محتويات
سورة المسد
تعتبر سورة المسد سورة من السور المكية، ومعنى سورة مكية أي أنَّها سورة نزلتْ على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة سواء كان نزولها قبل الهجرة أو بعد فتح مكة، وهي من سور المفصل ومن قصار سور الكتاب، يبلغ عدد آياتها خمس آيات فقط، وهي السورة الحادية عشرة بعد المئة في المصحف الشريف حيث تقع في الجزء الثلاثين والأخير والحزب الستين والأخير أيضًا، وقد نزلتْ سورة المسد بعد سورة الفاتحة، وهي من السور التي لم يذكر فيها لفظ الجلالة، وفي هذا المقال تفصيل في مقاصد سورة المسد وسبب نزولها وتسميتها بهذا الاسم إضافة إلى الحديث عن فضل هذه السورة أيضًا.
سبب نزول سورة المسد
قبل الدخول في غرض المقال الرئيس وهو مقاصد سورة المسد، جدير بالذكر إنَّ هذه السورة المباركة من السور التي وردَ فيها سبب نزول صريح وواضح، وهي سورة مكية نزلتْ مترافقة مع حادثة حدثتْ مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقد أورد سبب نزول هذه السورة الإمامُ البخاري في صحيحه، حيث روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: "إنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- خَرَجَ إلى البَطْحَاءِ، فَصَعِدَ إلى الجَبَلِ فَنَادَى: يا صَبَاحَاهْ فَاجْتَمعتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقالَ: أرَأَيْتُمْ إنْ حَدَّثْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أوْ مُمَسِّيكُمْ، أكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقالَ أبو لَهَبٍ: ألِهذا جَمَعْتَنَا تَبًّا لَكَ، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ}[١] إلى آخِرِهَا"[٢].
وفي رواية أخرى أوردها الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: "لمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[٣]، ورَهْطَكَ منهمُ المُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى صَعِدَ الصَّفا، فَهَتَفَ: يا صَباحاهْ، فقالوا: مَن هذا الذي يَهْتِفُ؟ قالوا: مُحَمَّدٌ، فاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فقالَ: يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي عبدِ مَنافٍ، يا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ، فاجْتَمَعُوا إلَيْهِ، فقالَ: أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بسَفْحِ هذا الجَبَلِ، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: ما جَرَّبْنا عَلَيْكَ كَذِبًا، قالَ: فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ، قالَ: فقالَ أبو لَهَبٍ: تَبًّا لكَ أما جَمَعْتَنا إلَّا لِهذا، ثُمَّ قامَ فَنَزَلَتْ هذِه السُّورَةُ: {تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ وقدْ تَبَّ}[١]"[٤]، والله تعالى أعلم.[٥]
مقاصد سورة المسد
سورة المسد سورة مكية أنزلها الله -سبحانه وتعالى- ردًّا على ما قاله أبو لهب لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ويقول الله تعالى في سورة المسد: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}[٦]، ومقاصد سورة المسد في الآية الأولى دعاء على أبي لهب، وأبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب، كان يُكنَّى بأبي عتبة وسُمِّي أبا لهب لأنَّه كان مُشرقَ الوجه، وكان أبو لهب من أشد أعداء رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فكان كثير الاستهزاء برسول الله وبغضه والحقد عليه، ومعنى تبَّتْ أي خابت وخسرت، أمَّا مقاصد سورة المسد في الآية الثانية، فالآية تعني أنَّ مال أبي لهب لن ينفع ولن يعصمه من عذاب الله تعالى، وفي الآية الثالثة إشارة إلى مصير أبي لهب حيث إنَّ الآية تجزم بأنَّه سيصلى النار وسيعذب فيها عذابًا مهينًا، أمَّا الآية الرابعة جعل الله تعالى زوجة أبي لهب وهي أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان في النار، فشرفها ونسبها لن يغنيا عنها شيئًا، وذكرُ حمالة الحطب هنا إشارة إلى أنَّ زوجة أبي لهب كانت تأتي بالحطب وترميه في طريق رسول الله أذية له، أي أنَّها كانت شريكة زوجها في الكفر، أمَّا الآية الأخيرة فالجيد هو العنق في اللغة، والمسد هو الليف، وقد فسَرها المفسرون أنَّ هذا الحبل المصنوع من المسد هو الحبل الذي تربط به الحطب الذي كانت تجمعه، وقال سعيد بن المسيب في تفسير هذه الآية: "كانت لها قلادة فاخرة، فقالت: لأنفقنَّها في عداوة محمد، فأعقبها الله بها حبلًا في جيدها من مسد النار"، والله تعالى أعلم.[٧]
الدروس المستفادة من سورة المسد
بعد ما جاء من مقاصد سورة المسد، جدير بالذكر إنَّه يمكن للناظر في مقاصد سورة المسد أن يستخلص مجموعة من الدروس التي تشرحها آيات السورة الكريمة، وقد قال ابن كثير في تفسير هذه السورة: "وفي هذه السورة معجزةٌ ظاهرةٌ ودليلٌ واضح على النُّبوة، فإنَّه منذ نزل قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}[٨]، فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما لا ظاهرًا ولا باطنًا، لا مسرًا ولا معلنًا، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة"، وفيما يأتي أبرز الدروس والعبر المستفادة من هذه السورة:[٩]
- أظهرت السورة حكم الله تعالى في أبي لهب، وبيَّنت مصيره وأبطلتْ كيده وأذاه.
- ومن الدروس المستفادة إنَّ المال والولد لا يدفعان عذاب الله تعالى وسخطه.
- حرَّمت السورة أذية المؤمنين في أي صورة كانت.
- وقد بيَّنت السورة أيضًا أنَّ القرابة لا تُغني عن الشرك أو الكفر شيئًا، فأبو لهب عم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وعلى الرغم من ذلك فإنَّ مصيره النار بكفره وطغيانه.
سبب تسمية سورة المسد
سُمِّيت سورة المسد بهذا الاسم ككثير من سور القرآن الكريم، فالمسد هو الليف الذي صُنع منه حبل زوجة أبي لهب الذي كانت تربط فيه الحطب وترميه في طريق رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وكلمة المسد في الكلمة الأخيرة في السورة قال تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}[١٠]، ولهذا سمِّيت بهذا الاسم، وقد سُمِّيتْ أيضًا بسورة تبَّتْ تيمُّنًا بمطلعها، ووردتْ باسم تبَّتْ في كثير من كتب العلماء، والله تعالى أعلم.[١١]
المراجع
- ^ أ ب سورة المسد، آية: 1.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4972، صحيح.
- ↑ سورة الشعراء، آية: 214.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 208، صحيح.
- ↑ "سورة المسد"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المسد، آية: 1-5.
- ↑ "تفسير سورة المسد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المسد، آية: 3-4-5.
- ↑ "الدروس المستفادة من سورة المسد"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المسد، آية: 5.
- ↑ "وقفة بيانية مع سورة المسد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.