بن صالح بن عبد الكريم الحميد (1999)، ثمار يانعة وتعليقات نافعة (الطبعة 1)، الرياض:مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 54. بتصرّف.
- ↑ حسام الدين بن موسى عفانة (1430)، فتاوى يسألونك (الطبعة 1)، القدس:المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر، صفحة 124، جزء 13. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1899، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:998، حديث حسن.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3435، حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه.
- ↑ أبو هلال العسكري (1412)، معجم الفروق اللغوية (الطبعة 1)، قم:مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، صفحة 307. بتصرّف.