علم مقاصد السور
هو علم ينظر مقصود السورة، لأن كل سورة من القرآن لها هويتها ورسالتها، لكنها انفصلت في آياتها وموضوعاتها، أما ذلك الهدف الذي تتلخص فيه السورة يحتاج إلى التدبر وتدقيق النظر، ويمكن الوصول له عند قراءة السورة مرارًا وتكرارًا بطمأنينة، وبالمحاولة المستمرة يمكن فهم ملخص السورة مع الإشارة إلى الاسم الذي وضعه الله لكل سورة، وتدبر الأسماء جيدًا، للوصول إلى مقصود هذه السورة، وهذا مقصد عظيم سمَّى به بعض العلماء في كتبهم، وأفرد فيه بعض العلماء كتبًا وأبحاثًا مخصوصةً، كما فعل الإمام السيوطي -رحمه الله-، وخلال هذا المقال سيتم توضيح مقاصد سورة مريم.[١]
سورة مريم
دائمًا كان القرآن الكريم دستور الجماعة المسلمة الأولى بقيادة محمد -صلى الله عليه وسلم- ودستور البشرية إلى قيام الساعة، كان قائد الرعيل الأول في حركاتهم وسكناتهم فسادوا البشرية جمعاء، ليس حبًا بالسيادة، ولكن لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، لنشر توحيد الألوهية والربوبية والأسماء و الصفات، وقد أخذت سورة مريم حيزًا من هذا الكتاب العظيم لكثرة الافتراءات والاختلاف في هذه الطاهرة العفيفة، ومن خلال هذا المقال سننظر مقاصد سورة مريم.[١]
مقاصد سورة مريم
من مقاصد سورة مريم الرد على اليهود فيما ادعوه في حق مريم واتهامها بالفاحشة مع يوسف النجار، فكان فيها بيان نزاهة آل عمران، وطهارتهم، وقد اشتملت السورة على ثلاثة مقاصد أساسية، هي: إثبات وحدانيته سبحانه، وتنـزيهه سبحانه عن الولد وإثبات البعث يوم القيامة، واشتملت مقاصد سورة مريم أيضًا على قصة زكريا -عليه السلام-، حيث رزقه الولد وقد بلغ من الكبر عتيًا، وفي هذا كرامة لزكريا -عليه السلام- وأيضًا خطاب النبي يحيى -عليه السلام- بأن يأخذ ما علمه الله من الكتاب {بقوة} أي: بجد وحرص واجتهاد، وهو بالتالي تعليم للمؤمنين مدى قدرته سبحانه على الخلق من غير سبب، حيث خلق عيسى -عليه السلام- من غير أب، وكلامه في المهد، وأثبت طهارة مريم وعفافها، وجاء الحكم الفصل من الله في قصة إبراهيم -عليه السلام- مع أبيه وقومه، وترك كفرهم وتعويض الله له بالذرية الصالحة، وذكر عدد من الأنبياء والمرسلين ومن اهتدى بهديهم، وتوجيه اللوم لبعض خَلَفِهم الذين لم يسلكوا هديهم من أهل الكتاب والمشركين، وأتوا بالكفر الصريح بنسبة الولد لله، وإنكارهم للبعث، وبيان ربوبية الله-عز وجل- وألوهيته مع الأمر بالصبر على طاعته -سبحانه وتعالى-، والإنذار مما حلَّ بالمكذبين من الأمم من الإهلاك وغير ذلك من أنواع العذاب، ووصف الجنة وأهلها، وإنذار المشركين أن أصنامهم تكون يوم القيامة ضدهم، ومن مقاصد سورة مريم وعده سبحانه لعباده المؤمنين بأن يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة ومحبة، وختمت السورة مقاصدها بمشهد مؤثر عميق من مصارع الأمم السابقة.[٢]
أسباب نزول سورة مريم
وبعد استعراض مقاصد سورة مريم، سيتم التطرق بالحديث عن سبب نزولها، فقد ورد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا جِبْرِيلُ، ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ ممَّا تَزُورُنا، فَنَزَلَتْ: {وَما نَتَنَزَّلُ إلَّا بأَمْرِ رَبِّكَ له ما بيْنَ أيْدِينا وما خَلْفَنا}، قالَ: كانَ هذا الجَوابَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"[٣]وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي: احتبس جبريل -عليه السلام- حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فلم يدر ما يجيبهم ورجا أن يأتيه جبريل -عليه السلام- بجواب، فسألوه فأبطأ عليه فشق على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشقةً شديدةً، فلما نزل جبريل -عليه السلام- قال له: أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك، فقال جبريل -عليه السلام: إني كنت إليك أشوق ولكني عبد مأمور، إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست، فأنزل قوله تعالى: {وَيَقولُ الِإنسانُ أَئِذا ما مِتُّ لَسَوفَ أُخرَجُ حَيًّا}"،[٤]وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآَياتِنا}، عن خباب بن الأرت قال: كُنْتُ قَيْنًا في الجَاهِلِيَّةِ، وكانَ لي علَى العَاصِ بنِ وائِلٍ دَرَاهِمُ، فأتَيْتُهُ أتَقَاضَاهُ، فَقالَ: لا أقْضِيكَ حتَّى تَكْفُرَ بمُحَمَّدٍ، فَقُلتُ: لَا، واللَّهِ لا أكْفُرُ بمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، حتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثَكَ، قالَ: فَدَعْنِي حتَّى أمُوتَ، ثُمَّ أُبْعَثَ فَأُوتَى مَالًا ووَلَدًا، ثُمَّ أقْضِيَكَ فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بآيَاتِنَا وقالَ: لَأُوتَيَنَّ مَالًا ووَلَدًا}، أو أنه قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضةً وحريرًا، قال خباب: بلى، قال: فأخرني حتى أقضيك في الجنة -استهزاءًا- فوالله لئن كان ما تقول حقًا إني لأفضل فيها نصيبًا منك، فأنزل الله تعالى: {أَفَرَأَيتَ الَّذي كَفَرَ بِآياتِنا}"[٥][٦]
فضل سورة مريم
وأيضًا من مقاصد سورة مريم ذكر فضل سورة مريم، ومن خلال قصة جعفرُ بن أبي طالب مع النجاشي، لما تحدث عن رسول الله، فقال: فآمنَّا بهِ وصدقناه، وحرَّمنا ما حرَّمَ علينا، وحلَّلنا ما أحلَّ لَنا، فتعدَّى علينا قومُنا، فعذَّبونا وفتَنونا عن دينِنا ليردُّونا إلى عبادةِ الأوثانِ، فلمَّا قَهَرونا وظلَمونا، وحالوا بينَنا وبينَ دينِنا، خرجنا إلى بلادِكَ، واخترناكَ علَى مَن سواكَ، ورجَونا أن لا نُظلَمَ عندَكَ فقالَ النَّجاشيُّ: هل معَكَ مِمَّا جاءَ بهِ عنِ اللَّهِ شيءٌ؟ قالَ: نعَم، وقرأَ علَيهِ صدرًا من سورةِ مريَمَ فبَكَى النَّجاشيُّ وأساقفتُهُ، وقال النَّجاشيُّ: إنَّ هذا والَّذي جاءَ بهِ عيسَى يخرجُ من مشكاةٍ واحدةٍ، انطلقا واللَّهِ لا أسلمُهُمِ إليكُما أبدًا"،[٧]وقد وردت فيها أَحاديث ضعيفة أو موضوعة، منها: "من قرأ سورة مريم أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بزكريا وكذب به، وبيحيى ومريم وعيسى وإبراهيم وموسى وهارون وإسحاق ويعقوب وإسماعيل وإدريس، وبعدد من دعا لله ولدًا، وبعدد من لم يدع لله تعالى ولدًا"[٨][٢]
المراجع
- ^ أ ب "الهدف من إنزال القرآن الكريم "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-17.
- ^ أ ب "مقاصد سورة مريم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-25. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس ، الصفحة أو الرقم: 7455، صحيح.
- ↑ رواه الواحدي، في أسباب النزول للواحدي، عن الكلبي، الصفحة أو الرقم: 607، مرسل.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن خباب بن الأرت، الصفحة أو الرقم: 2425، صحيح.
- ↑ " من أسباب النزول.. سورة مريم "، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2019-6-26. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في فقه السيرة ، عن أم سلمة هند بنت أبي أمية ، الصفحة أو الرقم: 115، إسناده صحيح.
- ↑ رواه علي بن حسن الحلبي، في موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم: 25922، موضوع.