مقاصد سورة الصف

كتابة:
مقاصد سورة الصف

السور المدنية في القرآن الكريم

يشيرُ مصطلح السور المدنية في القرآن الكريم على السور التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن طريق جبريل -عليه السلام- في المدينة المنورة أو التي نزلت عليه بعد هجرته -عليه الصلاة والسلام- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة سواء نزلت في مكة أو في المدينة، ويبلغ عدد السور المدنية في القرآن الكريم عشرون سورة منها سورة الصف، بينما يبلغ عدد السور المكية اثنان وثمانون سورة ويوجد اثنا عشرة سورة عليها خلاف بين الفقهاء بين ما إذا كانت مكية أو مدنية، وهذا المقال سيتحدث عن السور المسبحات وسورة الصف ومقاصد سورة الصف وسبب نزولها.[١]

السور المسبحات

تعدُّ سورة الصف من السور المسبِّحات السبع في القرآن الكريم والتي أشارَ إليها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وسمِّيَت بذلك لأنَّها تبدأ بتمجيد الله تعالى وتسبيحه، فقد قال تعالى في بداية السورة: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}،[٢]وهذه المسبحات السبع هي: الإسراء، الحديد، الحشر، الصف، الجمعة، التغابن، الأعلى، ويبدأ جميعها بكلمات مثل سبَّح أو سبحان أو يسبِّحُ أو سبِّح، وقد وردَ في الحديث عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- في فضل هذه السور: "أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يقرأُ المسبِّحات قبلَ أنْ يَرقدَ، وقالَ: إنَّ فيهِنَّ آيَةً أفضلَ منْ ألفِ آية"،[٣]ووردَ عن الإمام ابن كثير أنَّه قال: إنَّ هذه الآيةَ هي: {هو الأوَّل والآخرُ والظاهرُ والباطنُ وهوَ بكلِّ شيءٍ علِيم}،[٤]إلا أنَ القول الراجح أنَّها آية التسبيح التي بدأت بها كل سورة من المسبحات.[٥]

سورة الصف

قبل الحديث عن مقاصد سورة الصف سيتمُّ تسليط الضوء على سورة الصف من عدَّة جوانب في هذه الفقرة، حيثُ تعدُّ سورة الصف من سور القرآن الكريم المدنية، أي التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة أو نزلت بعد الهجرة المباركة من مكة إلى المدينة، تقع سورة الصف في الحزب الخامس والخمسين وفي الجزء الثامن والعشرين من القرآن الكريم، ورقمُ ترتيبها في المصحف واحد وستون بعد سورة الممتحنة وقبل سورة الجمعة، وعدد آيات السورة أربعة عشر آية، أُطلِقَ عليها اسم الصف لورود هذا الوصف فيها، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}،[٦]كما تُسمَّى أحيانًا سورة الحواريين بسبب ورود قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}،[٧]والله أعلم.[٨]

سبب نزول سورة الصف

لقد أولى علماء المسلمين من أهل الفقه والتفسير أسباب النزول للسور الكريمة أهمية خاصَّة في دراسة علوم القرآن الكريم، لأنَّها توضِّحُ معاني السورة وتساعدُ المسلمين على فهم النصِّ القرآني أكثر وتجعلهم أقرب إليه أكثر، وقد وردَ في أسباب نزول سورة الصف أنَّ المسلمين كانوا يقولون: "لو نعلم أحبَّ الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا"، فأنزلَ الله عليهم سورة الصفِّ ليدلَّهم على الأعمال التي يحبُّها -تبارك وتعالى-، وهذا ما وردَ في الحديث الذي رواه عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: "قعَدنا نفرٌ من أصحابِ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- فتذاكَرنا، فقلنا: لو نعلمُ أيَّ الأعمالِ أحبَّ إلى اللَّهِ لعملناهُ، فأنزلَ اللَّهُ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}، قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ سلامٍ: فقرأَها علينا رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-، قالَ أبو سلَمةَ: فقرأَها علَينا ابنُ سلامٍ، قالَ يحيى: فقرأَها علينا أبو سلمة، قالَ ابنُ كثيرٍ: فقرأَها علَينا الأوزاعيُّ، قالَ عبدُ اللَّهِ: فقرأَها علينا ابنُ كثيرٍ"،[٩]وكان هذا الموقف سببًا في نزول سورة الصف.[٨]

مقاصد سورة الصف

بدأت سورة الصف في أول آيةٍ منها بتمجيدِ الخالق البارئ -تبارك وتعالى- وتسبيحه، فكان هذا الثناء أول مقاصد سورة الصف حيثُ أثنت السورة على الله تعالى وعظَّمته -جلَّ وعلا-، ثمَّ وجَّهت عتابًا رقيقًا إلى عباد الله المؤمنين الذيت تخالف أفعالهم أقوالهم وهذه الصفة ليست من صفات المؤمنين بل اعتبرها الله تعالى من الذنوب العظيمة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}،[١٠]ومن مقاصد سورة الصف أيضًا أنَّها تشيرُ إلى الجفاء الذي كان بنو إسرائيل يتَّصفونَ به، كما تشيرُ إلى البشرى التي زفَّها نبيُّ الله عيسى بن مريم -عليه السلام- بقدوم نبيِّ الله محمد -صلى الله عليه وسلم- بعده، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}،[١١]لكنَّ اليهود والنصارى لمَّا جاءهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كذبوه ولم يؤمنوا بدعوته.[١٢]

ومن مقاصد سورة الصف أيضًا التطرُّق إلى الكافرين الذين يحاربون الله تعالى ورسوله -عليه الصلاة والسلام- ويؤكدُ الله في السورة أنَّه قادرٌ على أن يظهرَ دينه على جميع الأديان الباطلة في الأرض، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}،[١٣]ثمَّ تختمُ السورة بالحديث عن التجارة مع الله تعالى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}،[١٤]وهي تجارة رابحة أن يؤمنَ الناس بالله تعالى ويجاهدوا في سبيل الله بالمال والنفس لينالوا مغفرةً منه وجنَّاتٍ تجري الأنهار من تحتها، وذلك هو الفوز العظيم الذي يعلو على كلٍّ فوز وجزاءٍ.[١٢]

المراجع

  1. "الفرق بين السور المكية والسور المدنية والقرائن المميزة لكل منهما"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.
  2. سورة الصف، آية: 1.
  3. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم: 5057، سكت عنه وقد قال في رسالته لأهل مكة: كل ما سكت عنه فهو صالح.
  4. سورة الحديد، آية: 3.
  5. "فضل قراءة السور المسبحات عند النوم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.
  6. سورة الصف، آية: 4.
  7. سورة الصف، آية: 14.
  8. ^ أ ب "سورة الصف"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.
  9. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن سلام، الصفحة أو الرقم: 3309، إسناده صحيح.
  10. سورة الصف، آية: 2-3.
  11. سورة الصف، آية: 6.
  12. ^ أ ب "تفسير سورة الصف"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 25-06-2019. بتصرّف.
  13. سورة الصف، آية: 9.
  14. سورة الصف، آية: 10-12.
4095 مشاهدة
للأعلى للسفل
×