مقاصد سورة الفتح

كتابة:
مقاصد سورة الفتح

سورة الفتح

سورة مدنية، نزلت بموضع يقال له: كُراع الغَمِيم -موضع بين مكة والمدينة- وهي السورة الثامنة والأربعون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الثالثة عشرة بعد المائة في ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة الصف، وقبل سورة التوبة، عدد آياتها تسع وعشرون، وسبب نزولها عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: "نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحُدَيْبِيَة، وقد حِيل بيننا وبين نُسُكنا، فنحن بين الحزن والكآبة، أنزل الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أُنزلت عليَّ آية أحب إلي من الدنيا وما فيها" وفي رواية "من أولها إلى آخرها"، وخلال هذا المقال سيتم توضيح مقاصد سورة الفتح بالتفصيل.[١]

فضل سورة الفتح

قال رَسولَ -اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "لقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهي أحَبُّ إلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ: {إنَّا فَتَحْنا لكَ فَتْحًا مُبِينًا}"،[٢]ومن فضائلها أنها أدخلت السرور على النبي -صلى الله عليه وسلم- "قال: فطلبتُها فوجدت حبلَها قد تعلَّق بشجرةٍ فجئت بها إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- فركب مسرورًا، وكان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- إذا نزل عليه الوحيُّ اشتدَّ ذلك عليه وعرفنا ذاك فيه قال: فتنحَّى منتبذًا خلفَنا، قال: فجعل يُغطِّي رأسَه بثوبِه ويشتدُّ ذلك عليه حتى عرفنا أنه قد أُنزل عليه، فأتانا فأخبرنا أنه قد أُنزل عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}"،[٣]ولهذا فمن الضروري معرفة ماهية مقاصد سورة الفتح.[١]

مقاصد سورة الفتح

الفتح المبين ليس هو فتح مكة ولكنه صلح الحديبية، لأن فتح مكة إنما هو نتيجة من نتائج صلح الحديبية ليعلم الناس أن دين محمد -صلى الله عليه وسلم- أساسه الصلح وليس الحرب، ومنها السكينة التي نزلت في قلوب المؤمنين بعد أن حزنوا كثيرًا لهذا الصلح -غضبًا لله ثم لرسوله وليس لأنفسهم-، ومن مقاصد سورة الفتح بيان أن البيعة تحت الشجرة هي لله -عز وجل- ويد الله فوق أيديهم بالنصر، ومنها عقوبة المتخلفين عن بيعة الحديبية من الأعراب ووصفهم بالجبن والطمع وسوء الظن بالله وبالكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحرمانهم المشاركة في غزوة خيبر، ورفع الحرج عن أصحاب الأعذار الذين تخلفوا، وأيضًا كف أيدي الكافرين عن المؤمنين، وبيان أن الله صدق رسوله الرؤيا بالحق، مع الثناء على المؤمنين الذين بايعوا رسوله الأمين وأيدوه ونصروه، وأن الله قدّم مثلهم في التوراة وفي الإنجيل، وخُتمت السورة ببيان خُلِق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وجاء هذا في قول الله تعالى: {أشداء على الكفار رحماء بينهم}[٤]ومن مقاصد سورة الفتح قول البقاعي: "ومن عجائب هذه السورة: أنها تسع وعشرون آية، وقد جمعت حروف المعجم وهي تسع وعشرون حرفًا، في آخر آية فيها، وهي: {محمد رسول الله...} إلى آخرها، ولم تجتمع هذه الحروف في آية إلا في هذه السورة، وفي آية في أواخر سورة آل عمران، وكأنها إشارة إلى أن أساس الدين وكماله محمد وأصحابه، كما أن هذه الأحرف هي أساس اللغة العربية.[١]

فتح مكة

من مقاصد سورة الفتح أن فتح مكة كان فتح أخلاق ورحمة، فلم يُذكر في التاريخ مثل يوم الفتح، أن رجلًا مسلمًا اغتصب مسلمةً أو قتل طفلًا أو عجوزًا أو سرق بيتًا كما يفعل الفاتحون الجدد، بل دخل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- مكة باكيًا خفيض الرأس، يلهج صوته بالقرآن، قارئًا سورة الفتح، فَقالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ -رضي الله عنه-: "يا أبَا سُفْيَانَ، اليومَ يَوْمُ المَلْحَمَةِ، اليومَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ، فَقالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كَذَبَ سَعْدٌ، ولَكِنْ هذا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فيه الكَعْبَةَ، ويَوْمٌ تُكْسَى فيه الكَعْبَةُ"،[٥]يقول واشنجتون إيرفنج في كتابه "حياة محمد": "كانت تصرفات الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أعقاب فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر، فقد أبدى رحمةً وشفقةً على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"، ويقول إميل درمنغم: "فقد برهن -محمد- في انتصاره النهائي، على عظمة نفسية قلَّ أن يوجد لها مثال في التاريخ، إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء والمسنين والأطفال والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت، أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة، وأمرهم ألا يجردوا السيوف إلا في حال الضرورة القاهرة، بل رأيناه يؤنب بعض قواده ويصلح أخطاءهم إصلاحًا ماديًا، ويقول لهم: إن نفسًا واحدةً خير من أكثر الفتوح ثراءً". [انظر:محمد رسول الله هكذا بشرت به الأناجيل.[٦]

آيات السكينة في سورة الفتح

من مقاصد سورة الفتح أن السكينة في القرآن وردت في ستة مواضع، ثلاثة منها في سورة الفتح، وقال ابن قيم الجوزية: "كان -شيخ الإسلام- ابن تيمية -رحمه الله- إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها، من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة، قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلست وما بي قَلَبَة، وقد جربت أنا أيضًا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه، فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطمأنينته".[٧]

أصل السكينة هي الطمأنينة والوقار والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات، ولهذا أخبر الله -سبحانه وتعالى- عن إنزالها على رسوله وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب كيوم الهجرة ويوم الحديبية ويوم حنين، فيقرؤها المؤمن في مواقف الخوف والفزع، أو في مواقف الشبهات والفتن، أو عند الهم والحزن، أو عند اشتداد وسواس الشيطان، يقرؤها رجاء أن يثبت الله قلبه بما ثبت به قلوب المؤمنين فلا حرج عليه، ورجي أن يكون له ذلك، كما كان ل-شيخ الإسلام- ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت "مقاصد سورة الفتح"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-29. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 5012، صحيح.
  3. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6/194 ، إسناده صحيح .
  4. سورة الفتح، آية: 29.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن عروة بن الزبير، الصفحة أو الرقم: 4280، صحيح.
  6. "أخلاقيات فَتْح مَكَّةَ"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-29. بتصرّف.
  7. ^ أ ب "ما هي آيات السكينة ؟ "، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-29. بتصرّف.
3694 مشاهدة
للأعلى للسفل
×