محتويات
سورة القارعة
سورة القارعة من السّور المكّيّة التي نزلت على محمّد –صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة المكرّمة بعد سورة قريش، وهي من قصار المفصّل، وعدد آياتها إحدى عشرة آية، وجاء ترتيبها في المصحف الشّريف مئة وواحدة، بدأت باسم من أسماء يوم القيامة: {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ}،[١]لم يذكر فيها اسم الجلالة ولا مرّة واحدة، تقع في الجزء الثلاثين، وفي الحزب السّتين، وفي الرّبع الثّامن. سُميت سورة القارعة بهذا الاسم، لأنهَا تَقْرَعُ الأَسْمَاعَ وَالقُلُوبَ بِهَوْلها، وخلال هذا المقال سيتم التطرق إلى مقاصد سورة القارعة.
مقاصد سورة القارعة
للحديث عن مقاصد سورة القارعة، لا بدّ من التغلغل بين ثناياها، تتحدّث سورة القارعة عن أهوال يوم القيامة، ومدى شدّتها وقساوتها، وخروج النّاس فيها من قبورهم، وانتشارهم كالحشرات المتطايرة في كلّ مكان، وكأنهم يتحرّكون على غير هدى، وتبدأ مقاصد سورة القارعة بلفت الانتباه إلى أحد الأسماء المرعبة، "القارعة" وهو اسم من أسماء يوم القيامة: " القارعة" اليوم الذي يقرعُ القلوب، ويخيفها بعد قرعه للأسماع، وذلك عند النّفْخ في الصّور، كما قال - تعالى -: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}.[٢][٣]
ومن مقاصد سورة القارعة تكرار اسم السورة مع الاستفهام، {مَا الْقَارِعَةُ}،[٤]ولكن للتّعظيم والتفخيم لا للاستفسارلأنّ الله -سبحانه- يعلم الجواب، وهذه من أساليب القرآن في التّربية ولفت النظر، ومن مقاصد سورة القارعة أيضًا تكرار الاستفهام مع الإضافة عليه، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}،[٥]أي: أيّ شيء أخبرك عن هذه القارعة؟ أي: ما أعظمها! وما أشدّها من حادثة!. قال -تعالى- {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}،[٦]أي: كالحشرات الكثيرة المنتشرة حول شعلة نار في ليلة ظلماء، {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ}،[٧] بينما الجبال تكون كالقطن أوالصّوف الذي نفشته الأيدي.[٣]
ومن مقاصد سورة القارعة أنّ الله سبحانه وتعالى قد بيّن للعباد مصير كلٍّ منهم، من خلال ميزان العدالة الإلهي، فسيوزعون إلى قسمين: سعيد وشقيّ، فأمّا السّعداء فيقول الله عنهم: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}،[٨]أي: من رجحت أعماله الصّالحة فهو في نجاة من عذاب الله، وأمّا الأشقياء فقال الله -تعالى- عنهم: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}،[٩]وأمّا من قلّت أعماله الصّالحة، وكثرت أعماله الطّالحة، سهيوي في نار جهنّم، ويعذّب فيها ما شاء الله، ومنهم من يخلّد في نار جهنّم.[٣]
ومن المقاصد أيضًا استخدام أسلوب الاستفهام للتّغظيم والتّفخيم للنّار التي سيعذّب فيها المجرمون: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ}،[١٠]ومن خلال هذا التّخويف من هول يوم القيامة، فإنّه ينبغي على المؤمن أن يقيَ نفسه من عذاب ذلك اليوم، وهذه الوقاية إنّما تكون بفِعْل الخيرات، ولو بأقلّ القليل؛ لقول النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "..فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ".[١١][٣]
فضل سورة القارعة وأهمّيتها
بعد الحديث عن مقاصد سورة القارعة، سينتقل إلى فوائد تلاوتها، وأهمّيّتها في تهذيب النّفس، تعدّ سورة القارعة من أهمّ سور القرآن الكريم، وذلك لتعرّضها ليوم القيامة وما فيه من أهوال ومخاوف، فهي تحذّر المؤمنين من عقاب الله -عزّ وجلّ- في الآخرة، وإنّ هذه السّورة لها قدرة عظيمة على تهذيب النّفس وإصلاحها، وقد ورد حديث في فضل تلاوة سورة القارعة وأهمّيّة تلاوتها، ويؤكد بأنّ قراءة آيات القارعة يثقّل الموازين، "من قرأَ سورةَ القارعةِ ثقَّلَ اللَّهُ ميزانَهُ"،[١٢]ولكن ثبت بأنّ هذا الحديث غير صحيح.[١٣]
فعند القراءة أو الاستماع إلى أهوال يوم القيامة التي ذكرت في سورة القارعة، فيها وقع كبير على النّفس، وذلك لحديثها عن اللّحظة الحاسمة للعباد، وبأّنهم منهم السّعيد ومنهم الشّقيّ، ولا يمكن لواحد منهم أن يحدّد مصيره إلّا بعد أن توزن أعماله في ميزان العدل الإلهي؛ الذّي لا يضيّع مثقال ذرّة من خير أو شرّ، وعندما العبد يكثر من تلاوتها مع استحضار قلبه وعقله والتّفكر في معانيها، فلا بدّ وأن يبقى في خوف دائم من سخط الله عليه، ولذلك سيبتعد كلّ البعد عن المعاصي، وعن كلّ ما يغضب الله -سبحانه وتعالى- {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.[١٤][١٣]
تفسير قوله {الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}
يوم القيامة يوم ذو شأن عظيم، يحاسب الله فيه عباده بعد نشر الموازين، ولذلك سمّاه بـ: {الْقَارِعَةُ}، هذا الاسم مأخوذ من القرع، وهو الطّرق أو الضّرب بقوّة وشدّة، وقد سمّيت القارعة لأنها تقرع الآذان بجلجلتها وصوتها وزلزلتها؛ وكذلك لأنّها تقرع القلوب بهولها ومخاوفها وتساؤلاتها، ولأنها أيضًا تقرع العقول بالقلق والحيرة، حتى تدعَ الحليم َحيرانًا، قال تعالى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}،[١٥] إذًا: فالقارعة هي التي تقرع وتطرق، والقارعة هي الواقعة العظيمة والجليلة، ولهذا قال الله -تعالى- : {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ}،[١٦]فالمقصود بالقارعة في الآية السّابقة المصيبة تصيبهم في الدنيا أو الزلزال أوالنكبة أو المرض أو ما أشبه ذلك.[١٧]
تكرار قوله {وما أدراك} في القرآن
هناك عبارات تكرّرت في القرآن الكريم، وما ذاك إلّا لأمر يريده الله -سبحانه وتعالى- كلفت الانتباه إليه لأهمّيّته، أو لخطورته والاحتراز منه وغير ذلك، ممّثل: {وما أدراك} فقد كرّرت في سورة القارعة مرتين، في أوّل السّورة: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}،[١٨] وفي آخرها: {وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ، نَارٌ حَامِيَة}،[١٩] وهذا إنْ دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على زيادة التّهويل والتّخويف من ذلك اليوم العظيم، {وما أدراك}، أي: ما أعلمك أيّها العبد؟ وكأن يوم القيامة فوق إدراك الإنسان وفهمه وعقله، علمها عند الله وحده لا شريك له، وقد كرّرت {ما أدراك} في القرآن الكريم أربع عشرة مرّة، وهي:[٢٠]
- سورة الحاقّة، الآية 3: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}.
- سورة المدثّر، الآية 27: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ}.
- المرسلات، الآية 14: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ}.
- سورة الانفطار، الآية 17: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ}.
- سورة الانفطار، الآية 18: {ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ}.
- سورة المطفّفين، الآية 8: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ}.
- سورة المطفّفين، الآية 19: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ}.
- سورة الطّارق، الآية 2: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ}.
- سورة البلد، الآية 12: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ}.
- سورة القدر، الآية 2: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}.
- سورة القارعة، الآية 3: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}.
- سورة القارعة، الآية 3: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ}.
- سورة الهمزة، الآية 5: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ}.
- سورة البلد، الآية 12: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ}.
المراجع
- ↑ سورة الْقَارِعَةُ، آية: 1-2.
- ↑ سورة النمل، آية: 87.
- ^ أ ب ت ث "تفسير سورة القارعة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الْقَارِعَةُ، آية: 2.
- ↑ سورة الْقَارِعَةُ، آية: 3.
- ↑ سورة الْقَارِعَةُ، آية: 4.
- ↑ سورة القارعة، آية: 5.
- ↑ سورة القارعة، آية: 6.
- ↑ سورة القارعة، آية: 8-9.
- ↑ سورة القارعة، آية: 10-11.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عدي بن حاتم الطائي، الصفحة أو الرقم: 1016، صحيح.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في الكافي الشاف، عن الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 323، موضوع.
- ^ أ ب سيد قطب (1966)، في ظلال القرآن (الطبعة الأولى)، مصر: دار الشروق، صفحة 3960، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سورة النّازعات، آية: 40-41.
- ↑ سورة الحجّ، آية: 2.
- ↑ سورة الرّعد، آية: 31.
- ↑ "تفسير سورة القارعة"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة القارعة، آية: 3.
- ↑ سورة القارعة، آية: 10-11.
- ↑ محمد بن حمزة الكرماني، أسرار التكرار في القرآن البرهان في توجيه متشابه القرآن، .: دار الفضيلة، صفحة 247-252. بتصرّف.