محتويات
سورة الكافرون
تعدُّ سورة الكافرون سورة مكية، ومكية نسبة إلى نزولها على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، وهي من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها ست آيات، ويأتي ترتيبها رقم تسعة بعد المئة، فهي في الجزء الثلاثين والحزب الستين من المصحف الشريف، نزلت سورة الكافرون بعد سورة الماعون، وهي من السور القرآنية التي لم يذكر فيها لفظ الجلالة، وقد بدأت بفعل أمر، قال تعالى في مطلع سورة الكافرون: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[١]، وفيما يأتي من فقرات هذا المقال سيتم تسليط الضوء على مقاصد سورة الكافرون وسبب نزول وتسمية هذه السورة وفضلها.
سبب نزول سورة الكافرون
قبل الحديث عن مقاصد سورة الكافرون، سيتم تسليط الضوء على سبب نزول هذه السورة المباركة، والسبب الوارد هو أنَّ كفار قريش عرضوا على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يعبدوا الله تعالى ويؤمنوا بما جاء به رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- شريطة أن يشارك رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كفار قريش في عبادة آلهتهم من الأصنام التي لا تضرُّ ولا تنفع ولا تتحرَّك، فنزل هذه السورة لإنهاء هذه المفاوضات، فلا مساومة ولا نقاش في عبادة الواحد الأحد، وقد روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- سبب نزول هذه السورة قائلًا: "إنَّ قريشًا وعدُوا رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنْ يعطوه مالًا فيكونَ أغنى رجلٍ بمكَّةَ، ويزوّجوه ما أرادَ من النِّساءِ، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكفّ عن شتمِ آلهتنا، فلا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فإنا نعرضُ عليكَ خصلةً واحدةً، فهي لك ولنا فيها صلاح، قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة، اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة، قال: حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي، فجاء الوحي من اللوحِ المحفوظ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[١] السورة"، وروى القصة أيضًا سعيد بن مينا مولى البَختري بقوله: "لقيَ الوليد بن المُغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأميَّة بن خلف رسولَ الله، فقالوا: يا محمد! هلمَّ فلنعبدْ ما تعبدُ وتعبدْ ما نعبدُ، ونُشركك في أمرنا كلِّهِ، فإنْ كان الذي جئتَ به خيرًا مما بأيدينا كنَّا قد شَرِكناك فيه، وأخذنا بحظنا منه؛ وإنْ كان الذي بأيدينا خيرًا مما في يديك كنتَ قد شَرِكتنا في أمرنا، وأخذت منه بحظك، فأنزل الله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[١] حتَّى انقضت السورة"، والله تعالى أعلم.[٢]
مقاصد سورة الكافرون
تتألف سورة الكافرون من ست آيات، وفيها بيان صريح على أنَّ الدين هو الإسلام ولا يمكن أن يساوم الإنسان على أي دين آخر غير الإسلام، ومقاصد سورة الكافرون تتوضِّح بتفسير هذه الآيات الست، قال تعالى في سورة الكافرون: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[٣]، ففي الآية الأولى أسلوب أمر ونداء، حيث يأمر الله تعالى رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن ينادي الكافرين باسم الكافرين وليس المشركين، لأنَّ هذه الآية تقصد الكافرين سواء أظهروا الكفر أو أخفوه، فهي بهذا شملت المنافقين والمشركين بشكل صريح، وفي الآية الثانية المقصود من النداء ومن أمرِ الله تعالى رسوله -عليه الصَّلاة والسَّلام- أن يقول للكافرين إنَّه لا يعبد ما تعبدون من الآلهة الزائفة، وفي هذا نفيٌ قاطع لعبادة أي شيء من دون الله تعالى، وكلمة تعبدون تعني ما تعبدون اليوم وغدًا من دون الله سبحانه، وأمَّا الآية الثالثة فمن مقاصد سورة الكافرون أيضًا في هذه الآية أن ينكر رسول الله على الكافرين عبادتهم لهذه الآلهة من غير الله تعالى، فلستم تعبدون ما أعبد طالما أنكم مداومون على عبادة هذه الآلهة التي لا تغني عنكم من الله شيئًا.
في الآية الرابعة تأكيد وتبرئة لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من عبادة ما يعبد الكافرون من الأصنام، فقال تعالى على لسان رسوله: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} وكذلك في الآية الخامسة تأكيد على أنَّ الكافرين لا يعبدون ما يعبد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعبادتهم اللات والعزى وما سواها من الأصنام، والآية الأخيرة تشرح ما تقدم وتبين مقاصد سورة الكافرون كاملة، قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[٤]، أي أيها الكافرون إنكم تعبدون إلهًا لا أعبده فلا يمكن أنْ نشترك في العبادة معًا لأنَّ عبادة الله لا يمكن المقايضة بها أو المساومة عليها، وهذا المعنى يظهر في قول الله تعالى في سورة غافر: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}[٥]، والله تعالى أعلم.[٦]
بيان أسماء سورة الكافرون
بعد ما وردَ من مقاصد سورة الكافرون، جدير بالذكر إنَّ هذه السورة المباركة تُسمَّى سورة الكافرون وتُسمَّى أيضًا سورة الإخلاص، فقد صحَّ عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- إنَّه قال: "إنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قرأ في رَكْعتيِ الطَّوافِ بسورَتَيِ الإخلاصِ: {قُلْ يَا أيُّهَا الْكَافِرُونَ}[١] وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ}[٧]}[٨]، وسُمِّيت بالإخلاص لأنَّها تدعو إلى إخلاص العبادةِ والعمل لله تعالى، وسورة الإخلاص تدعو إلى معرفة الله تعالى، فالسورتان تدعوان إلى الإخلاص في عبادة الله وإلى معرفة الله، وتحقيق الاثنين معًا يوصل العبد إلى مرتبة رفيعة من مراتب الإيمان، والله تعالى أعلم.[٦]
فضل سورة الكافرون
في ختام ما جاء من مقاصد سورة الكافرون وبيان أسماء هذه السورة المباركة، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ سورة الكافرون من السور التي جاءتْ فيها أحاديث صحيحة في كتب الحديث التي يُؤخذ عنها، ومن أشهر الأحاديث النبوية التي جاءت في بيان فضل سورة الكافرون ما يأتي:
- صحَّحَ السيوطي ما روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "إِذَا زُلْزلَتُ تَعدِلُ نصفَ القُرآنِ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ تَعْدِلُ رُبْعَ القُرْآنَ وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنَ"[٩]. [١٠]
- وعن فروة بن نوفل إنَّه أتى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال له: "يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أقولُهُ إذا أوَيتُ إلى فِراشي، فقالَ: اقرأ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، فإنَّها براءةٌ منَ الشِّركِ، قالَ شُعبةُ: أحيانًا يقولُ مرَّةً وأحيانًا لا يقولُها"[١١].[١٢]
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "إنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- قَرَأَ في رَكْعَتَيِ الفَجْرِ: {قُلْ يا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}[١]، وَ{قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ}[٧]"[١٣]، والله أعلم.[١٤]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج سورة الكافرون، آية: 1.
- ↑ "سبب نزول سورة الكافرون"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الكافرون، آية: 1-6.
- ↑ سورة الكافرون، آية: 6.
- ↑ سورة غافر، آية: 26.
- ^ أ ب "تفسير سورة الكافرون"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة الإخلاص، آية: 1.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 869، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 654، صحيح.
- ↑ "صحيح فضائل السور"، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن فروة بن نوفل، الصفحة أو الرقم: 3403، صحيح.
- ↑ "فضائل سور القرآن الكريم كما حققها العلامة الألباني -رحمه الله-"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 726، صحيح.
- ↑ "يستحب قراءة سورتي الكافرون والإخلاص في سنتي الفجر والمغرب"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.