محتويات
سورة الحديد
سورة الحديد من سور القرآن الكريم المدنية، أي التي نزلَت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة، أو نزلَت بعد هجرته المباركة من مكة إلى المدينة، تقع السورة في الحزب أربعةٍ وخمسين وفي الجزء سبعةٍ وعشرين، رقمُ ترتيبها في المصحف الشريف سبعةٌ وخمسون، وعدد آيات السورة تسعةٌ وعشرون آية، وسمِّيت السورة بهذا الاسم بسبب ورود ذكر الحديد في إحدى آياتها، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}،[١]وهذا المقال سيُلقي الضوء على سبب نزول سورة الحديد ومقاصد سورة الحديد وفضلها والإعجاز في ذكر الحديد في السورة.[٢]
سبب نزول سورة الحديد
قبل العروج على مقاصد سورة الحديد سيتمُّ ذكر أسباب نزول السورة كما وردَ في كتب التفاسير، فقد وردَ في أسباب نزول سورة الحديد أكثر من سبب لأكثر من موضع فيها، وأحد أسباب النزول كما وردَ في الحديث عن سَعدٍ، في قولِ اللهِ -جلَّ وعزَّ-: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ}،[٣]، قال: أنزَل اللهُ على رسولِهِ فتَلاهُ عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو قصَصْتَ علينا، فأنزَل اللهُ -جلَّ وعزَّ-: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}،[٣]قال: فتَلاهُ عليهم رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو حدَّثْتَنا، فأنزَل اللهُ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ}،[٤]قال: كُلُّ ذلك يُؤْمَرونَ بالقُرآنِ، قال خَلَّادٌ: وزاد فيه آخَرُ، قال: قالوا: يا رسولَ اللهِ لو ذكَّرْتَنا، فأنزَل اللهُ -عزَّ وجلَّ-: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}[٥][٦]وهذا أحد أسباب نزول سورة الحديد كما وردَ في الحديث.[٢]
مقاصد سورة الحديد
بما أنَّ سورة الحديد من السور المسبِّحات فإنَّ أعظم مقاصد سورة الحديد تتمثَّلُ في تسبيحِ الله تعالى وتمجيده والثناء عليه -جلَّ وعلا-، مع التأكيد على أنَّ الخلائق جميعهم أولهم وآخرهم يسبحون الله تعالى، وقد جاء هذا التسبيح في سورة الحديد بصيغة الماضي في قوله تعالى: {سبَّحَ للَّهِ ما في السَّماوَاتِ والأرضِ وهُوَ العزِيزُ الحَكيمُ}،[٧]وذلك دلالة على عظمة الخالق سبحانه، وتتابع الآيات بتنزيه الله تعالى وتعدِّدُ صفات الكمال والألوهيَّة عند الله -سبحانه وتعالى- وتشيرُ إلى عظمة ملكه وقدرته المطلقة في تصريف جميع ما في الكون، قال تعالى: {هوَ الَّذي خلَقَ السَّمَاواتِ والأَرضَ في ستَّةِ أيَّامٍ ثمَّ اسْتوَى علَى العَرْشِ يَعْلمُ مَا يَلجُ في الأرْضِ ومَا يَخرُجُ منْهَا ومَا ينزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ومَا يعْرُجُ فيهَا وهُوَ مَعكُمْ أَينَ مَا كُنتمْ واللَّهُ بمَا تَعْملُونَ بَصيرٌ}،[٨]وتذكُرُ عظمةَ علمه الذي يحيطُ بكلِّ شيءٍ.[٩]
ومن مقاصد سورة الحديد أيضًا أنَّها توجِّهُ نداءً عامًّا مطلقًا لجميع البشر ليؤمنوا بالله تعالى ورسالته، وتحثُّهم على إنفاق أموالهم في سبيل الله تعالى، وتعاتب من يتردَّد في الإنفاق على ذلك، وتذكُرُ الأجر الكبير والثواب الجزيل الذي ينتظر المؤمنين على ما ينفقون في سبيل الله تعالى وحده، قال تعالى: {إنَّ المُصَّدِّقينَ والمُصَّدِّقاتِ وأقْرَضُوا اللَّهَ قَرضًا حسَنًا يُضاعَفُ لهُمْ ولَهُمْ أجْرٌ كرِيمٌ}،[١٠]ثمَّ تذمُّ الحياة الدنيا وتظهِرُ للمسلمين حقارتَها وعدم أهميَّتها، وتشيدُ بالحياة الآخرة وما فيها من نعيم أبديٍّ لا يزول ولا يفنى، ومن مقاصد سورة الحديد أيضًا أنها تحضُّ المؤمنين والمسلمين على تقوى الله -تبارك وتعالى-، قال تعالى: {يا أيُّهَا الَّذينَ آمنُوا اتَّقوا اللَّهَ وآمِنُوا برَسُولهِ يُؤتكُمْ كِفلَيْنِ من رَّحْمتِهِ ويَجْعَل لَّكمْ نورًا تَمشُونَ بهِ وَيَغفِرْ لكُمْ واللَّهُ غفُورٌ رَّحيمٌ}،[١١]وتشيرُ إلى عظيم الفضل والجزاء الذي أعدَّه الله تعالى لعباده المؤمنين.[٩]
الإعجاز في قوله وأنزلنا الحديد
إنَّ القرآن الكريم كلُّه معجزٌ، وهو المعجزةُ الخالدة التي أيَّدَ الله تعالى بها نبيَّه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفي سورة الحديد بالذات وردَ ذكر الحديد في إحدى آياتها فكان من المعجزات العظيمة في هذا الكتاب المبين، قال تعالى: {لقَدْ أَرسَلنَا رسُلَنَا بالبَيِّنَاتِ وأنزَلْنَا معَهُمُ الكِتَابَ والمِيزَانَ ليَقُومَ النّاسُ بِالقسطِ وأنزلنَا الحدِيدَ فيهِ بَأسٌ شدِيدٌ ومنَافِعُ للنَّاسِ وليَعلَمَ اللَّهُ من يَنصرُهُ ورُسلَهُ بالغَيبِ إنَّ اللَّهَ قوِيٌّ عزِيزٌ}،[١٢]حيثُ يخبرُ اللهُ تعالى عبادَه أنَّه أنزلَ عليهم الحديد من السماء إنزالًا، أي إنَّ الحديد لم يتشكَّل في الأرض بل نزلَ كما هو من السماء، وهذه المعلومات لم يكن يعرفها الإنسان سابقًا، ولم يتوصَّل إليها إلا في القرن العشرين، وأكَّدت الكثير من الدراسات العلمية الحديثة على أنَّ الحديد الموجود في الأرض وفي المجموعة الشمسية قد نزلَ من السماء بعد انفجار النجوم المُستعرة وانتشارها في صفحة الكون، فنزلَت على الأرض وابلًا من النيازك الحديدية، والله أعلم.[١٣]
فضل سورة الحديد
تعدُّ سورة الحديد من السور المسبِّحات والتي تبدأ بتسبيح الله وتمجيده وتُثني عليه تعالى، والمسبحات السبع هي على الترتيب: سورة الإسراء، الحديد، الحشر، الصف، الجمعة، التغابن، الأعلى، وقد وردَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث عدَّة في فضل هذه السور الكريمة، وقد روى العرباض بن سارية -رضي الله عنه- في الحديث: "أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانَ يقرأُ المسبِّحات قبلَ أنْ يَرقدَ، وقالَ: إنَّ فيهِنَّ آيَةً أفضلَ منْ ألفِ آية"،[١٤]وقد وردَ عن الإمامِ ابنِ كثير أنَّه قال في تلك الآية التي تعدلُ ألفَ آية: إنَّ هذه الآيةَ هي: {هو الأوَّل والآخرُ والظاهرُ والباطنُ وهوَ بكلِّ شيءٍ علِيم}،[١٥]هذا عدا عن فضلها العظيم الذي يكمنُ في فضل القرآن كلِّه وفي قراءته وتطبيق ما فيه من أوامر وأحكام أنزلها الله تعالى على عباد المؤمنين.[١٦]
المراجع
- ↑ سورة الحديد، آية: 25.
- ^ أ ب "سورة الحديد"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة يوسف، آية: 3.
- ↑ سورة الزمر، آية: 23.
- ↑ سورة الحديد ، آية: 16.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج مشكل الآثار، عن سعد، الصفحة أو الرقم: 1157، إسناده قوي.
- ↑ سورة الحديد، آية: 1.
- ↑ سورة الحديد، آية: 4.
- ^ أ ب "تفسير سورة الحديد"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحديد، آية: 18.
- ↑ سورة الحديد، آية: 28.
- ↑ سورة الحديد، آية: 25.
- ↑ "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم: 5057، سكت عنه وقد قال في رسالته لأهل مكة: كل ما سكت عنه فهو صالح.
- ↑ سورة الحديد، آية: 3.
- ↑ "فضائل بعض السور القرآنية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.