مقاصد سورة العصر

كتابة:
مقاصد سورة العصر

سور المفصل

سور المفصل هو اسم يُطلق على سور القرآن الكريم القصيرة التي كثُر الفصل فيها بينها بالبسملة، وقد سُمِّيت هذه السور بالمفصل لكثرة الفواصل فيها، وقد اختلف العلماء في تحديد بداية سور المفصل ونهايتها، فمنهم من قال تبدأ سور المفصل الطويلة والمتوسطة والقصيرة من سورة الحجرات وتنتهي بسورة الناس وهي آخر سور القرآن الكريم، ومنهم من قال تبدأ بسورة ق إلى آخر القرآن الكريم، واسم المفصل ورد في السنة النبوية وكان معروفًا في عهد الصحابة، فيما يأتي من هذا حديث عن إحدى سور المفصل وهي سورة العصر وسبب نزولها ومقاصد سورة العصر وفضلها.

سورة العصر

سورة العصر المباركة سورة من السور المكية التي نزلت على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، وهي سورة قصيرة من قصار سور القرآن الكريم ومن سور المفصل، يبلغ عدد آيات سورة العصر ثلاث آيات قصيرة فقط، أمَّا ترتيبها في المصحف فهي السور الثالثة بعد المئة، وقد نزلت سورة العصر بعد سورة الشرح، حيث تقع في الجزء الثلاثين والحزب الستين من القرآن الكريم، وقد بدأها الله تعالى بالقسم، حيث أقسم بالعصر حين قال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[١]، والله أعلم.[٢]

سبب نزول سورة العصر

قبل الحديث عن مقاصد سورة العصر أو الأفكار التي حملتها هذه السورة المباركة، جدير بالذكر إنَّ كثيرًا من الآيات والسور القرآنية وردَ فيها سبب نزول صريح وصحيح في السنة النبوية المباركة، كما أنَّ كثيرًا من السور والآيات القرآنية لم يردْ في حقها أي سبب من أسباب النزول، ومن هذه السور سورة العصر، فسورة العصر سورة قصيرة مؤلفة من ثلاث آيات قصار، لم يذكرْ العلماء المهتمون في علم التفسير أي سبب من أسباب نزول هذه السورة المباركة، ولا سيِّما الشيخ الواحدي أهم أبرز وأهم وأقدم العلماء المهتمين بأسباب نزول الآيات، فلم يوردْ الشيخ الواحدي سببًا في نزول هذه السورة، والله تعالى أعلم.[٣]

مقاصد سورة العصر

يمكن حصر مقاصد سورة العصر بتفسير الآيات الثلاث التي تكوَّنتْ منها هذه السورة المباركة، وعلى قصرها إلَّا أنَّ مقاصد سورة العصر واسعة عظيمة تدلُّ على بلاغة العليم الحكيم وعظمة هذا الكتاب وإعجازه، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى- في هذه السورة: {والعصر * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[٤]، في الآية الأولى يُقسم الله -عزَّ وجلَّ- بالعصر وأهل التفسير يقولون: إنَّ العصر هو الزمن بشكله العام، والله تعالى يُقسم بالنجم والعصر والليل وغير ذلك مما شاء من خلقه، مع ضرورة الإشارة إلى أنَّ هذه الأقْسَام لا تكون إلَّا لله العلي القدير، فليس للخلق أن يقسموا إلَّا بالله -سبحانه وتعالى- فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مَن كانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ أوْ لِيَصْمُتْ"[٥]، ويُشير أهل العلم إلى أنَّ الله تعالى أقسم بالعصر لأنَّ هذه الفترة من النهار هي أهم فترة من فترات اليوم يستطيع الإنسان أن يؤدي بها أعماله فهي مستودع أعمال الناس، ولهذا جاء الحديث في الآيات اللاحقة عن الأعمال، ومن مقاصد سورة العصر في الآية الثانية تأكيدُ الله تعالى على خسران الإنسان مع وجود أداة الاستثناء في الآية الثالثة التي استثْنَتْ من الخسران بعض الناس الذينْ يتصفون بالصِّفات التالية:[٦]

  • الإيمان: والإيمان أن يؤمن الإنسان بقلبه ويصدِّق هذا الإيمان بلسانه وعمله.
  • الأعمال الصالحة: والصالحات هي الأعمال التي من شأنها أن تُكسب الإنسانَ رضى الله -سبحانه وتعالى- والعمل الصالح هو جزء من الإيمان، فالإيمان لا يتحقق إلَّا بالعمل لذلك عطف الله تعالى العمل الصالح على الإيمان في الآية الكريمة.
  • التواصي بالحقِّ: والتواصي أن يوصي الإنسان أخاه الإنسان بالخير والإحسان والمعروف، فالتواصي هو أن يأمر أو يوصي الإنسان أخاه بالمعروف وينهاه عن المنكر، قال تعالى في سورة آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[٧].
  • التواصي بالصَّبر: إنَّ عطف التواصي بالصبر على التواصي بالحق كان بحكمة عظيمة، فقول الحق يحتاج إلى الصبر، لأن الآمر بالمعروف سيلحقه من الناس ما يلحقه من الأذى والتجريح، فعلى الإنسان أن يكون صبورًا في دعوته إلى الله الواحد وفي أمره الناس بالمعروف ونهيه الناس عن المنكر، وقد ربط الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر في سورة لقمان في قوله: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[٨]، وفي سورة آل عمران: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[٩]، والله تعالى أعلم.

فضل سورة العصر

في خاتمة ما جاء من مقاصد سورة العصر، جدير بالقول إنَّ تلاوة كتاب الله الحكيم كلُّها خير والله تعالى أوجب الأجر والثواب على كلِّ من يتلو كتاب الله بغض النظر عن الآية أو السورة التي يتلوها، وقد جاء في فضل بعض السور القرآنية أيضًا ذكر صحيح عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولم يجئ في سور أخرى، وسورة العصر على وجه الخصوص فلم يذكر في فضلها حديث صحيح عن رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ولكن ما وردَ حديث رجاله رجال صحيح، عن أبي مدينة الدّارميّ وكانت له صحبةٌ أنّه قال: "كان الرجلانِ من أصحابِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا التقيا لم يتفرَّقا حتَّى يقرأَ أحدُهما على الآخرِ: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}[١]"[١٠]، وجاء قول الإمام الشافعي -رحمه الله- الذي قال في فضل هذه السورة: "لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم"، والله أعلم.[١١]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة العصر، آية: 1-2.
  2. "سورة العصر"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.
  3. "لم يُذكَر سبب لنزول سورة العصر"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.
  4. سورة العصر، آية: 1-2-3.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2679، صحيح.
  6. "تأملات في سورة العصر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.
  7. سورة آل عمران، آية: 110.
  8. سورة لقمان، آية: 17.
  9. سورة آل عمران، آية: 186.
  10. رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن ثابت البناني، الصفحة أو الرقم: 10/310، رجاله رجال الصحيح غير ابن عائشة وهو ثقة‏‏.
  11. "فضل سورة العصر"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.
4968 مشاهدة
للأعلى للسفل
×