مقاصد سورة الأعلى

كتابة:
مقاصد سورة الأعلى

سورة الأعلى

سورة الأعلى سورة مكية أنزلها الله -سبحانه وتعالى- على رسوله بواسطة الوحي جبريل -عليه السَّلام- في مكة المكرمة، من سور المفصل، تقع سورة الأعلى في جزء عمَّ؛ وهو الجزء الثلاثين من القرآن الكريم وفي الحزب الستين، وقد نزلتْ على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد نزول سورة التكوير، وهي السورة السابعة والثمانون من ترتيب سور المصحف الشريف، بدأها الله تعالى بفعل أمر، قال تعالى في مطلعها: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[١]، وفيما يأتي من هذا المقال سيتم الحديث عن مقاصد سورة الأعلى وسبب نزولها وسبب تسميتها وفضلها.

سبب نزول سورة الأعلى

قبل التفصيل في مقاصد سورة الأعلى، جدير بالذكر إنَّ أسباب النزول في القرآن الكريم تختلف بين آية وأخرى، كلُّ آية نزلتْ بحكمة بالغة، وكلُّ آية نزلتْ لحكمة بالغة أيضًا، قد جاءتْ أسباب النزول صريحة واضحة في كثير من الآيات، بينما لم يردْ أي سبب من أسباب النزول في آيات أخرى، أمَّا سبب نزول سورة الأعلى، فلم يردْ في حقها سبب نزول صريح، وإنَّما ما جاء في سبب نزولها هو ما جاء في صحيح ابن حبان عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: "لمَّا نزَلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[٢]، قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: اجعَلوها في رعوكم، فلمَّا نزَل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[٣] قال: اجعَلوها في سُجودِكم"[٤]، فسبب نزول هذه السورة هو تعليم الناس تسبيح الله الأعلى، وهذا ما يُستخلص من الحديث الشريف السابق، والله تعالى أعلم.[٥]

مقاصد سورة الأعلى

في الحديث عن مقاصد سورة الأعلى، يمكن القول إنَّ هذه السورة الكريمة تحوي دعوة صريحة معلنة بفعل أمر صريح وهو الفعل "سبِّحْ"؛ أي إنَّ أوَّل مقاصد سورة الأعلى هو الأمر الإلهي بالتسبيح حيث قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[١]، ثمَّ تبيِّنُ الآيات التالية عظمة الله تعالى الخالق البارئ، الذي خلقَّ فحسن الخلق، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ}[٦]، فمن مقاصد سورة الأعلى أنَّ أظهرت عظمة الخالق ووضَّحتْ بعض آياته، ثمَّ يخاطب الله تعالى رسوله الكريم في الآيات التالية، ويبشره بالتيسير والفرج من الله ويدعوه إلى تبليغ رسالة الله تعالى وتذكير الناس، قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ}[٧]، ثمَّ يبين الله تعالى عاقبة الناس يوم القيامة، فمن اهتدى نجا ومن شقي وعصا سيصلى النار الكُبرى، كما يؤكد الله تعالى على أنَّ الآخرة خير من هذه الحياة الدنيا الزائلة، وهذا ما اجتمعت عليه الديانات السماوية السابقة، وهذا ما جاء به أنبياء الله جميعًا، قال تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ}[٨]، والله تعالى أعلم.[٩]

فضل سورة الأعلى

بعد الحديث عن مقاصد سورة الأعلى، جدير بالذكر إنَّ سورة الأعلى تعتبر من السور التي جاء في فضلها عدد من الأحاديث الصحيحة، وكانت معظم هذه الأحاديث تشير إلى أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يقرأ سورة الأعلى في الصلوات المختلفة التي حددها رواة أحاديث رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ومن أبرز ما جاء من أحاديث تبين فضل هذه السورة المباركة ما يأتي:[١٠]

  • عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "أَوَّلُ مَن قَدِمَ عَلَيْنَا مِن أصْحَابِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلَا يُقْرِئَانِنَا القُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وبِلَالٌ وسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ في عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَما رَأَيْتُ أهْلَ المَدِينَةِ فَرِحُوا بشيءٍ فَرَحَهُمْ به؛ حتَّى رَأَيْتُ الوَلَائِدَ والصِّبْيَانَ يقولونَ: هذا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قدْ جَاءَ فَما جَاءَ، حتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى}[١] في سُوَرٍ مِثْلِهَا"[١١].
  • وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: "إنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- كانَ يقرأُ في العيدَينِ، ويومِ الجمعةِ بِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[١] وَهَلْ {أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}[١٢]، وربَّما اجتمعا في يومٍ واحدٍ فيقرأُ بِهِما"[١٣].
  • وعن عمران بن الحصين -رضي الله عنه- قال: "إنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: أيُّكُمْ قَرَأَ، أوْ أيُّكُمُ القَارِئُ، فَقالَ رَجُلٌ أنَا، فَقالَ: قدْ ظَنَنْتُ أنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا"[١٤].
  • وسُئلت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: "بأيِّ شيءٍ كان يُوترُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالت : كان يقرأُ في الأولى بـ: {سبِّحِ اسمَ ربِّك الأَعْلى}[١]، وفي الثانيةِ بـ: {قلْ يا أيُّها الكافرونَ}[١٥]، وفي الثالثةِ بـ: {قلْ هو اللهُ أَحَدٌ}[١٦] والمعوِّذتَينِ"[١٧].
  • وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "قامَ معاذٌ فصلَّى العشاءَ الآخرةَ فطوَّلَ، فقالَ النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلم-: أفتَّانٌ يا معاذُ أفتَّانٌ يا معاذُ، أينَ كنتَ عن: {سبِّحِ اسمَ ربِّكَ الأعلى}[١] و{الضُّحى}[١٨] وَ{إذا السَّماءُ انفطرت}[١٩]"[٢٠].

سبب تسمية سورة الأعلى

إنَّ سبب تسمية سورة الأعلى يشبه أسباب تسمية كثير من سور الكتاب، فغالب السور تسمَّى بمطالعها، كسورة الواقعة وسورة عصر وسورة الفلق وسورة الناس وغيرها، وبعض السور القرآنية تُسمَّى باسم قصة ذُكرت في آياتها مثل سورة البقرة وسورة الفيل وغيرها، وسورة الأعلى سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّ كلمة الأعلى وردت في مطلع هذه السورة، قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[١]، وقد سُمِّيت هذه السورة أيضًا بسورة "سبِّحْ"، ولكنَّ الاسم المتداول والمنتشر أكثر هو الأعلى، والله تعالى أعلم.[١٠]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ سورة الأعلى، آية: 1.
  2. سورة الواقعة، آية: 96.
  3. سورة الأعلى، آية: 1.
  4. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 1898، أخرجه في صحيحه.
  5. "تفسير القرطبي"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
  6. سورة الأعلى، آية: 2-3-4-5.
  7. سورة الأعلى، آية: 9-10.
  8. سورة الأعلى، آية: 11-19.
  9. "سورة الأعلى"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
  10. ^ أ ب "تفسير سورة الأعلى"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 4941، صحيح.
  12. سورة الغاشية، آية: 1.
  13. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 1567، صحيح.
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 398، صحيح.
  15. سورة الكافرون، آية: 1.
  16. سورة الإخلاص، آية: 1.
  17. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 463، صحيح.
  18. سورة الضحى، آية: 1.
  19. سورة الانفطار، آية: 1.
  20. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 996، صحيح.
4077 مشاهدة
للأعلى للسفل
×