محتويات
سورة المؤمنون
هي السورة الثالثة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف البالغ عدد سوره مائةً وأربعة عشر سورة، يبلغ عدد آياتها مائةً وثمانية عشر آية وهي من السور المكيّة وقد نزلت بعد سورة الأنبياء، أمّا في ترتيب القرآن الكريم فتسبقها سورة الحج وتليها سورة النور، ويرجع سبب تسميتها إلى أنّ الله -جلّ وعلا- افتتح السورة بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}،[١]وفيما يأتي سيتطرق المقال إلى بيان مقاصد سورة المؤمنون وأسباب نزولها.[٢]
أسباب نزول سورة المؤمنون
في مستهل الحديث عن مقاصد سورة المؤمنون لا بدّ من ذكر أسباب نزولها، وتُعتبر هذه السورة من السور الطويلة نوعًا ما لذا فإنّ لكلّ باقةٍ من آياتها سبب نزولٍ مستقل، وقد جاء عن أهل السيرة والتفسير أنّ أسباب نزول آيات سورة المؤمنين هي على النحو الآتي:[٣]
- يعود سبب نزول الآيات الأولى من سورة المؤمنين إلى أنّ النبيّ الكريم وأصحابه كانوا يرفعون وجوههم إلى السماء أثناء الصلاة فنزل قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}،[٤]فأصبح المصلون بعد نزول هذه الآيات ينظرون إلى مكان سجودهم دون التفات.
- أمّا قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}،[٥]فقد نزل عند حوار عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مع الرسول الكريم فقد جاء في نصّ الحديث الشريف عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: "قال عمرُ وافقتُ ربِّي -عزَّ وجلَّ- في أربعٍ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ لو صلَّيْنا خلفَ المقامِ، ولو ضرَبْتَ على نسائِك الحجابَ، ونزلت هذه الآيةُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ}".[٦]
- وقد نزلت الآية الكريمة: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}،[٧]في أبي سفيان عندما أتى إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستجيره ويستعطفه وهو ما جاء في نصّ الحديث الشريف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه- فقد قال: "جاء أبو سُفيانَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا محمَّدُ! أنشُدُكَ اللهَ والرَّحمَ! فقدْ أكلنا العِلْهِزَ -يعني: الوبَرَ والدَّمَ- فأنزل اللهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}".[٨]
مقاصد سورة المؤمنون
استهل الله -جلّ وعلا- سورة المؤمنين بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}،[٩]ولهذا فإنّ أول مقاصد سورة المؤمنون هو إقرار فلاح المؤمنين الذين ذكر صفاتهم وخصالهم وأنّهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة، ثمّ إنّ الله -تبارك وتعالى- ذكر كيفية خلق الإنسان وعرض أطوار الحياة البشرية والمراحل التي يمر بها الإنسان إلى أن ينتهي به الحال إلى الموت كحال جميع البشر، فقد قال -تعالى-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ}،[١٠]وهذا يعتبر من مقاصد سورة المؤمنون إذ أنّ الله -تعالى- ذكّر الإنسان بأصله ونهايته وبيوم البعث بإشارةٍ منه إلى أنّه هو الخالق العظيم.[١١]
ومن مقاصد سورة المؤمنون أيضًا أنّها تذكر العديد من نعم الله -تعالى- على خلقه وتبيّن عظمته وإعجازه فقد قال -جلّ وعلا-: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُون}،[١٢]وقد ذكر فيها من قصص الأنبياء الأولين كقصة نوح -عليه السلام- الذي دعا الناس لعبادة الله الواحد، فقد قال -تعالى-: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ أَفَلَا تَتَّقُونَ}،[١٣]وهذا ما يبيّن أنّ من مقاصد سورة المؤمنون الدعوة لعبادة الله وحده واجتناب الشرك والكفر والعصيان.[١١]
وكان من مقاصد سورة المؤمنون الدعوة لاتّباع الرزق الحلال والطعام الحلال واجتناب الأكل الحرام والحث على العمل الصالح وذلك في قوله -تعالى-: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}،[١٤] وقد بيّن الله -تبارك وتعالى- أنّ الابتلاءات تكون في بعض الأحيان على شكل نعمة، فالمال والبنون والنعم الفائضة قد يغترّ بها أصحابها فتكون بالنسبة لهم ابتلاءاتٍ من الله -تعالى-، فقد قال: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ}،[١٥]أمّا المؤمنون فإنهم يخشون الله ويؤدّون ما عليهم من واجبات وحقوق ومع هذا يبقى الخوف في قلوبهم بأنّهم مقصرون.[١١]
ويُلاحظ عند دراسة مقاصد سورة المؤمنون أنّ الله -جلّ وعلا- في مجمل آيات هذه السورة كان ينبّه من شر الشيطان وأمر بالاستعاذة منه ومن همزاته بقوله:{ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}،[١٦] وكان -جلّ وعلا- يذكّر عباده بيوم الحشر وأهوال يوم القيامة والنفخ في الصور وبأنّ مرجوعهم إليه -سبحانه وتعالى- فقد قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}،[١٧]وبهذا تشمل مقاصد سورة المؤمنون بيان فلاح المؤمنين وصفاتهم وحال المشركين وصفاتهم وأسباب الخلاص والهداية لتنتهي السورة بتعظيم الله والإقرار بأنّه مالك الملك ربّ العرش العظيم.[١١]
صفات المؤمنين في سورة المؤمنين
خصّ الله -جلّ وعلا- في بداية السورة المؤمنين بصفاتٍ تفردوا بها، وقد قرن فلاح العباد في الدنيا والآخرة بهذه الصفات ووعدهم بجنات الخلد، ومن الصفات التي وردت في سورة المؤمنين ما يأتي:[١٨]
- الخشوع في الصلاة: فقد قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.[٤]
- قول الحق والإعراض عن الباطل قولًا وفعلًا: فقد جاء في قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}.[١٩]
- تزكية الأموال والأنفس: وذلك عن طريق إيتاء الزكاة وكل ما عليهم من واجبات، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}.[٢٠]
- حفظ الفروج: وذلك بحفظ أنفسهم وفروجهم عن الحرام واجتناب الزنا، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}.[٢١]
- أداء الأمانة والوفاء بالعهود: فقد قال-تعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }.[٢٢]
- المحافظة على الصلاة: وذلك بالمداومة عليها وإعطائها حقها، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.[٢٣]
منزلة المؤمنين في الجنة
جاء وعد الله -سبحانه وتعالى- صريحًا بأنّ للمؤمنين الذين اجتمعت بهم الصفات السابق ذكرها والتي وردت في سورة المؤمنين بأنّ لهم الفردوس بل إنّه أورثهم إياها وجعلهم فيها خالدين، وذلك بقوله: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}،[٢٤]وقد ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في وصف الفردوس بأنها أعلى طبقةٍ من طبقات الجنة، فقد جاء في نصّ الحديث الشريف عن الصحابيّ الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنّه قال: " الجنةُ مائةُ درجةٍ كلُّ درجةٍ منها ما بين السماءِ والأرضِ وإنَّ أعلاها الفردوسُ وإنَّ أوسطَها الفردوسُ وإنَّ العرشَ على الفردوسِ منها تفجَّرُ أنهارُ الجنةِ فإذا ما سألتم اللهَ فسلوهُ الفردوسَ"،[٢٥]فطوبى لمن اجتمعت فيه صفات المؤمنين وطوبى لمن كانت جنات الفردوس من نصيبه.
المراجع
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 01.
- ↑ "سورة المؤمنون"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "من أسباب النزول...سورة المؤمنون"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب سورة المؤمنون ، آية: 01-02.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 12-14.
- ↑ رواه ابن كثير، في مسند الفاروق ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 2/597 ، لبعضه شاهد في الصحاح.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 76.
- ↑ رواه ابن جرير الطبري، في تفسير الطبري ، عن عبدالله بن عباس ، الصفحة أو الرقم: 10/2/57 ، صحيح.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 01-05.
- ↑ سورة المؤمنون ، آية: 12-15.
- ^ أ ب ت ث "مقاصد سورة المؤمنون"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-05-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 18-21.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 23.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 51.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 54-56.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 97.
- ↑ سورة المؤمنون ، آية: 115-116.
- ↑ "صفات المؤمنين في سورة المؤمنون"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 25-05-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 03.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 04.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 05.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 08.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 09.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 11.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح ابن ماجه ، عن معاذ بن جبل ، الصفحة أو الرقم: 3512، صحيح.