مقاصد سورة التغابن

كتابة:
مقاصد سورة التغابن

سورة التغابن

سورة التغابن إحدى سورة القرآن الكريم المدنية عند أكثر أهل الفقه من العلماء أي نزلت بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، ويرى الضحاك أنَّها من السور المكية، بينما يقول الكلبيُّ هي مكيَّة ومدنيَّة معًا، ويقول ابن عباس -رضي الله عنه- في ذلك: إنَّ سورة التغابن نزلَت في مكة المكرمة إلا بعض آيات من آخرها نزلت في المدينة المنورة، نزلت بعدَ سورة التحريم، وتقع السورة في الجزء الثامن والعشرين وفي الحزب السادس والخمسين، ورقمُ ترتيبها في المصحف أربعة وستون، وعددُ آيات السورة 18 آية، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول سبب تسمية سورة التغابن وسبب نزولها ومقاصد سورة التغابن.[١]

سبب تسمية سورة التغابن

قبل أن يتمَّ تسليط الضوء على مقاصد سورة التغابن الكريمة، سيُشار إلى سبب تسمية السورة، حيثُ سمِّيَت السورة بسورة التغابن بسبب ورود كلمة التغابن في إحدى آيات السورة، قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}،[٢]والتغابن هو أحد أسماء يوم القيامة الذي وردَ في كتاب الله الكثير من الأسماء له، منها: يوم البعث، يوم الساعة، يوم القارعة، يوم الخروج، يوم الدِّين، يوم الفصل، الصاخة، التغابُن، الطامة الكبرى، الغاشية، الحاقة، الآزفة وغيرها.[٣]

سبب نزول سورة التغابن

في الحديث عن سورة التغابن لا بدَّ من المرور على سبب نزول السورة، فقد وردَ في أسباب نزول السورة أكثر من سبب لأكثر من موضع منها، ويقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في سبب نزولها: كان الرجلُ يُسلِم ويريد أن يهاجر فيمنعه أهله وأولاده من ذلك، ويقولون له: ننشدك الله أن لا تهاجر وتدع أهلك وعشيرتك وتصير إلى المدينة بلا أهل ولا مال، فكان منهم من يرقُّ قلبه ولا يهاجر ويبقى بين أهله وعشيرته، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}،[٤]والله تعالى أعلم.[٣]

مقاصد سورة التغابن

تبدأ سورة التغابن مثل بقيَّة السور المسبحات بالثناء على الله -عزَّ وجلَّ- وتسبِّحه وتمجِّده، وتبيِّن أنَّ الخلائقَ جميعهم في الأرض وفي السماوات يسبِّحون له -تبارك وتعالى- ويمجِّدونه، وجاءت صيغة التسبيح بفعل المضارع يسبِّحُ والتي تدلُّ على عظمة الله تعالى وتوحي باستمرارية وديمومة هذا الفعل العظيم، قال تعالى: {يُسبِّحُ للَّهِ ما في السَّمَاواتِ ومَا في الأَرضِ لهُ المُلْكُ ولهُ الحمْدُ وهُو علَى كلِّ شيْءٍ قدِيرٌ}،[٥]ويعدُّ هذا الأمر من أعظم مقاصد سورة التغابن، ومن مقاصد سورة التغابن أيضًا التوجُّه بتحذيرٍ شديد للكافرين والمشركين من تماديهم في الطغيان والكفر والغيِّ، وتذكرُ كيفَ كانت عاقبة الأمم السابقة التي كفرت وحادت عن طريق الصواب، وكيف أذاقهم الله عذابًا أليمًا، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}،[٦]وتؤكدُ أنَّ الله جعلَهم عبرةً للعالمين -تبارك وتعالى-.[٧]

ومن مقاصد سورة التغابن أيضًا أنَّها تشيرُ إلى إنكار الكفَّار ليوم الحساب والبعث، وينكرون أنَّ الله تعالى سيجمع الخلائق إليه جميعًا في يوم الحساب، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}،[٨]ومن مقاصد سورة التغابن أنَّها تؤكدُ على أنَّ كلَّ ما يصيبُ الشخص ما كان ليصيبه لولا إرادة الله تعالى وكلُّ ذلك بقضائه وقدره، قال تعالى: {ما أصابَ من مصيبَةٍ إلاَّ بإذْنِ اللَّهِ ومَن يؤمِن باللَّهِ يهْدِ قلبَهُ واللَّهُ بكُلِّ شيْءٍ عليمٌ}،[٩]ثمَّ تحذِّر المؤمنين من فتنة المال والولدِ على دِينِ المرء وإيمانه، قال تعالى: {إنَّما أموَالكُمْ وأولادُكُمْ فتنَةٌ واللَّهُ عندَهُ أجْرٌ عظِيمٌ}،[١٠]وتختمُ مقاصد سورة التغابن بالحديث عن تقوى الله تعالى وطاعته، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}،[١١]وتحضُّ المسلمين على إنفاق المال في جميع وجوه الخير والإحسان ابتغاءَ مرضاة الله تعالى وعفوه.[٧]

معنى التغابن في سورة التغابن

لقد سمِّيَت سورة التغابن بذلك لورود هذه الكلمة في إحدى آيات سورة التغابن، ومعنى التغابن أن يغبنَ البشرُ بعضهم بعضًا، وهو أحد أسماء يوم القيامة وبسبب ذلك سميَ بهذا الاسم، وقد قال بذلك عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-، ولأنَّ في ذلك اليوم يغبنُ أصحابُ الجنة أصحابَ النار، ويقول الإمام القرطبيُّ -رحمه الله تعالى- في تفسيره المعروف بتفسير القرطبي: لقد سُمِّي يوم القيامة بيومِ التَّغابنِ لأنَّ فيهِ يغبنُ أصحابُ الجنَّة أصحابَ النَّار، ومعنى ذلك أن يفوزَ أصحاب الجنَّة بالجنَّة التي وعدهم ربَّهم، وينال أصحاب النار النار التي توعَّدهم بها -سبحانه وتعالى-، وكأنَّ ذلك يحدثُ عن طريق المبادلة فيما بينهم، من أجل مبادلة الخير بالشر والجيد بالرديء والجحيم بالنعيم فيما بينهم، فإذا غبنَ فلانٌ فلانًا من الناس أي إذا باعه واشترى منه وكان النقص على المغبون والزيادة والغلبة والربح للشخص الذي غبَنَ، وهذا هو حال أصحاب الجنة وأصحاب النار كما وصفه -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم، ولذلك سمِّيَ يوم القيامة بيوم التغابن، والله تعالى أعلا وأعلم.[١٢]

المراجع

  1. "سورة التغابن"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
  2. سورة التغابن، آية: 9.
  3. ^ أ ب "سورة التغابن"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
  4. سورة التغابن، آية: 14-15.
  5. سورة التغابن، آية: 1.
  6. سورة التغابن ، آية: 5.
  7. ^ أ ب "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
  8. سورة التغابن، آية: 6-8.
  9. سورة التغابن، آية: 11.
  10. سورة التغابن، آية: 15.
  11. سورة التغابن ، آية: 15.
  12. "معنى قوله تعالى ( يوم التغابن)"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
2807 مشاهدة
للأعلى للسفل
×