مقاصد سورة طه

كتابة:
مقاصد سورة طه

سورة طه

نزلت سورة طه على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة في نهاية السنةِ الرابعةِ من البعثة النبوية، وبدايةِ السنةِ الخامسةِ للبعثة، فهي بذلك من السور المكيَّة، وترتيبها في المصحف الشريف بحسب النزول السورة الخامسة والأربعين، أما في المصحف العثماني فهي السورة العشرون، نزلت بعد سورة مريم وقبل نزول سورة الواقعة، آيات سورة طه مئة وخمسٌ وثلاثون آية، وهي في الجزء السادس عشر في القرآن الكريم، افتُتحت بقوله تعالى: {طه}[١]، واختلف علماء التفسير في تفسير هذه الحروف، وسيتحدث هذا المقال عن مقاصد سورة طه.[٢]

مقاصد سورة طه

في الحديث عن مقاصد سورة طه المكيَّة فهي من السور التي ركزت على أركان العقيدة الإسلاميَّة، وعرَّفت بالله -عزَّ وجلَّ-، كما أيدت صدق النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وأكدت أنَّ القرآن الكريم والرسالة النبوية هما من عند الله وليس كذبًا وأنَّ اليوم الآخر حقّ، وفي الآيات من الآية: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[٣] وحتى الآية: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ}[٤]، ينبه الله تعالى في هذه الآيات إلى الهدف الأساسيِّ من نزول القرآن الكريم، فليس فيه شقاء الناس أو تعبهم بل أنزله الله تعالى لسعادة الناس ونجاتهم، فهو مُنزّل من ربٍّ رحيم يتصف بكلِّ صفات الكمال والجلال التي لم تكن إلا لله -جلَّ في علاه- الذي تعددت أسماؤه وصفاته.[٥]

ومتابعةً في مقاصد سورة طه ففي الآيات من قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ}[٦] وحتى قوله تعالى: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [٧] فهذه الآيات تتحدث عن قصة نبي الله موسى -عليه السلام- وبالتفصيل فقد كانت بدايتها بكلام الله لموسى في جبل الطور وتكليفه بالذهاب لفرعون ودعوته لرفع الظلم عن بني إسرائيل، وتأييده بالمعجزات الدالة على صدق نبوءته، وقد طلب موسى من ربِّه أن يؤيده بأخيه هارون، فأذن له الله -سبحانه وتعالى- بأنَّ يذهب مع أخيه لدعوة فرعون، وقد تحدثت الآيات الكريمة أيضًا عن طفولة نبي الله موسى -عليه السلام- حيث نجاه الله من بطش فرعون وجعله يعيش ويكبر في قصر عدوه فرعون، وكلُّ ذلك هو دليل على ضعف فرعون الذي يرى في نفسه الإله والقوي، ثم تنتقل الآيات الكريمة لتتحدث عن لقاء فرعون وموسى وثبات النبيِّ موسى على الحق، واحضار فرعون لسحرته وتتم المعجزة بتحول عصى موسى -عليه السلام- إلى أفعى كبيرة تتلقف عصي السحرة وحبالهم، فيخرُّ السحرة ساجدين لله مؤمنين بربِّ موسى، فيعذبهم فرعون أشدَّ العذاب على ما فعلوا، ولكنَّ ذلك لا يحيدهم عن إيمانهم بالله الواحد، ويموت السحرة على الإيمان.[٥]

وفي الآيات من قوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ}[٨] إلى قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ}[٩] تصفُّ هذه الآيات جنات النعيم الذي ستكون جزاء السحرة المؤمنين يوم القيامة، وجزاء كلَّ مؤمن بالله تعالى في كلِّ زمان ومكان، وفي الآيات من قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ}[١٠] وحتى قوله تعالى: {كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ۚ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا}[١١] تعود الآيات الكريمة لقصة نبيَّ الله موسى -عليه السلام- واصفةً كيف نجاه الله مع بني إسرائيل من بطش فرعون فشقَّ لهم البحر، ورزقهم من الطيبات ليعيشوا الحياة الكريمة، وعندما ذهب موسى -عليه السلام للقاء ربه نسوا الله الواحد واتبعوا رجلًا يُدعى السامريّ، صنع لهم عجلًا من الذهب وأمرهم بأن يعبدوه، فرجع موسى من لقاء ربه ليجد هذه الكارثة، وغضب من بني إسرائيل أشدَّ الغضب، وعاتب آخاه هارون على عدم نهيهم عن هذا الفعل المنكر، وأمر بحرق العجل وأمر الناس باعتزال السامريّ، ثم تبين الآيات للنبيِّ محمد-صلى الله عليه وسلم- أنَّ القرآن تحدث عن قصة موسى ليأخذ منها العبر للمسلمين.[٥]

وفي الآيات من قوله تعالى: {مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا}[١٢] وحتى قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}[١٣] تصف هذه الآيات يوم القيامة، وتصف الأحداث والأهوال في ذلك اليوم العصيب، يوم يوقن الفاجر ويصدق المُكذب بأنَّ لا حكم إلا للواحد القهار ولا كلمة إلا للجبار، يوم القيامة يوم العدل فيُجزى الكافر بالعذاب لما صنعت يداه، ويُجزى المؤمن بالجنة والنعيم جزاء الإيمان بالله والعمل الصالح، وفي الآيات في قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} طمأنينة للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الله تعالى سيجمع القرآن في صدره ولن ينساه أبدًا، فقد كان النبيّ قبل ذلك يردد الآيات خلف جبريل -عليه السلام- عند نزولها خوفًا من نسيانها.[٥]

وفي تتمة مقاصد سورة طه في الآيات من قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[١٤]، وحتى قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ}[١٥] ثم يعرض الله تعالى قصة آدم -عليه السلام- فيذّكر أمة خاتم الأنبياء بأول درس للبشرية في الدنيا، وهو أنَّ سبب نزول آدم من الجنة كان إتيانه لشيء حرمه الله عليه وهو الأكل من شجرةٍ في الجنة، وقد حلل له الكثير غيرها، وهكذا البشر في الدنيا مخيرون بين الحلال والحرام، فمن ذهب للحلال نجى وذهب للجنة، ومن اختار الحرام فقد حرَم نفسه الخير الكثير، وعكَّر صفو حياته في الدنيا قبل الآخرة، وهذه هي غاية الشيطان منه إغواؤه كما أغوى أباه آدم قبل ذلك، وفي الآية: {مَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[١٦] الدرس الإلهي الأخطر والأهم وهو أنَّ الحياة السعيدة الهادئة مرتبطةٌ ارتباطًا تامًا بطاعة الله، اتباع أوامره ومن يُعرض عن ذلك فلن يعيش إلا في تعب وشقاء.[٥]

ومن قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ}[١٧] حتى الآية الأخيرة في سورة طه وهي قوله تعالى:{قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ}[١٨] ففي هذه الآيات الخاتمة للسورة تنتهي بالربط مع أول السورة وهو الغاية والهدف و مقصد الأساسي من مقاصد سورة طه أنَّ القرآن هو منهج السعادة للإنسان في الدنيا، والقرآن هو كلام الله وما فسره من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن اتبع غير ذلك فيشقى في هذه الدنيا وسيهلك في الآخرة.[٥]

فضل سورة طه

بعد التفصيل في مقاصد سورة طه لا بدّ من الحديث عن فضل هذه السورة العظيمة، التي كانت آياتهُا المُحْكَمة السبب في إسلام الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقد ورد في فضلها بعض الأحاديث الصحيحة عن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- ومن هذه الأحاديث:[١٩]

  • أول الأحاديث في فضل سورة طه قول النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "اسمُ اللهِ الأعظَمُ الَّذي إذا دُعِيَ به أجاب في سُوَرٍ ثلاثٍ في البَقرةِ وآلِ عِمْرانَ وطه" [٢٠]
  • حديث النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- : "اعمَلوا بالقرآنِ أحلُّوا حلالَهُ وحرِّموا حرامَهُ، واقتَدوا بِهِ ولا تَكْفروا بشيءٍ منهُ، وما تشابَهَ عليكُم منهُ فردُّوهُ إلى اللَّهِ وإلى أولي العلمِ من بعدي كَيما يخبروكُم وآمِنوا بالتَّوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ وما أوتيَ النَّبيُّونَ من ربِّهم، وليسَعكمُ القُرآنُ وما فيهِ منَ البيانِ ؛ فإنَّهُ شافعٌ مشفَّعٌ، وماحِلٌ مصدَّقٌ ألا ولِكُلِّ آيةٍ نورٌ يومَ القيامةِ، وإنِّي أعطيتُ سورةَ البقرةِ منَ الذِّكرِ الأوَّلِ وأعطيتُ طَهَ وطواسينَ والحواميمَ من ألواحِ موسَى وأعطيتُ فاتحةَ الكتابِ من تَحتَ العرشِ"[٢١]

إسلام عمر بن الخطاب وسورة طه

تحدّثت روايات كثيرًا عن إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وإحداها كانت أنَّه في يوم من الأيام ضاق ذرعًا بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين وقرر قتل النبيِّ والقضاء على الدعوة والحفاظ على وحدة قريش من التفرقة التي حصلت بعد البعثة النبوية، كما كان يظن، وخرج متوشحًا سيفه قاصدًا دار الأرقم بن أبي الأرقم حيث يجتمع المسلمون بالنبيِّ، فلقاه رجل في الطريق كان قد أخفى إسلامه، وسأل عمر عن وجهته وهو بهذا الغضب، فأجابه عمر أنَّه خارجٌ لقتل محمد، فأخبره الرجل عن إسلام أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها ليغير وجهته عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فغضب عمر غضبًا شديدًا وتوجه لبيت أخته، وعندما وصل وعلم بإسلامها، شاهد في يدها صحيفة كانت تقرأ فيها، فطلب منها الصحيفة فأعطته إياها بعد أن اغتسل، فقرأ فيها الآيات الأولى من سورة طه، فاهتز كيانه، ولمست آيات الله قلبه، وقرر الإسلام، فذهب إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله: "ما أنت مُنْتهي يا عُمَرُ حتَّى يُنزِلَ اللهُ بك مِن الخِزْيِ والنَّكالِ ما أنزَلَ بالوليدِ بنِ المُغيرةِ؟! اللَّهُمَّ هذا عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، اللَّهُمَّ أعِزَّ الدِّينَ بعُمَرَ، فقال عُمَرُ: أشهَدُ أنَّك رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسلَمَ"[٢٢] وهذه كانت قصة عمر -رضي الله عنه- مع سورة طه.[٢٣]

هل طه من أسماء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-

بعد الشرح المفصَّل في مقاصد سورة طه، من الجيد الإجابة عن سؤال مهمٍّ جدًا، وهو هل "طه" من أسماء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ والجواب أنَّه ليس من أسماء رسول الله بل هي حروفٌ مقطَّعة بدأتْ بها بعض السور القرآنيَّة، وهي دليل إعجاز القرآن الكريم فهي الحروف ذاتُها التي يتكلم بها العرب ومع ذلك فإنَّ عجزهم منعهم من أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو بآيةٍ منه، وذلك دليل على أنَّه كتابٌ منزَّل من الله تعالى على نبيه الكريم، وقد قال الشيخ السعديّ في تفسير سورة طه: "من جملة الحروف المقطعة، المفتتح بها كثير من السور، وليست اسماً للنبي -صلى الله عليه وسلم-"، كما قال ابن باز -رحمه الله تعالى-: "وليس طه وياسين من أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- في أصح قولي العلماء، بل هما من الحروف المقطعة في أوائل السور مثل ص وق ون ونحوها"، والله أعلم.[٢٤]

المراجع

  1. سورة طه، آية: 1.
  2. "سورة طه دراسة وتحليلا"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرف
  3. سورة طه، آية: 2.
  4. سورة طه، آية: 8.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح "مقاصد سورة طه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
  6. سورة طه، آية: 9.
  7. سورة طه، آية: 73.
  8. سورة طه، آية: 74.
  9. سورة طه، آية: 76.
  10. سورة طه، آية: 77.
  11. سورة طه، آية: 99.
  12. سورة طه، آية: 100.
  13. سورة طه، آية: 112.
  14. سورة طه، آية: 114.
  15. سورة طه، آية: 123.
  16. سورة طه، آية: 124.
  17. سورة طه، آية: 127.
  18. سورة طه، آية: 135.
  19. "مقاصد سورة طه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
  20. رواه لطبراني ، في المعجم الأوسط ، عن أبو أمامة، الصفحة أو الرقم: 8/192 ، لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن العلاء إلا الوليد تفرد به هشام.
  21. رواه البيهقي، في السنن الكبرى للبيهقي، عن معقل بن يسار ، الصفحة أو الرقم: 10/9، [فيه] عبيد الله بن أبي حميد تكلموا فيه.
  22. رواه البوصيري ، في إتحاف الخيرة المهرة ، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 7/166، سنده ضعيف.
  23. "مروياتُ قصةِ سببِ إسلامِ عمرَ رضي اللهُ عنه "، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019.
  24. "هل " طه ويس " من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
6108 مشاهدة
للأعلى للسفل
×