سورة القدر
إنَّ سورة القدر سورة من السور المكية التي نزلتْ بواسطة الوحي جبريل -عليه السَّلام- على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وهي سورة من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها خمس آيات فقط؛ فهي من قصار سور الكتاب، وترتيب سورة القدر هو السابع والتسعون من ترتيب سور الكتاب، فهي في الجزء الثلاثين والأخير والحزب الستين، وقد نزلتْ بعد سورة عبس، وتبدأ سورة القدر بأسلوب توكيد، حيث يقول الله تعالى في مطلعها: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[١]، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على مقاصد سورة القدر وسبب نزولها وتسميتها وفضلها أيضًا.
سبب نزول سورة القدر
بعد تعريف سورة القدر، جدير بالذكر إنَّ سورة القدر تعتبر من السور التي وردَ لها في الأثر سبب نزول على اختلاف صحة هذه الأسباب، وسورة القدر على وجه التحديد، جاء في سبب نزولها حديث مُرسل حدَّث به البيهقي في السنن الكُبرى للبيهقي، وهو ما رواه مجاهد في قوله: "إنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ذكَر رجلًا مِن بني إسرائيلَ لبِس السلاحَ في سبيلِ اللهِ ألفَ شهرٍ، فعجِب المسلمونَ مِن ذلك، فأنزَل اللهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[٢]، قال: خيرٌ منَ التي لبسَ فيها السِّلاحَ ذلك الرجل"[٣]، والله تعالى أعلم.[٤]
مقاصد سورة القدر
مقاصد سورة القدر جليّة واضحة لا تعقيد فيها، فسورة القدر واحدة من السور القصيرة، فهي تتألف من خمس آيات فقط، يقول الله تعالى فيها: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[٥]، في هذه الآيات المباركات تظهر مقاصد سورة القدر واضحة، فالله تعالى في هذه السورة المباركة يخبر الناس إنَّ نزول القرآن الكريم كان في ليلة القدر، وليلة القدر في الإسلام هي ليلة من ليالي العشر الأواخر من رمضان وهي الليلة التي نزل فيها القرآن على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ثمَّ يبيِّن الله تعالى أهمية وعظمة هذه الليلة، فهي خير من عمل ألف شهر، والعمل فيها لا يُقارن بالعمل في أي ليلة أخرى، وهي ليلة سلام وأمن وأمان، فيها تنزل الملائكة بإذن الله وأمره، ولهذا يعتبر المقصد الأساس من مقاصد سورة القدر هو التعريف بليلة القدر ووصفها ودعوة المسلمين إلى ضرورة العمل في هذه الليلة، والله تعالى أعلم.[٦]
تعريف ليلة القدر
بعد ما جاء من مقاصد سورة القدر، إنَّه لجدير بالذكر أن يتم تعريف ليلة القدر في الإسلام، وليلة القدر هي ليلة من ليالي العشر الأواخر من رمضان من كلِّ عام، خصَّ الله -سبحانه وتعالى- هذه الليلة بسورة قرآنية وهي سورة القدر، وبيَّن من خلالها أنَّ هذه الليلة ليلة مباركة يُعادل العمل فيها عمل ألف شهر، وفيها أنزل الله -جلَّ وعلا- القرآن الكريم على رسوله محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وفي هذه الليلة تنزل الرحمات ويحلُّ الأمن والسَّلام والطمأنينة والسكينة، وقد حدَّدت السنة النبوية هذه الليلة في الليالي العشر الأواخر من رمضان، وحصرًا ليالي الأيام الفردية، أي ليلة اليوم الواحد والعشرين ليلة اليوم الثالث والعشرين والخامس والعشرين والسابع والعشرين والتاسع والعشرين من رمضان، فليلة القدر إحدى ليالي هذه الأيام، وقد سُمِّيت هذه الليلة بليلة القدر لأسباب مختلفة، فمن العلماء من قال إنَّ هذه الليلة سُمِّيت بليلة القدر نسبة إلى القدر وهو الشرف والمقام الرفيع في اللغة، وقيل سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّها الليلة التي يُقدَّر فيها ما سيحدث في السنة كلِّها، وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في سبب تسميتها: "إنَّما سُمِّيتْ ليلة القدر؛ لإنَّ الأرضَ تضيقُ بالملائكةِ لكثرتهم فيها تلك الليلة"، والله تعالى أعلم.[٧]
فضل ليلة القدر
في ختام ما وردَ سابقًا من تعريف لسورة القدر ومقاصد سورة القدر وحديث عن ليلة القدر أيضًا، لا بدَّ من الإشارة إلى فضل هذه الليلة العظيمة، هذه الليلة التي يعدل العمل فيها عمل ألف شهر كاملين، هذه الليلة التي امتلأت السنة النبوية المباركة بأحاديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- التي تتحدث عن هذه الليلة العظيمة، وفيما يأتي أبرز الأحاديث النبوية التي تناولت الحديث عن فضل ليلة القدر في الإسلام:[٨]
- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُجَاوِرُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ، ويقولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ"[٩].
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ"[١٠].
- عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن عَلِمْتُ أيُّ لَيلةٍ لَيلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قالَ: قولي: اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ كَريمُ تُحبُّ العفوَ فاعْفُ عنِّي"[١١].
- وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: "إنَّ هذا الشهرَ قد حضركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرِمها فقد حُرِمَ الخيرَ كلَّه، و لا يُحرَمَ خيرُها إلا محرومٌ"[١٢]
- وفي صحيح مسلم إنَّ أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال في لَيْلَةِ القَدْرِ: "وَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُهَا، قالَ شُعْبَةُ: وَأَكْبَرُ عِلْمِي هي اللَّيْلَةُ الَّتي أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- بقِيَامِهَا، هي لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَإنَّما شَكَّ شُعْبَةُ في هذا الحَرْفِ: هي اللَّيْلَةُ الَّتي أَمَرَنَا بهَا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، قالَ: وَحدَّثَني بهَا صَاحِبٌ لي عنْه"[١٣].
المراجع
- ↑ سورة القدر، آية: 1.
- ↑ سورة القدر، آية: 1-2-3.
- ↑ رواه البيهقي، في السنن الكبرى للبيهقي، عن مجاهد بن جبر المكي، الصفحة أو الرقم: 4/306، مرسل.
- ↑ "أسباب النزول سورة القدر"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة القدر، آية: 1-5.
- ↑ "تدبرات قرآنية سورة القدر"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "ليلة القدر"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "فضائل ليلة القدر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2020، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1901، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3513، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1000، حسن صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم: 762، صحيح.