مفهوم نزع الخافض في النحو

كتابة:
مفهوم نزع الخافض في النحو

تعريف نزع الخافض في النحو

النّزع لغةً: مأخوذٌ من القلع، وذلك إذا ما قيل نزع الشيء أي: اقتلعه وجذبه، فهو إخراج الشيء بشدة، أمّا الخافض في اللغة فهو من الخفض وضد الرفع، وقد استُعمل لفظ الخافض في اللغة العربيّة للتّعبير عن "الجار".[١]

أمّا نزع الخافض في الاصطلاح النحوي فهو: حذف حرف الجر من الاسم ونصب الاسم الذي يأتي بعد حرف الجر على أن يصبح منصوبًا بنزع الخافض، والألفاظ التي تدلّ على نزع الخافض كثيرة منها: حذف الخافض، وإسقاط الخافض، وسقوط الخافض، وغير ذلك مما يدلّ على المعنى ذاته.[١]

لكنّ المعنى المُطابق لدلالة المَبحث هو "نزع الخافض"؛ وذلك لأنّ بين الفعل وحرف الجر صلة وثيقة وشديدة، ولفظ النزع أصعب من الحذف أو غيره، أمّا المصطلحات الأخرى فإنّها ترد للتعبير عمّا طرأ على الجملة من تغيير فقط،[١] وذلك على نحو قول الشّاعر:[٢]

نجا سالمٌ والنفسُ منه بشدْقِه

ولمَ يَنْجُ إلاّ جفنَ سَيْفٍ ومِئْزَرا

انتصب الاسم "جفن" بنزع الخافض، والأصل في الجملة أن يُقال: "بجفن سيفٍ ومئزرٍ"، ويُعرب الاسم الذي نُزع خافضه وانتصب اسمًا منصوبًا بنزع الخافض، ومثال ذلك قولهم: "شكرتُ لطفَك "، "لطفَك": اسم منصوب بنزع الخافض وعلامة نصبه الفتحة الظّاهرة، والكاف ضمير متّصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.[١]

شروط نزع الخافض

ينبغي توفّر مجموعة من الشّروط ليصحّ الحذف للخافض في الجملة، وهذه الشّروط على النحو الآتي:[٣]

  • الدّليل والقرينة

يحتاج الحذف إلى قرينة تدلّ عليه، قد تكون مقالية أو حالية، فالمقالية مثل: امْرُر بأيّهم أفضل، إن زيدٍ، وإن عمرٍ، والتّقدير: إن مررتَ بزيدٍ أو مررت بعمرٍ، وأمّا الحالية فهو أن يدلّ الموضع على لزوم الحذف، ومن ذلك حذف المضاف في قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}،[٤] والمراد "أثر فرس الرسول".

  • أن يأمن اللبس

فلا يتسبّب هذا الحذف لَبْسًا في المعنى، ويُلغى اللَّبس في حذف حرف الجر ووضْع دليل يُشير إلى المحذوف، مثل: "عجبت أن نجحت"، فالفعل "عجبت" هو فعل لازم يتعدّى بحرف الجر "مِن" فجاز حذفه؛ لأنّه لا يمكن الخلط بينه وبين غيره، بينما لا يمكن حذف حرف الجر في قولهم: رغبت مِن أن تسافر، وذلك لأنّ الفعل "رغب" يتعدّى بمن، وعن.

  • ألّا يكون العامل ضعيفًا

وهو شرط وضعه بعض النحويين، وذلك بألّا يحدث الحذف إلّا في أماكن قد قويت فيها الدلالة فيكون المعنى مفهومًا في حال الحذف.

  • ألّا يؤدي الحذف إلى اختصار المختصر

الحروف الجارة قد دخلت على الجملة لاختصار الكلام، وإذا ما حذف المختصر يكون ذلك إجحافًا بحقّه، ومعنى ذلك أن يحذف الخافض بالقياس فقط، وذلك على نحو حذفه في قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ}.[٥]

أغراض نزع الخافض

لنزع الخافض في اللغة العربية أغراض متعددة، منها ما يأتي:[٦]

  • التخفيف

قد يكثر ذكر الجار "الخافض" في موضعٍ معيّن، حتّى يُتقنه الناس ويعرفوه، وهذا التّكرار يؤدّي ثقلًا في اللّفظ، وبالتالي يجوز حذف حرف الجر فيه وذلك لأمن اللّبس، وذلك على نحو قولهم: "سميتك أبا عبد الله"، والأصل: سمّيتك بأبي عبد الله.

  • الإيجاز والاختصار

من سمات علم البلاغة الإيجاز والاختصار، وقد يكون الإيجاز بحذف حرف الجر إذا ما أمن اللَّبس من ذلك الحذف، وقد فضّل البلاغيّون هذا النوع من الحذف بشكل كبير، نحو قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}،[٧] والقصد أهل القرية.

  • الاتساع

إنّ الاتّساع في اللغة العربيّة يقوم على نسبة ما يكون للمحذوف من الحكم إلى مَن حلّ مكانه، وكذلك بالنسبة لحرف الجر، فعندما يُسند الفعل إلى الاسم المنصوب بنزع الخافض يكون قد أعطى حكمه لذلك الاسم، في حين كان مُرتبطًا بحرف الجر قبل الحذف، نحو قولهم: "ذهبتُ صلاة العصر"، والقصد: وقت صلاة العصر.

  • المبالغة

يكون ذلك في حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مكانه، ومنه قول الخنساء:[٨]

تَرتَعُ ما رَتَعَت حَتّى إِذا اِدَّكَرَت

فَإِنَّما هِيَ إِقبالٌ وَإِدبارُ

والقصد: هي ذات إقبال وإدبار، أو: هي مقبلة مدبرة.

أسباب نزع الخافض

هناك أسباب تدفع إلى نزع الخافض في الجملة، ومن هذه الأسباب ما يأتي:[٩]

  • كثرة الاستعمال

هي أكثر الأسباب التي تدفع إلى نزع الخافض، إذ تحذف بعض الأحرف الجارة بسبب كثرة الاستعمال لفعلٍ يتعدّى بحرف جر، فحينها يصبح هذا الفعل متعلّق بقرينة تدلّ على الحرف الجار الذي يتعدّى به، ممّا يدعو للحذف، وإذا ما حذف حرف الجر الذي يكون معروفًا يجر الاسم مع نزع الخافض غالبًا، وذلك على نحو قولهم: "خيرٍ، عافاك الله".

  • الثّقل

وجد العرب في حذف حروف الجر إيجازًا بلاغيًّا، والثّقل الذي يصح أن يُنزع الخافض لأجله يكون ما اعتاد الناس على استخدامه بكثرة، وبأن يُفهَم الغرض من الفعل والمُراد منه، من ذلك قولهم: ويلمّه، والمقصود ويلٌ لأمّه.

  • الضرورة

قد يُحذف حرفٌ من حروف الجرّ في غير المواضع القياسية التي حُذف فيها، فيُخالف بذلك القاعدة الرئيسة لحذفه، وفي هذه الحالة إذا كان الحذف قد ورد في النثر فيقال عنه شذوذ وإذا ورد في الشعر يُقال عنه ضرورة، وذلك على نحو قول الشّاعر:[١٠]

وكريمةٍ من آل قيسٍ ألفته

حتّى تبذّخ فارتقى الأعلام

موانع نزع الخافض

لنزع الخافض موانع لا يصح معها نزعه، ومن تلك الموانع ما يأتي:[١١]

  • أن يحدث لبس في المعنى عند إجراء الحذف، وذلك بأن يصيب المعنى خلل معيّن، فهنا يمتنع الحذف، وذلك على نحو حذف الخافض من جملة الفعل "رغب" كقولهم: رغبَ الشيء والأصل: رغب في الشيء.
  • أن يكون العامل ضعيفًا غير معروف ولم يرد ذكر حرف جر له؛ أي أنّه لا يتردّد كثيرًا ولا يستخدم كذلك.
  • ألّا يوجد دليل أو قرينة قد دلّت على هذا الحذف، لأنّ الحذف في هذا المعنى يؤدّي حتمًا إلى اختلاف في المعنى، ففي قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}،[٤] هنالك ما يدل على أنّ هنالك فرس من سياق الآيات قبلها ومن التفسير، ولكنْ إذا انعدمت هذه القرينة فلا مجال لنزع الخافض.

مواضع نزع الخافض

لنزع الخافض مواضع كثيرة في اللغة العربية، ولكنّ أشهرها ما يأتي:[١٢]

  • الفعل نصح

إنّ الفعل "نصح" يتعدّى بحرف الجر اللام، وقد يحذف هذا الحرف فينتصب الاسم بعده بنزع الخافض، وذلك على نحو:[١٣]

نصحتُ بني عوفٍ فلم يتقبّلوا

وصاتي ولم تنجح لديهم وسائل

فكلمة "بني" اسم منصوب بنزع الخافض.

  • الفعل جاء

وممّا يتبع هذا الفعل "جاء" فهو متعدٍّ بحرف "إلى" فيمكن القول: "جئتكَ"، أو "جئتُ إليك".

  • الفعل عزمَ

إنّ الفعل عزم مُتعدٍّ بحرف الجر "على"، ولكنّه قد يأتي مجرّدًا منه فينتصب الاسم بعده بنزع الخافض، مثل قولهم: "عزم على المسير"، أو "عزم المسيرَ".

  • الفعل كفر

إنّ الفعل كفر متعدٍّ بالباء، وقد يأتي بدونها، نحو قولهم: "كفر بالأوثان" أو "كفر الأوثانَ".

أمثلة على نزع الخافض

من الأمثلة المُعربة على نزع الخافض ما يأتي:

  • دخلتُ البيتَ.

التّقدير: "دخلتُ إلى البيتِ"، وإعراب البيتَ: اسم منصوب بنزع الخافض وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

  • نزلتُ الحيَّ.

التّقدير: "نزلتُ في الحيِّ"، وإعراب الحيَّ: اسم منصوب بنزع الخافض وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

تدريبات على نزع الخافض

فيما يأتي تدريبات متنوعة على نزع الخافض:

صحّح الخطأ في الجمل التالية

جِد الخطأ في الجمل الآتية ثم صحّحه:

  • من شروط حذف الخافض في الجمل وجود اللَّبس.
  • من الأغراض التي تدفع إلى حذف الخافض "قلة الاستعمال".
  • يمتنع حذف الخافض في الجملة إذا دلّ عليه دليل.
  • يُقصد بالإيجاز اختصار أي حرف جر في الجملة مطلقًا.

حدّد مواضع نزع الخافض في الجمل التالية

  • يقول المتلمس الضبي:

آليتُ حبَّ العراق والدّهرُ أطعمه

والحب يأكله في القرية السوس[١٤]
  • يقول تعالى:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا}.[١٥]
  • يقول عمرو بن معد كرب:
أمرتك الخيرَ فافعل ما أمرت به  
فقد تركتكَ ذا مالٍ وذا نشب[١٦]

أعرب مواضع نزع الخافض في الجمل التالية

في الأمثلة الآتية أسماء منصوبة بنزع الخافض، جِدْها وأعربها في الجدول المرفق:

  • يقول تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
  • يقول الراعي النميري:
اختَرْتُكَ النّاسَ إِذْ رَثَّت خَلائِقُهُم  
واعتلّ من كان يرجى عنده السّؤل[١٧]
  • دخل الرجل البيتَ.
  • عزم الفارس المسير إلى المعركة.
الاسم المنصوب
إعرابه








المراجع

  1. ^ أ ب ت ث جهاد يوسف العرجا، حسين راضي العايدي ، المنصوب على نزع الخافض في العربية دراسة تطبيقية، صفحة 3 - 10. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، ديوان الهذليين، صفحة 22.
  3. حسين بن علوي بن سالم الحبشي، نزع الخافض في الدرس النحوي، صفحة 20 - 29. بتصرّف.
  4. ^ أ ب سورة طه، آية:96
  5. سورة البقرة، آية:75
  6. حسين بن علوي بن سالم الحبشي، نزع الخافض في الدرس النحوي، صفحة 30 - 42. بتصرّف.
  7. سورة يوسف، آية:82
  8. "قذى بعينك أم بالعين عوار"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2/12/2021.
  9. عبیدة خلیل الشبلي، نـزعُ الخافضِ بینَ النّظریّة والاستعمال، صفحة 11 - 23. بتصرّف.
  10. ابن عقيل ، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، صفحة 40.
  11. عبیدة خلیل الشبلي، نـزعُ الخافضِ بینَ النّظریّة والاستعمال، صفحة 9 - 11. بتصرّف.
  12. حسين بن علوي بن سالم الحبشي، نزع الخافض في الدرس النحوي، صفحة 87 - 95. بتصرّف.
  13. "أهاجك من أسماء رسم المنازل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021.
  14. "المتلمس الضبي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2021.
  15. سورة الأعراف، آية:155
  16. عمرو بن معد كرب، ديوان عمرو بن معد كرب، صفحة 63.
  17. الراعي النميري، ديوان الراعي النميري، صفحة 194.
5371 مشاهدة
للأعلى للسفل
×