محتويات
سورة القيامة
سورة القيامة من السُّور المكية؛ وقد اتفق أهل العلم على أنَّ كلُّ آيات هذه السورة نزلتْ في مكة المكرمة على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وهي من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها أربعين آية، وتقع السورة في المرتبة الخامسة والتسعين في ترتيب سور المصحف فهي في الجزء التاسع والعشرين والحزب التاسع والخمسين، وقد نزلتْ سورة القيامة بعد سورة القارعة، وهي سورة من السور التي تبدأ بقسم، قال تعالى في مطلعها: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[١]، وهي من سور الكتاب التي لم يذكر فيها لفظ الجلالة أبدًا، وهذا المقال سيسلط الضوء على مقاصد سورة القيامة وسبب نزولها والإعجاز العلمي فيها.
سبب نزول سورة القيامة
علم أسباب النزول علم من علوم سور القرآن الكريم، اختص في تحديد أسباب نزول السور والآيات علماء كُثر عبر التاريخ الإسلامي، وتنبع أهمية سبب نزول السورة أو الآية من ارتباط السبب في تفسير الآية، فمعرفة سبب نزولها يُفسر قسمًا كبيرًا من السورة أو الآية، وكذلك الأمر في سورة، معرفة سبب نزول سورة القيامة يفضي إلى معرفة مقاصد سورة القيامة، وبالمجمل لم يردْ في سبب نزول آيات سورة القيامة إلَّا سبب واحد في نزول الآية التي يقول الله تعالى فيها: {لا تُحَرِّكْ به لِسانَكَ لِتَعْجَلَ به * إنَّ عليْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ}[٢]، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: "فِي قَوْلهِ: {لا تُحَرِّكْ به لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بهِ}[٣]، قالَ: كانَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يُعالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً كانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، فقالَ لي ابنُ عبَّاسٍ: أنا أُحَرِّكُهُما كما كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يُحَرِّكُهُما فقالَ سَعِيدٌ: أنا أُحَرِّكُهُما كما كانَ ابنُ عبَّاسٍ يُحَرِّكُهُما، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فأنْزَلَ اللَّهُ تَعالَى: {لا تُحَرِّكْ به لِسانَكَ لِتَعْجَلَ به * إنَّ عليْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ}[٢]، قالَ: جَمْعَهُ في صَدْرِكَ ثُمَّ تَقْرَؤُهُ {فَإذا قَرَأْناهُ فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}[٤]، قالَ: فاسْتَمِعْ وأَنْصِتْ ثُمَّ إنَّ عليْنا أنْ تَقْرَأَهُ، قالَ: فَكانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- إذا أتاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمع فإذا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- كما أقْرَأَهُ"[٥]، والله تعالى أعلم.[٦]
مقاصد سورة القيامة
تتألف سورة القيامة من أربعين آية، وهذا ما جعل مقاصد سورة القيامة مختلفة ومتنوعة، حيث تنقسم الآيات الأربعين في أغراض السورة أو مقاصدها، ويمكن تحديد مقاصد سورة القيامة بتقسيم مقاصد كلِّ مجموعة من الآيات، على الشكل التالي:[٧]
- الآيات من 1 إلى 19: يستهلُّ الله تعالى سورة القيامة بالقسم بيوم البعث والحساب، ثمَّ ينتقل في هذه الآيات المباركة إلى ذكر بعض العلامات التي تبين اقتراب يوم الحساب، قال تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ}[٨]، ثمَّ تنتقل الآيات لمخاطبة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وطمئنته على حفظ القرآن الكريم من قبل الله تعالى.
- الآيات من 20 إلى 40: تختلف مقاصد سورة القيامة في النص الثاني من آياتها عن مقاصد القسم الأول ظاهريًا وتتفق باطنيًا، فالآيات الأولى تشرح يوم القيامة وأهوال هذا اليوم، والقسم الثاني من الآيات يشرح أحوال الناس في يوم الحساب، يفرِق بين السعداء والأشقياء وأحوال كلِّ فريق على حدة، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}[٩]، ثمَّ تتناول السورة الحديث عن لحظة الموت وخروج الروح من البدن، قال تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}[١٠]، ثمَّ تذكِّر الآيات الأخيرة من هذه السورة الكريمة كلَّ من أشرك وكفر بعاقبة الكافرين المشركين، وتذكر على أنَّ الله تعالى قادر على بعث الموتى من قبورهم لحسابهم، قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ}[١١]، والله تعالى أعلم.
الإعجاز العلمي في قوله بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ
إنَّ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم هو إخبار القرآن الكريم بحقائق علمية لم يكنْ الإنسان على علم بها في الفترة التي نزل فيها كتاب الله تعالى على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وإنَّما توصَّل الإنسان إلى معرفة هذه الحقائق مؤخرًا أي في السنوات الأخيرة التي توصَّل إليها العلم الحديث، وقد ذكرتْ سورة القيامة حقيقة علمية لم يكن الإنسان على دراية بها قبل أربعة عشر قرنًا أي في فترة نزول القرآن الكريم، حيث أثبت العلم الحديث أنَّ لكلِّ إنسان في هذا العالم بصمات أصابع خاصة به دون غيره؛ فلا يمكن أن تتفق بصمات أصابع أي إنسان منذ آدم -عليه السَّلام- مع أي إنسان حتَّى قيام السنة، فخلق الأصابع خلق عظيم متقن بدقة متناهية عجيبة، وإنَّما الإعجاز العلمي في هذا الكلام يأتي في قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}[١٢]، وإنَّما ذكرَ الله تعالى البنان للتعقيد والدقة في خلقه، هذه الدقة التي لم يكتشفها الإنسان إلَّا بعد أربعة عشر قرنًا من نزول القرآن الكريم، والله تعالى أعلم.[١٣]
دروس مستفادة من سورة القيامة
بعد ما جاء من مقاصد سورة القيامة وسبب نزولها والإعجاز العلمي الوارد في إحدى آياتها، فجدير بالذكر إنَّ سور الكتاب كلُّها سور حكيمة عظيمة، يمكن للإنسان أن يستخلص منها الكثير من العبر والدروس، وسورة القيامة على وجه الخصوص فيها ما فيها من العبر والدروس، فيما يأتي أبرز الدروس والعبر المستفادة من هذه السورة المباركة:[١٤]
- قدرة الله تعالى على جمع الإنسان وإعادة إحيائه ورسم أدق التفاصيل التي كانت على جسده قبل أن يموت ويفنى جسده في التراب.
- تعلِّم الآيات أيضًا أنَّه ينبغي على المتعلم أن ينصتَ بكلِّ جوارحه على من يعلمه، حتَّى يتسنَّى له أخذ العلم بطريقة صحيحة سليمة.
- تظهر الآيات إيمان المؤمنين بربهم وفرحهم بنعيمه يوم القيامة، هذا النعيم الذي لا يضاهيه نعيم في الدنيا.
- ينبغي على الإنسان أن يتذكر أصله وحجمه فلا يتكبر على خلق الله تعالى وأنَّ يكون دائمَ الحمد والشكر لله تعالى على نعمه الكثيرة.
المراجع
- ↑ سورة القيامة، آية: 1.
- ^ أ ب سورة القيامة، آية: 16-17.
- ↑ سورة القيامة، آية: 16.
- ↑ سورة القيامة، آية: 18.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 448، صحيح.
- ↑ "سورة القيامة"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "الترابط في سورة القيامة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة القيامة، آية: 6-12.
- ↑ سورة القيامة، آية: 22-25.
- ↑ سورة القيامة، آية: 26-30.
- ↑ سورة القيامة، آية: 36-40.
- ↑ سورة القيامة، آية: 4.
- ↑ "الإعجاز العلمي لقوله "..أن نسوي بنانه""، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير سورة القيامة للناشئين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.