مقاصد سورة الروم

كتابة:
مقاصد سورة الروم

سورة الروم

سورة الرّوم هي السورة الثلاثون حسب الترتيب العثمانيّ للقرآن الكريم، أمّا ترتيبها ضمن نزول السّور على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فهي السورة الرابعة والثمانون ضمن ترتيب النزول، فقد كان نزولها قبل نزول سورة العنكبوت، وبعد نزول سورة الانشقاق، عدد آياتها ستون آية مكيّة، نزلت آياتها كاملةً بمكّة المكرّمة, لا يُجادَلُ بمكيّتها[١]، نزلت على رسول الله كغيرها من السّور بواسطة أمين الوحي جبريل -عليه السلام-، فما هو سبب نزول السورة؟ وما هي مقاصد سورة الروم؟

سبب نزول سورة الروم

للحديث عن مقاصد سورة الروم لا بدّ من الدخول في خضمّ الأسباب التي أدّت إلى نزول هذه السورة على رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، ومن أسباب النزول الأساسية هي معارك الفرس والروم، فقد قامت الحروب على مرّ السنين بين كسرى الفرس وملك الروم، وبعد معارك طويلة امتدت عشرات السنين، جهّز كسرى جيشًا ضخمًا من أجل المعركة الفاصلة، وأمّر عليه القائد شهريراز، فسار شهريراز بجيشه إلى الروم والتقى بجيش الروم بأذرعات "عند مدينة درعا السورية" وبصرى، وهي أدنى مناطق بلاد الشام إلى جزيرة العرب، وكان جيش الروم تحت قيادة يحنس، فلم يتمكن يحنس من صدّ جيش الفرس، وتكبّدت الروم الخسارة الكبرى، وعندما بلغ الصحابة نتيجة المعركة، حزن المؤمنون لخسارة أهل الكتاب "الروم" أمام المجوس، وقد كره النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- تلك الخسارة، فيما لاقى ذلك الكفار بصدرٍ رحب، وفرحةٍ أغضبت أصحاب رسول الله، وذلك لشماتة الكفار بأهل الكتاب[٢].

ونزل قول الله: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[٣]،إلى آخر السورة، وقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري: "لما كان يومُ بدرٍ ظهرتِ الرومُ على فارسٍ فأَعجب ذلكَ المُؤمنينَ، فنزلتْ {الَم غُلِبَتِ الرُّومُ} إلى قوله {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ}، قال: ففرِحَ المؤمنون بظهورِ الرومِ على فارسٍ"[٤].

مقاصد سورة الروم

لكلّ سورة في القرآن الكريم مقاصد وأهداف وأسباب، وكذلك سورة الروم، والرّوم هم قوم بنو الأصفر، من نسل سيدنا إسحاق -عليه السلام-، وهم بذلك أهل الكتاب من بني إسرائيل، وسميّت السورة على اسمهم، وقد حملت السورة خبرًا ومضمونًا لنتيجة المعركة الفاصلة التي جرت بين الرّوم وفارس في أذرعات، وقد كان هذا موضوعًا ومقصدًا من مقاصد سورة الروم الكثيرة، وقد كان نزول هذه السورة في أواخر العهد المكيّ، قبل هجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- مع أصحابه إلى المدينة المنوّرة "يثرب"، وقد كانت تُمهّد للمآخاة التي ستحدث ومخالطة المسلمين، للعديد من النصارى واليهود في يثرب، فقد كان المسلمون يفرحون لانتصارات أهل الكتاب على المجوس، ويحزنون ويقاسون لخسارتهم، وقد ذكر الله تعالى ذلك التمهيد أيضاً في سورة العنكبوت، فقال: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.[٥][٦].

وفي مطلع السورة ذكر الله أحرف الإعجاز {الم} وذلك للدلالة على إعجاز الله في كلامه، ثمّ تلى ذلك خبر خسارة الروم، لكن هذا الخبر الحزين بالنسبة للمؤمنين تلته البشرى من الله لعباده بأنهم سيغلبون المجوس من أهل الفرس، تأكيدًا على أنّ النّصر لا يكون بعدّةٍ أو عتاد بل هو من عند الله وحده، ينصر من يشاء، ويهزم من يشاء، ثم تنتقل السورة في جزئياتها إلى بيان آيات الله في هذه الدّنيا الفانية، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}[٧]، ويبين كيف أن خلق الناس أزواجًا يسكنوا إليها، وخلق التفاوت في الجمال واللسان والعرق والبشرة، إلى قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ}[٨]، ثمّ تنتقل السورة لتبيان الكبائر وأنها تفسد الدّين والدنيا، وتؤدي لجلب غضب الله، فيعاقبهم بأفعالهم وبما تكسب أيديهم، عقابًا في الدّنيا والآخرة، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[٩].[٦]

ثم تختتم مقاصد سورة الروم بتبيان أحوال الدّنيا المتقلّبة، فالله قد خلق النّاس من نطفةٍ وماءٍ مهين، ثمّ كان بشرًا سويًّا، وأمدّه بقوةٍ منه -سبحانه- يسري بها في الأرض، ثمّ ينتقل به الحال إلى أن يُعمّر فيشيب ويضعف، وكذلك الأمر في الغنى والفقر، الجهل والعلم، والكثير الكثير كلّه بيد الله وحده، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}[١٠][٦]

فضل سورة الروم

لم تذكر الأحاديث الصحيحة أيّ فضلٍ خاصٍّ لقراءة سورة الروم، وقد وردت في الأحاديث الموضوعة في مناسبتين، عن أُبي: "من قرأَ سورة الرُّوم كان له من الأَجر عشر حسنات بعدد كل مَلك سبّح الله في السماء والأَرض وأَدرك ما ضيّع في يومه وليلته"، ولكن هذه الأحاديث ساقطة لا يؤخذ بها[١١]، وقد ذُكرت سورة الرّوم في الحديث الصحيح عن أبي روح شبيب الكلاعي: "صلى بنا نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةً فقرأ فيها سورةَ الرومِ فلبس بعضَها فقال إنما لبَّس علينا الشيطانُ القراءةَ من أجلِ أقوامٍ يأتون الصلاةَ بغيرِ وضوءٍ فإذا أتيتم الصلاةَ فأحسِنوا الوضوءَ"[١٢]، وبذلك يكون الفضل عامٌّ في تحقيق مقاصد سورة الروم، تتجلّى مقاصدها بتدبر آياتها.

وقفات تدبرية في سورة الروم

سورة الروم تمحورت حول بيان سنن الله تعالى في الأمم السابقة، وأنّ الأمر كلّه لله من قبلُ ومن بعد في كلّ ما يحدث مع الأمم، وأن الله تعالى جعل اختلاف البشر في علومهم وصورهم، ليفتح للناس آفاق طلب العلم، والتجانس بين الشعوب، وأنّه على الإنسان أن يُقيّم نفسه وفقًا لذلك بما يرضي الله -سبحانه وتعالى- ليحقّق الطمأنينة والسكينة في نفسه ودنياه، فمن أدّى حقوق الله والتزم طاعته ألهمه الله طريق الصواب ودرب النجاح، وحثّ الله في نهاية السورة على الصبر لعلمه بضعف نفوس البشر، قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[١٣]، فهي رسالةٌ ربانيّةٌ للصبر في سبيل تبليغ الدعوة، ونشر رسالة السماء في الأرض.[١١]

المراجع

  1. "مقاصد سورة الروم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
  2. "سورة الروم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
  3. سورة الروم، آية: 1-5.
  4. رواه ابن العربي، في عارضة الأحوذي، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 6/276، صحيح حسن.
  5. سورة العنكبوت، آية: 46.
  6. ^ أ ب ت "مقاصد سورة الروم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
  7. سورة الروم ، آية: 20.
  8. سورة الروم، آية: 25.
  9. سورة الروم، آية: 41.
  10. سورة الروم، آية: 54.
  11. ^ أ ب "سورة الروم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
  12. رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن أبو روح شبيب الكلاعي، الصفحة أو الرقم: 1/246، رجاله رجال الصحيح.
  13. سورة الروم، آية: 60.
3564 مشاهدة
للأعلى للسفل
×