مقاصد سورة التين

كتابة:
مقاصد سورة التين

سورة التين

سورة التين سورة مكية أنزلها الله -سبحانه وتعالى- إلى رسوله -عليه الصَّلاة والسَّلام- في مكة المكرمة، وهي سورة من سور المفصل، ومن قصار سور الكتاب، يبلغ عدد آياتها ثماني آيات فقط، وهي السورة الخامسة والتسعون في ترتيب سور المصحف الشريف، فتقع سورة التين في الجزء الثلاثين والأخير والحزب الستين، نزلتْ هذه السورة المباركة بعد سورة البروج، وهي من السور التي أقسم الله تعالى في مطلعها بما شاء من خلقه، قال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}[١]، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على مقاصد سورة التين بالتفصيل.

سبب تسمية سورة التين

تمهيدًا للحديث عن مقاصد سورة التين، جدير بالذكر إنَّ سورة التين سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- استفتحها بالقسم بالتين والزيتون، قال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}[٢]، وقد شرح عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- هذه الآية قائلًا: "هو تينكم الذي تأكلون، وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت، قَالَ تَعَالَى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِين}[٣]، فسورة التين سُمِّيت بهذا الاسم نسبة إلى مطلعها وهذا السبب الذي سُمِّيت به أغلب سور القرآن الكريم، فسورة الشمس وسورة القارعة وسورة القيامة كلُّها سورة سُمِّيت بأسماء جاءتْ في مستهلِّ هذه الآيات، والله تعالى أعلم.[٤]

مقاصد سورة التين

تنوَّعت مقاصد سورة التين على صغرها وقصرها، فسور الكتاب لا تُقاس بآياتها وإنَّما باتساع آفاق كلماتها وعظمة مداها، ومقاصد سورة التين على وجه الخصوص عظيمة، تتضح من خلال إلقاء نظرة على تفسير آيات هذه السورة المباركة، قال تعالى في سورة التين: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون * وَطُورِ سِينِين * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِين}[٥]، التين والزيتون هما الشجرتان المعروفتان، شجرة التين وشجرة الزيتون، وهنا تجب الإشارة إلى أنَّ شجرة الزيتون ذُكرتْ في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة النور: {للَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}[٦]، أمَّا طور سينين فهو جبل الطور الذي تجلَّى الله عنده لموسى وكلَّمه هناك، أمَّا هذا البلد الأمين فهو مكة المكركة، يقول ابن كثير: "ولا خلاف في ذلك، وقد أقسم الله بمكة لأنَّها أحبُّ البقاعِ إلى الله، وأشرفُ البقاعِ عند الله".

أمَّا مقاصد سورة التين فيما تبقَّى من آيات هذه السورة المباركة، فيقول الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين}[٧]، في هذه الآية جواب القسم الأول، فقد أقسم الله بالتين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين بأنَّه خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل ومظهر، خلقه تامَّ الأعضاء سويَّ الخلقة، قال ابن العربي: "ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإنَّ الله خلقه حيًّا عالمًا قادرًا مريدًا متكلِّمًا سميعًا بصيرًا مدبرًا حكيمًا"، أمَّا ردة الإنسان إلى أسفل سافلين فقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "ثمَّ بعد هذا الحسن والنَّضارة مصيرُهُ إلى النَّار إنْ لم يطعِ الله ويتبعِ الرسلَ"، ثمَّ يستثني الله تعالى المؤمنين الذين عملوا الصالحات من هذا المصير المؤسف ويعدهم بالأجر غير المنقطع في قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون}[٨]، ويختم الله تعالى هذه السورة بالاستفهام والتعجب بقوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّين * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِين}[٩]، أي ما الذي يجعل الإنسان عاصيًا مكذبًا بالدين الصحيح وقد رأى هذه الآيات البينات بأمِّ عينيه، وإنَّما هذا العدل في المصير هو دليل على حكمة الله وعدله وكرمه، والله تعالى أعلم.[١٠]

فضل سورة التين

بعد ما جاء من مقاصد سورة التين، من حُسن المقال أن يتم الحديث عن فضل هذه السورة المباركة، والقرآن الكريم محاط بالفضل والخير الثواب، فتلاوته تعبُّد وأجر، وتفسيره علم وأجر، واتباع أوامره صلاح وهداية ونجاة وفلاح، وقد جاءت السنة النبوية المباركة ببعض الأحاديث النبوية التي تخصُّ بعض سورة الكتاب بالفضل دون غيرها، وسورة التين لم يكن لها نصيب من الأحاديث الشريفة الصحيحة التي تبين فضل هذه السورة، ولكنَّ ما وردَ في فضلها حديث واحد موضوع يُذكر للاستئناس والعلم، روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "لَمَّا نزَلَتْ سورةُ التِّينِ على رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَرِحَ لها فَرَحًا شَديدًا؛ حتَّى بانَ لنا شِدَّةُ فَرَحِه، فسأَلْنا ابنَ عبَّاسٍ بعدَ ذلك عن تفسيرِها، فقال: أمَّا قولُ اللهِ تعالى {وَالتِّينِ} فبلادُ الشَّامِ، {وَالزَّيْتُونِ}[٢] فبلادُ فِلَسْطين، {وَطُورِ سِينِينَ}[١١] فطورُ سَيْنَا الَّذي كلَّمَ اللهُ عليه موسى، {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}[١٢] فبَلْدةُ مكَّةَ، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[١٣] محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}[١٤] عُبَّادُ الأَصْنامِ اللَّاتِ والعُزَّى، {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[١٥] أبو بَكرٍ وعُمَرُ، {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[١٥] عُثمانُ بنُ عَفَّانَ، {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}[١٦] عليُّ بنُ أبي طالبِ عليهمُ السَّلامُ، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}[١٧]؛ إذ بعَثَكَ فيهم نَبِيًّا وجمَعَكَ على تَقْوَى يا محمَّدُ"[١٨]، والله تعالى أعلم.[١٩]

مناسبة سورة التين لما قبلها من سورة الشرح

لا شكَّ في أنَّ سور القرآن الكريم رُتبتْ على شكلها الحالي بحكمة كبيرة، فسورة الشرح على سبيل المثال جاءت قبل سورة التين، وفي وضع سورة التين بعد سورة الشرح حكمة بالغة، أظهرها الشيخ أبو العباس المرسي في قوله: "قرأت مرة: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}[٢]، إلى أن انتهيت إلى قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين}[٧]، ففكَّرتُ في معنى هذه الآية، فألهمني الله أنَّ معناها: لقد خلقنا الإنسان في أحسنِ تقويم روحًا وعقلًا، ثمَّ رددناه أسفل سافلين نفسًا وهوىً، قلتُ: فظهر من هذه المناسبة وضعها بعد ألم نشرحْ، فإنَّ تلك أخبر فيها عن شرحِ صدرِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وذلكَ يستدعي كمال عقلِهِ وروحِهِ، فكلاهما في القلبِ الذي محلُّهُ الصَّدر، وعن تبرئته من الوزر الذي ينشأ عن النَّفس والهوى، وهو معصوم منهما، وعن رفع الذِّكر; حيث نزَّه مقامَهُ عن كلِّ وَصَم، فلمَّا كانتْ هذه السُّورة في هذا العلم الفرد من الإنسان، أعقبها بسورة مشتملةٍ على بقيَّةِ الأناسي، وذكر ما خامرهم من متابعة النفس والهوى"، والله تعالى أعلم.[٢٠]

المراجع

  1. سورة التين، آية: 1-2-3.
  2. ^ أ ب ت سورة التين، آية: 1.
  3. سورة المؤمنون، آية: 20.
  4. "سورة التين"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
  5. سورة التين، آية: 1-2-3.
  6. سورة النور، آية: 35.
  7. ^ أ ب سورة التين، آية: 4-5.
  8. سورة التين، آية: 6.
  9. سورة التين، آية: 7-8.
  10. "تأملات في سورة التين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
  11. سورة التين، آية: 2.
  12. سورة التين، آية: 3.
  13. سورة التين، آية: 4.
  14. سورة التين، آية: 5.
  15. ^ أ ب سورة التين، آية: 6.
  16. سورة التين، آية: 7.
  17. سورة التين، آية: 8.
  18. رواه ابن الجوزي، في موضوعات ابن الجوزي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1/406، موضوع.
  19. "باب فضل سورة التين"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
  20. "سورة التين"، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
4332 مشاهدة
للأعلى للسفل
×