محتويات
سورة الإنسان
هي السورة السادسة والسبعون من سور القرآن الكريم البالغ عددها مائة وأربعة عشر سورة، تقع في الجزء التاسع والعشرين وتسبقها في ترتيب المصحف الشريف سورة القيامة وتليها سورة المرسلات ويبلغ عدد آياتها واحدًا وثلاثين آية، ويعود سبب تسميتها إلى أنّ الله -جلّ وعلا- استهل آياتها بالحديث عن الإنسان فقد قال: {هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}،[١]وسيسلط هذا المقال الضوء على مقاصد سورة الإنسان وأسباب نزولها وفضل قراءتها.[٢]
أسباب نزول سورة الإنسان
قبل الحديث في مقاصد سورة الإنسان سيتم التطرّق إلى ذكر أسباب نزول هذه السورة العظيمة، فقد تبيّن أنّه لم يرد عن أهل السيرة والتفسير الكثير عن أسباب نزول سورة الإنسان، إلّا أنّه قد ورد في كتب السيرة سبب نزول آيةٍ واحدةٍ من آياتها وهي قوله -تعالى-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}،[٣]ونزلت هذه الآية الكريمة في عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- حيث أنّه كان يعمل أجيرًا يسقي النخيل فأخذ مقابل عمله هذا بعضًا من الشعير، فطحنه وأخذ ثلثه وطهاه ولمّا استوى مرّ به مسكينٌ فقدّم له طعامه، وعاد وطها ثلثًا ولمّا استوى مرّ به يتيمٌ فأعطاه طعامه، ثمّ طها باقي ما لديه وعند استوائه مرّ به أسيرٌ من أسرى المشركين فقدّم له ما بقي لديه من طعامٍ وبات -رضي الله عنه- دون طعام، وكان كلّ ما قدمه ابتغاء وجه الله فنزلت فيه هذه الآية.[٤]
مقاصد سورة الإنسان
تتجلى مقاصد سورة الإنسان بشكلٍ عام ببيان حال الإنسان، فقد استهل الله -سبحانه وتعالى- السورة بالتعريف بالإنسان وكيفية خلقه وذلك بقوله: {هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}،[٥]في مقصدٍ منه بأن يبيّن للإنسان أنّه ومنذ فترةٍ من الزمن لم يكن موجودًا وأنّ الله بقدرته وعظمته هو من خلقه ووهبه من نعمه كالسمع والبصر وغيرها، ثمّ أكمل بقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}،[٦]أي أنّه وبعد خلقه الإنسان علّمه وأرشده وهداه إلى السبيل الصحيح وبعدها كان إمّا شاكرًا عابدًا لله وإمّا من الكافرين وهذا من مقاصد سورة الإنسان بأنّ كفر الإنسان أو صلاحه هو باختياره من صنع يديه ولهذا سيحاسبه الله على كلّ صغيرةٍ وكبيرة.[٧]
ومن مقاصد سورة الإنسان أنّ الله -تعالى- خاطب عباده بأسلوب الترغيب والترهيب، فتارةً يذكر ما أعدّه للكافرين من عقابٍ وعذابٍ وذلك بقوله: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا}،[٨]وتارةً يذكر صفات الجنة التي أعدّها للمسلمين الأبرار وعباده المخلصين فقد قال: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا}،[٩]بمقصدٍ منه أن يهدي الناس لطريق الصواب إمّا خوفًا من الله وعقابه أو استبشارًا وشوقًا لجزاءه وجناته.[٧]
ويتبين أيضًا من مقاصد سورة الإنسان أنّ الله -سبحانه وتعالى- أراد التعريف بالأبرار بشيءٍ من التفصيل فجعل يصفهم ويصف أفعالهم بقوله: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}،[١٠]ثمّ إنّه وصف حالهم في جنات الخلد التي جزاهم الله -تعالى- بها على صبرهم وإحسانهم وإيمانهم فقال -جلّ وعلا-: {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}،[١١]وأيضًا وصفهم في قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}،[١٢]وقد بيّن -تبارك وتعالى- أنّ هذا حال من كان من عباده مؤمنًا صبورًا شكورا.[٧]
وأمّا آخر مقاصد سورة الإنسان كان التأكيد على أنّ السبيل إلى الفوز بجنات النعيم يكون بعبادة الله وحده والتقرّب إليه ودعاءه وذكره والمداومة على الحمد والسجود والتسبيح والاستغفار، فقد قال -جلّ وعلا-: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا}،[١٣]ثمّ ختم -سبحانه وتعالى- السورة كما ابتدأها بأنّه هو خالق الإنسان ومرشده وأنّ من اتبع هداه فقد فاز في الدنيا والآخرة أمّا من ضلّ وكفر واستكبر فله جهنم وبئس المصير، وهذا ما بيّنه -جلّ وعلا- في قول: {نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا * إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}،[١٤]وبهذا يؤكد الله -تعالى- على أنّه يهدي من يشاء ويدخله في رحمته وبأنّ من ظلم نفسه وكفر واستكبر فإنّ الله قد أعدّ له عذابًا أليمًا.[٧]
فضل سورة الإنسان
يعتبر أهل العلم أنّ قراءة سورة الإنسان في صلاة فجر يوم الجمعة سنةً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: "أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كانَ يَقْرَأُ في صَلَاةِ الفَجْرِ، يَومَ الجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَهلْ أَتَى علَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، وَأنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كانَ يَقْرَأُ في صَلَاةِ الجُمُعَةِ سُورَةَ الجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ"،[١٥]ويرى أهل العلم أنّ سبب اختيار الرسول الكريم سورتي السجدة والإنسان ليقرأهما في فجر يوم الجمعة الذي يُعتبر بداية أسبوعه هو أنّ مضمون السورتين يتحدّث عن بداية خلق الإنسان وتكوينه، وعن حياته واختياراته التي تودي به إلى مصيره الذي يكون بناءً على ما عاشه وقدّمه في حياته.[١٦]
الدروس المستفادة من سورة الإنسان
تتجلى في سورة الإنسان الكثير من الفوائد والدروس التي تفيد الإنسان في حياته وتصرفاته وتحدد له المسار الصحيح الذي يصل بسلوكه إلى مبتغى وغاية كلّ مؤمن، ومن الدروس المستفادة من سورة الإنسان ما يأتي:[١٧]
وجوب الإنفاق في سبيل الله
ذكر الله -جلّ وعلا- أنّ من صفات الأبرار أنّهم ينفقون ويطعمون الطعام محبّةً في الله وفي سبيله وبهذا يتوجب على المؤمنين الإنفاق والإطعام في سبيل الله، فقد قال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.[١٨]
وجوب إخلاص العمل لله -تعالى-
فقد حثّت الآيات الكريمة على وجوب إخلاص النيّة وجعل كلّ ما يقوم به العبد هو ابتغاء مرضاة الله دون انتظار الشكر من أحدٍ من عباده، وذلك في قوله -جلّ وعلا-: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.[١٩]
وجوب الوفاء بالنذر
فقد بيّنت الآيات الكريمة أنّ من صفات المؤمنين الأبرار أنّهم يوفون بنذورهم، فقد قال تعالى: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}.[٢٠]
وجوب المداومة على الأذكار
فقد أمر الله -تبارك وتعالى- المسلمين بالمداومة على الصلاة وأداء العبادة والمحافظة على الأذكار من تسبيحٍ وتحميدٍ وتهليل، وذلك بقوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا}.[١٣]
المراجع
- ↑ سورة الإنسان، آية: 01.
- ↑ "سورة الإنسان"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 08.
- ↑ "علوم القرآن أسباب النزول سورة الإنسان"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 01-02.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 03.
- ^ أ ب ت ث "سورة الإنسان"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 04.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 05-06.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 07-08.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 13.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 20-21.
- ^ أ ب سورة الإنسان، آية: 25-26.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 28-31.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس ، الصفحة أو الرقم: 879، صحيح.
- ↑ "لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورتي السجدة والإنسان في فجر كل جمعة؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "أكثر من ١٨٠ فائدة مستنبطة من بعض آيات في سورة الإنسان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 08.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 09.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 07.