مقتطفات من قصائد أحمد شوقي

كتابة:
مقتطفات من قصائد أحمد شوقي

قصيدة: ألا حبذا صحبة المكتب

ألا حَبَّذا صُحبَةَ المَكتَبِ

وَأَحبِب بِأَيّامِهِ أَحبِبِ

وَيا حَبَّذا صِبيَةٌ يَمرَحو

نَ عِنانُ الحَياةِ عَلَيهِم صَبي

كَأَنَّهُمو بَسَماتُ الحَيا

ةِ وَأَنفاسُ رَيحانَها الطَيِّبِ

يُراحُ وَيُغدى بِهِم كَالقَطي

عِ عَلى مَشرِقِ الشَمسِ وَالمَغرِبِ

إِلى مَرتَعٍ أَلِفوا غَيرَهُ

وَراعٍ غَريبِ العَصا أَجنَبي

وَمُستَقبَلٍ مِن قُيودِ الحَيا

ةِ شَديدٍ عَلى النَفسِ مُستَصعَبِ

فِراخٌ بِأَيكٍ فَمِن ناهِضٍ

يَروضُ الجَناحَ وَمِن أَزغَبِ

مَقاعِدُهُم مِن جَناحِ الزَما

نِ وَما عَلِموا خَطَرَ المَركَبِ

عَصافيرُ عِندَ تَهَجّي الدُرو

سِ مِهارٌ عَرابيدُ في المَلعَبِ

خَلِيّونَ مِن تَبِعاتِ الحَيا

ةِ عَلى الأُمِّ يَلقونَها وَالأَبِ[١]

قصيدة: مقادير من جفنيك حولن حاليا

مَقاديرُ مِن جَفنَيكِ حَوَلنَ حالِيا

فَذُقتُ الهَوى بَعدَما كُنتُ خالِيا

نَفَذنَ عَلَيَّ اللُبَّ بِالسَهمِ مُرسَلاً

وَبِالسِحرِ مَقضِيّاً وَبِالسَيفِ قاضِيا

وَأَلبَسنَني ثَوبَ الضَنى فَلَبِستُهُ

فَأَحبِب بِهِ ثَوبًا وَإِن ضَمَّ بالِيا

وَما الحُبُّ إِلّا طاعَةٌ وَتَجاوُزٌ

وَإِن أَكثَروا أَوصافَهُ وَالمَعانِيا

وَما هُوَ إِلّا العَينُ بِالعَينِ تَلتَقي

وَإِن نَوَّعوا أَسبابَهُ وَالدَواعِيا

وَعِندي الهَوى مَوصوفُهُ لا صِفاتُهُ

إِذا سَأَلوني ما الهَوى قُلتُ ما بِيا

وَبي رَشَأٌ قَد كانَ دُنيايَ حاضِرًا

فَغادَرَني أَشتاقُ دُنيايَ نائِيا

سَمَحتُ بِروحي في هَواهُ رَخيصَةً

وَمَن يَهوَ لا يوثِرُ عَلى الحُبِّ غالِيا

وَلَم تَجرِ أَلفاظُ الوُشاةِ بِريبَةٍ

كَهَذي الَّتي يَجري بِها الدَمعُ واشِيا

أَقولُ لِمَن وَدَّعتُ وَالرَكبُ سائِرٌ

بِرُغمِ فُؤادي سائِرٌ بِفُؤاديا

أَماناً لِقَلبي مِن جُفونِكِ في الهَوى

كَفى بِالهَوى كَأسًا وَراحًا وَساقِيا

وَلا تَجعَليهِ بَينَ خَدَيكِ وَالنَوى

مِنَ الظُلمِ أَن يَغدو لِنارَينِ صالِيا

وَلَم يَندَمِل مِن طَعنَةِ القَدِّ جُرحُهُ

فَرِفقًا بِهِ مِن طَعنَةِ البَينِ دامِيا[٢]

قصيدة: ولد الهدى فالكائنات ضياء

وُلِدَ الهُدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ

وَفَـمُ الـزَمانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ

الـروحُ وَالـمَلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ

لِلديـنِ وَالـدُنيا بِهِ بُشَراءُ

وَالعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي

وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ

وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا

بِالترجُمانِ شَـذِيَّةٌ غَنّاءُ

وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلاً مِن سَلسَلٍ

وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ

نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ

في اللَوحِ وَاِسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ

اِسمُ الـجَـلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ

أَلِفٌ هُـنالِكَ وَاِسمُ طَهَ الباءُ

يـا خَيرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً

مِـن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا

بَيتُ النَبِيّينَ الَّذي لا يَلتَقي

إِلّا الحَـنائِفُ فيهِ وَالحُنَفاءُ

خَيرُ الأُبُـوَّةِ حازَهُـم لَكَ آدَمٌ

دونَ الأَنامِ وَأَحرَزَت حَوّاءُ

هُم أَدرَكوا عِـزَّ النُبُوَّةِ وَاِنتَهَت

فيهـا إِلَيكَ العِزَّةُ القَعساءُ

خُلِقَت لِبَيتِكَ وَهوَ مَخلوقٌ لَها

إِنَّ العَظائِمَ كُفؤُها العُظَماءُ[٣]

قصيدة: خدعوها بقولهم حسناء

خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ

وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ

أَتُراها تَناسَت اِسمِيَ لَمّا

كَثُرَت في غَرامِها الأَسماءُ

إِن رَأَتني تَميلُ عَنّي كَأَن لَم

تَكُ بَيني وَبَينَها أَشياءُ

نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ

فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ

يَومَ كُنّا وَلا تَسَل كَيفَ كُنّا

نَتَهادى مِنَ الهَوى ما نَشاءُ

وَعَلَينا مِنَ العَفافِ رَقيبٌ

تَعِبَت في مِراسِهِ الأَهواءُ

جاذَبَتني ثَوبي العصِيَّ وَقالَت

أَنتُمُ الناسُ أَيُّها الشُعَراءُ

فَاِتَّقوا اللَهَ في قُلوبِ العَذارى

فَالعَذارى قُلوبُهُنَّ هَواءُ

نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ

فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ

فَفِراقٌ يَكونُ فيهِ دَواءٌ

أَو فِراقٌ يَكونُ مِنهُ الداءُ[٤]

قصيدة: أمير المؤمنين رأيت جسرًا

أَميرَ المُؤمِنينَ رَأَيتُ جِسرًا

أَمُرُّ عَلى الصِراطِ وَلا عَلَيهِ

لَهُ خَشَبٌ يَجوعُ السوسُ فيهِ

وَتَمضي الفَأرُ لا تَأوي إِلَيهِ

وَلا يَتَكَلَّفُ المِنشارُ فيهِ

سِوى مَرِّ الفَطيمِ بِساعِدَيهِ

وَكَم قَد جاهَدَ الحَيوانُ فيهِ

وَخَلَّفَ في الهَزيمَةِ حافِرَيهِ

وَأَسمَجُ مِنهُ في عَيني جُباةٌ

تَراهُم وَسطَهُ وَبِجانِبَيهِ

إِذا لاقَيتَ واحِدَهُم تَصَدّى

كَعِفريتٍ يُشيرُ بِراحَتَيهِ

وَيَمشي الصَدرُ فيهِ كُلَّ يَومٍ

بِمَوكِبِهِ السَنِيِّ وَحارِسَيهِ

وَلَكِن لا يَمُرُّ عَلَيهِ إِلّا

كَما مَرَّت يَداهُ بِعارِضَيهِ

وَمِن عَجَبٍ هُوَ الجِسرُ المُعَلّى

عَلى البُسفورِ يَجمَعُ شاطِئَيهِ

يُفيدُ حُكومَةَ السُلطانِ مالًا

وَيُعطيها الغِنى مِن مَعدِنَيهِ

يَجودُ العالَمونَ عَلَيهِ هَذا

بِعَشرَتِهِ وَذاكَ بِعَشرَتَيهِ

وَغايَةُ أَمرِهِ أَنّا سَمِعنا

لِسانَ الحالِ يُنشِدُنا لَدَيهِ

أَلَيسَ مِنَ العَجائِبِ أَنَّ مِثلي

يَرى ما قَلَّ مُمتَنِعاً عَلَيهِ

وَتُؤخَذُ بِاِسمِهِ الدُنيا جَميعًا

وَما مِن ذاكَ شَيءٌ في يَدَيهِ[٥]

قصيدة: إثن عنان القلب واسلم به

إِثنِ عَنانَ القَلبِ وَاِسلَم بِهِ

مِن رَبرَبِ الرَملِ وَمِن سِربِهِ

وَمِن تَثَنّي الغيدِ عَن بانِهِ

مُرتَجَّةَ الأَردافِ عَن كُثبِهِ

ظِباؤُهُ المُنكَسِراتُ الظُبا

يَغلِبنَ ذا اللُبِّ عَلى لُبِّهِ

بيضٌ رِقاقُ الحُسنِ في لَمحَةٍ

مِن ناعِمِ الدُرِّ وَمِن رَطبِهِ

ذَوابِلُ النَرجِسِ في أَصلِهِ

يَوانِعُ الوَردِ عَلى قُضبِهِ

زِنَّ عَلى الأَرضِ سَماءَ الدُجى

وَزِدنَ في الحُسنِ عَلى شُهبِهِ

يَمشينَ أَسرابًا عَلى هينَةٍ

مَشيَ القَطا الآمِنِ في سِربِهِ

مِن كُلِّ وَسنانٍ بِغَيرِ الكَرى

تَنتَبِهُ الآجالُ مِن هُدبِهِ

جَفنٌ تَلَقّى مَلَكا بابِلٍ

غَرائِبَ السِحرِ عَلى غَربِهِ

يا ظَبيَةَ الرَملِ وُقيتِ الهَوى

وَإِن سَمِعَت عَيناكِ في جَلبِهِ

وَلا ذَرَفتِ الدَمعَ يَومًا وَإِن

أَسرَفتِ في الدَمعِ وَفي سَكبِهِ

هَذي الشَواكي النُحلُ صِدنَ اِمرأً

مُلقى الصِبا أَعزَلَ مِن غَربِهِ[٦]

قصيدة: في الموت ما أعيا وفي أسبابه

في المَوت ما أَعيا وَفي أَسبابِهِ

كُلُّ اِمرِئٍ رَهنٌ بِطَيِّ كِتابِهِ

أَسَدٌ لَعَمرُكَ مَن يَموتُ بِظُفرِهِ

عِندَ اللِقاءِ كَمَن يَموتُ بِنابِهِ

إِن نامَ عَنكَ فَكُلُّ طِبٍّ نافِعٌ

أَو لَم يَنَم فَالطِبُّ مِن أَذنابِهِ

داءُ النُفوسِ وَكُلُّ داءٍ قَبلَهُ

هَمٌّ نَسينَ مَجيئَهُ بِذَهابِهِ

النَفسُ حَربُ المَوتِ إِلّا أَنَّها

أَتَتِ الحَياةَ وَشُغلَها مِن بابِهِ

تَسَعُ الحَياةَ عَلى طَويلِ بَلائِها

وَتَضيقُ عَنهُ عَلى قَصيرِ عَذابِهِ

هُوَ مَنزِلُ الساري وَراحَةُ رائِحٍ

كَثُرَ النَهارُ عَلَيهِ في إِنعابِهِ

وَشَفاءُ هَذي الروحِ مِن آلامِها

وَدَواءُ هَذا الجِسمِ مِن أَوصابِهِ

مَن سَرَّهُ أَلّا يَموتَ فَبِالعُلا

خَلُدَ الرِجالُ وَبِالفِعالِ النابِهِ

ما ماتَ مَن حازَ الثَرى آثارَهُ

وَاِستَولَتِ الدُنيا عَلى آدابِهِ

قُل لِلمُدِلِّ بِمالِهِ وَبِجاهِهِ

وَبِما يُجِلُّ الناسُ مِن أَنسابِهِ

هَذا الأَديمُ يَصُدُّ عَن حُضّارِهِ

وَيَنامُ مِلءَ الجَفنِ عَن غُيّابِهِ[٧]

قصيدة: بأبي وروحي الناعمات الغيدا

بِأَبي وَروحي الناعِماتِ الغيدا

الباسِماتِ عَنِ اليَتيمِ نَضيدَ

الرانِياتِ بِكُلِّ أَحوَرَ فاتِرٍ

يَذُرُ الخَلِيَّ مِنَ القُلوبِ عَميدا

الراوِياتِ مِنَ السُلافِ مَحاجِرًا

الناهِلاتِ سَوالِفًا وَخُدودا

اللاعِباتِ عَلى النَسيمِ غَدائِرًا

الراتِعاتِ مَعَ النَسيمِ قُدودا

أَقبَلنَ في ذَهَبِ الأَصيلِ وَوَشيِهِ

مِلءَ الغَلائِلِ لُؤلُؤًا وَفَريدا

يَحدِجنَ بِالحَدقِ الحَواسِدِ دُميَةً

كَظِباءِ وَجرَةَ مُقلَتَينِ وَجيدا

حَوَتِ الجَمالَ فَلَو ذَهَبتَ تَزيدُها

في الوَهمِ حُسنًا ما اِستَطَعتَ مَزيدا

لَو مَرَّ بِالوِلدانِ طَيفُ جَمالِها

في الخُلدِ خَرّوا رُكَّعًا وَسُجودا

أَشهى مِنَ العودِ المُرَنَّمِ مَنطِقًا

وَأَلَذُّ مِن أَوتارِهِ تَغريدا

لَو كُنتَ مُطلِقَ السُجَناءِ لَم

تُطلِق لِساحِرِ طَرفِها مَصفودا

ما قَصَّرَ الرُؤَساءُ عَنهُ سَعى لَهُ

سَعدٌ فَكانَ مُوَفَّقًا وَرَشيدا

يا مِصرُ أَشبالُ العَرينِ تَرَعرَعَت

وَمَشَت إِلَيكِ مِنَ السُجونِ أُسودا[٨]

قصيدة: ظلم الرجال نساءهم وتعسفوا

ظَلَمَ الرِجالُ نِساءَهُم وَتَعَسَّفوا

هَل لِلنِساءِ بِمِصرَ مِن أَنصارِ

يا مَعشَرَ الكُتّابِ أَينَ بَلاؤُكُم

أَينَ البَيانُ وَصائِبُ الأَفكارِ

أَيَهُمُّكُم عَبَثٌ وَلَيسَ يَهُمُّكُم

بُنيانُ أَخلاقٍ بِغَيرِ جِدارِ

عِندي عَلى ضَيمِ الحَرائِرِ بَينَكُم

نَبَأٌ يُثيرُ ضَمائِرَ الأَحرارِ

مِمّا رَأَيتُ وَما عَلِمتُ مُسافِرًا

وَالعِلمُ بَعضُ فَوائِدِ الأَسفارِ

فيهِ مَجالٌ لِلكَلامِ وَمَذهَبٌ

لِيَراعِ باحِثَةٍ وَسِتِّ الدارِ

كَثُرَت عَلى دارِ السَعادَةِ زُمرَةٌ

مِن مِصرَ أَهلُ مَزارِعٍ وَيَسارِ

يَتَزَوَّجونَ عَلى نِساءٍ تَحتَهُم

لا صاحِباتِ بُغىً وَلا بِشَرارِ

شاطَرنَهُم نِعَمَ الصِبا وَسَقَينَهُم

دَهرًا بِكَأسٍ لِلسُرورِ عُقارُ

الوالِداتُ بَنيهُمُ وَبَناتِهِم

الحائِطاتُ العِرضَ كَالأَسوارِ

الصابِراتُ لِضَرَّةٍ وَمَضَرَّةٍ

المُحيِياتُ اللَيلَ بِالأَذكارِ

مِن كُلِّ ذي سَبعينَ يَكتُمُ شَيبَهُ

وَالشَيبُ في فَودَيهِ ضَوءُ نَهارِ[٩]

قصيدة: الناس للدنيا تبع

الناسُ لِلدُنيا تَبَع

وَلِمَن تُحالِفُهُ شِيَع

لا تَهجَعَنَّ إِلى الزَما

نِ فَقَد يُنَبَّهُ مَن هَجَع

وَاِربَأ بِحِلمِكَ في النَوا

زِلِ أَن يُلِمَّ بِهِ الجَزَع

لا تَخلُ مِن أَمَلٍ إِذا

ذَهَب الزَمانُ فَكَم رَجَع

وَاِنفَع بِوُسعِكَ كُلِّهِ

إِنَّ المُوَفَّقَ مَن نَفَع

مِصرٌ بِنَت لِقَضائِها

رُكنًا عَلى النَجمِ اِرتَفَع

فيهِ اِحتَمى اِستِقلالُها

وَبِهِ تَحَصَّنَ وَاِمتَنَع

فَليَهنِها وَليَهنِنا

أَنَّ القَضاءَ بِهِ اِضطَلَع

اللَهُ صانَ رِجالَهُ

مِمّا يُدَنِّسُ أَو يَضَع

ساروا بِسيرَةِ مُنذِرٍ

وَأَبي حَنيفَةَ في الوَرَع

وَكَأَنَّ أَيّامَ القَضا

ءِ جَميعُها بِهِمُ الجُمَع

قُل لِلمُبَرَّئ مُرقُصٍ

أَنتَ النَقِيُّ مِنَ الطَبَع[١٠]

قصيدة: تلك الطبيعة قف بنا يا ساري

تِلك الطبيعَة قِف بِنا يا ساري

حَتّى أُريكَ بَديعَ صُنعِ الباري

الأَرضُ حَولَكَ وَالسَماءُ اِهتَزَّتا

لِرَوائِعِ الآياتِ وَالآثارِ

مِن كُلِّ ناطِقَةِ الجَلالِ كَأَنَّها

أُمُّ الكِتابِ عَلى لِسانِ القاري

دَلَّت عَلى مَلِكِ المُلوكِ فَلَم تَدَع

لِأَدِلَّةِ الفُقَهاءِ وَالأَحبارِ

مَن شَكَّ فيهِ فَنَظرَةٌ في صُنعِهِ

تَمحو أَثيمَ الشَكِّ وَالإِنكارِ

كَشَفَ الغَطاءُ عَنِ الطُرولِ وَأَشرَقَت

مِنهُ الطَبيعَةُ غَيرَ ذاتِ سِتارِ

شَبَّهتُها بَلقيسَ فَوقَ سَريرِها

في نَضرَةٍ وَمَواكِبٍ وَجَواري

أَو بِاِبنِ داوُدٍ وَواسِعِ مُلكِهِ

وَمَعالِمٍ لِلعِزِّ فيهِ كِبارِ

هوجُ الرِياحِ خَواشِعٌ في بابِهِ

وَالطَيرُ فيهِ نَواكِسُ المِنقارِ

قامَت عَلى ضاحي الجِنانِ كَأَنَّها

رَضوانُ يُزجي الخُلدُ لِلأَبرارِ

كَم في الخَمائِلِ وَهيَ بَعضُ إِمائِها

مِن ذاتِ خِلخالٍ وَذاتِ سِوارِ[١١]

قصيدة: اختلاف النهار والليل ينسي

اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي

اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي

وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ

صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ

عَصَفَت كَالصِبا اللَعوبِ وَمَرَّت

سِنَةً حُلوَةً وَلَذَّةُ خَلسِ

وَسَلا مِصرَ هَل سَلا القَلبُ عَنها

أَو أَسا جُرحَهُ الزَمانَ المُؤَسّي

كُلَّما مَرَّتِ اللَيالي عَلَيهِ

رَقَّ وَالعَهدُ في اللَيالي تُقَسّي

مُستَطارٌ إِذا البَواخِرُ رَنَّت

أَوَّلَ اللَيلِ أَو عَوَت بَعدَ جَرسِ

راهِبٌ في الضُلوعِ لِلسُفنِ فَطنُ

كُلَّما ثُرنَ شاعَهُنَّ بِنَقسِ

يا اِبنَةَ اليَمِّ ما أَبوكِ بَخيلٌ

ما لَهُ مولَعًا بِمَنعٍ وَحَبسِ

أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَو

حُ حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ

كُلُّ دارٍ أَحَقُّ بِالأَهلِ إِلّا

في خَبيثٍ مِنَ المَذاهِبِ رِجسِ

نَفسي مِرجَلٌ وَقَلبي شِراعٌ

بِهِما في الدُموعِ سيري وَأَرسي

وَاِجعَلي وَجهَكِ الفَنارَ وَمَجرا

كِ يَدَ الثَغرِ بَينَ رَملٍ وَمَكسِ[١٢]

قصيدة: رأيت على لوح الخيال يتيمة

رَأَيتُ عَلى لَوحِ الخَيالِ يَتيمَةً

قَضى يَومَ لوسيتانيا أَبَواها

فَيا لَكَ مِن حاكٍ أَمينٍ مُصَدَّقٍ

وَإِن هاجَ لِلنَفسِ البُكا وَشَجاها

فَواهًا عَلَيها ذاقَتِ اليُتمَ طِفلَةً

وَقُوِّضَ رُكناها وَذَلَّ صِباها

وَلَيتَ الَّذي قاسَت مِنَ المَوتِ ساعَةً

كَما راحَ يَطوي الوالِدَينِ طَواها

كَفَرخٍ رَمى الرامي أَباهُ فَغالَهُ

فَقامَت إِلَيهِ أُمُّهُ فَرَماها

فَلا أَبَ يَستَذري بِظِلِّ جَناحِهِ

وَلا أُمَّ يَبغي ظِلَّها وَذَراها

وَدَبّابَةٍ تَحتَ العُبابِ بِمَكمَنٍ

أَمينٍ تَرى الساري وَلَيسَ يَراها

هِيَ الحوتُ أَو في الحوتِ مِنها مَشابِهٌ

فَلَو كانَ فولاذًا لَكانَ أَخاها

أَبَثُّ لِأَصحابِ السَفينِ غَوائِلاً

وَأَلأَمُ نابًا حينَ تَفغَرُ فاها

خَئونٌ إِذا غاصَت غَدورٌ إِذا طَفَت

مُلَعَّنَةٌ في سَبحِها وَسُراها

تُبَيِّتُ سُفنَ الأَبرِياءِ مِنَ الوَغى

وَتَجني عَلى مَن لا يَخوضُ رَحاها

فَلَو أَدرَكَت تابوتُ موسى لَسَلَّطَت

عَلَيهِ زُباناها وَحَرَّ حُماها[١٣]

قصيدة: يا نائح الطلح أشباه عوادينا

يا نائِحَ الطَلحِ أَشباهٌ عَوادينا

نَشجى لِواديكَ أَم نَأسى لِوادينا

ماذا تَقُصُّ عَلَينا غَيرَ أَنَّ يَداً

قَصَّت جَناحَكَ جالَت في حَواشينا

رَمى بِنا البَينُ أَيكًا غَيرَ سامِرِنا

أَخا الغَريبِ وَظِلًّا غَيرَ نادينا

كُلٌّ رَمَتهُ النَوى ريشَ الفِراقُ لَنا

سَهمًا وَسُلَّ عَلَيكَ البَينُ سِكّينا

إِذا دَعا الشَوقُ لَم نَبرَح بِمُنصَدِعٍ

مِنَ الجَناحَينِ عَيٍّ لا يُلَبّينا

فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنا

إِنَّ المَصائِبَ يَجمَعنَ المُصابينا

لَم تَألُ ماءَكَ تَحنانًا وَلا ظَمَأً

وَلا اِدِّكارًا وَلا شَجوا أَفانينا

تَجُرُّ مِن فَنَنٍ ساقًا إِلى فَنَنٍ

وَتَسحَبُ الذَيلَ تَرتادُ المُؤاسينا

أُساةُ جِسمِكَ شَتّى حينَ تَطلُبُهُم

فَمَن لِروحِكَ بِالنُطسِ المُداوينا

آها لَنا نازِحي أَيكٍ بِأَندَلُسٍ

وَإِن حَلَلنا رَفيقًا مِن رَوابينا

رَسمٌ وَقَفنا عَلى رَسمِ الوَفاءِ لَهُ

نَجيشُ بِالدَمعِ وَالإِجلالِ يَثنينا

لِفِتيَةٍ لا تَنالُ الأَرضُ أَدمُعَهُم

وَلا مَفارِقَهُم إِلّا مُصَلّينا[١٤]

قصيدة: بالله يا نسمات النيل في السحر

بِاللَهِ يا نَسَماتِ النيلِ في السَحَرِ

هَل عِندَكُنَّ عَنِ الأَحبابِ مِن خَبَرِ

عَرَفتُكُنَّ بِعَرفٍ لا أُكَيِّفُهُ

لا في الغَوالي وَلا في النَورِ وَالزَهَرِ

مِن بَعضِ ما مَسَحَ الحُسنُ الوُجوهَ بِهِ

بَينَ الجَبينِ وَبَينَ الفَرقِ وَالشَعَرِ

فَهَل عَلِقتُنَّ أَثناءَ السُرى أَرَجًا

مِنَ الغَدائِرِ أَو طيباً مِنَ الطُرَرِ

هِجتُنَّ لي لَوعَةً في القَلبِ كامِنَةً

وَالجُرحُ إِن تَعتَرِضهُ نَسمَةٌ يَثُرِ

ذَكَرتُ مِصرَ وَمَن أَهوى وَمَجلِسَنا

عَلى الجَزيرَةِ بَينَ الجِسرِ وَالنَهَرِ

وَاليَومُ أَشيَبُ وَالآفاقُ مُذهَبَةٌ

وَالشَمسُ مُصفَرَةٌ تَجري لِمُنحَدَرِ

وَالنَخلُ مُتَّشِحٌ بِالغَيمِ تَحسَبُهُ

هيفَ العَرائِسِ في بيضٍ مِنَ الأَزُرِ

وَما شَجانِيَ إِلّا صَوتُ ساقِيَةٍ

تَستَقبِلُ اللَيلَ بَينَ النَوحِ وَالعَبَرِ

لَم يَترُكِ الوَجدُ مِنها غَيرَ أَضلُعِها

وَغَيرَ دَمعٍ كَصَوبِ الغَيثِ مُنهَمِرِ

بَخيلَةٌ بِمَآقيها فَلَو سُئِلَت

جَفنًا يُعينُ أَخا الأَشواقِ لَم تُعِرِ

في لَيلَةٍ مِن لَيالي الدَهرِ طَيِّبَةٍ

مَحا بِها كُلَّ ذَنبٍ غَيرِ مُغتَفَرِ[١٥]

قصيدة: أتغلبني ذات الدلال على صبري

أَتَغلِبُني ذاتُ الدَلالِ عَلى صَبري

إِذَن أَنا أَولى بِالقِناعِ وَبِالخِدرِ

تَتيهُ وَلي حِلمٌ إِذا ما رَكِبتُهُ

رَدَدتُ بِهِ أَمرَ الغَرامِ إِلى أَمري

وَما دَفعِيَ اللُوّامَ فيها سَآمَةٌ

وَلَكِنَّ نَفسَ الحُرِّ أَزجَرُ لِلحُرِّ

وَلَيلٍ كَأَنَّ الحَشرَ مَطلَعُ فَجرِهِ

تَراءَت دُموعي فيهِ سابِقَةَ الفَجرِ

سَرَيتُ بِهِ طَيفًا إِلى مَن أُحِبُّها

وَهَل بِالسُها في حُلَّةِ السُقمِ مِن نُكرِ

طَرَقتُ حِماها بَعدَ ما هَبَّ أَهلُها

أَخوضُ غِمارَ الظَنِّ وَالنَظَرِ الشَزرِ

فَما راعَني إِلّا نِساءٌ لَقَينَني

يُبالِغنَ في زَجري وَيُسرِفنَ في نَهري

يَقُلنَ لِمَن أَهوى وَآنَسنَ ريبَةً

نَرى حالَةً بَينَ الصَبابَةِ وَالسِحرِ

إِلَيكُنَّ جاراتِ الحِمى عَن مَلامَتي

وَذَرنَ قَضاءَ اللَهِ في خَلقِهِ يَجري

وَأَحرَجَني دَمعي فَلَمّا زَجَرتُهُ

رَدَدتُ قُلوبَ العاذِلاتِ إِلى العُذرِ

فَساءَلنَها ما اِسمي فَسَمَّت فَجِئنَني

يَقُلنَ أَمانًا لِلعَذارى مِنَ الشِعرِ

فَقُلتُ أَخافُ اللَهَ فيكُنَّ إِنَّني

وَجَدتُ مَقالَ الهُجرِ يُزرى بِأَن يُزري[١٦]

قصيدة: أداري العيون الفاترات السواجيا

أُداري العُيونَ الفاتِراتِ السَواجِيا

وَأَشكو إِلَيها كَيدَ إِنسانِها لِيا

قَتَلنَ وَمَنَّينَ القَتيلَ بِأَلسُنٍ

مِنَ السِحرِ يُبدِلنَ المَنايا أَمانِيا

وَكَلَّمنَ بِالأَلحاظِ مَرضى كَليلَةٍ

فَكانَت صِحاحًا في القُلوبِ مَواضِيا

حَبَبتُكِ ذاتَ الخالِ وَالحُبُّ حالَةٌ

إِذا عَرَضَت لِلمَرءِ لَم يَدرِ ماهِيا

وَإِنَّكِ دُنيا القَلبِ مَهما غَدَرتِهِ

أَتى لَكِ مَملوءً مِنَ الوَجدِ وافِيا

صُدودُكِ فيهِ لَيسَ يَألوهُ جارِحًا

وَلَفظُكِ لا يَنفَكُّ لِلجُرحِ آسِيا

وَبَينَ الهَوى وَالعَذلِ لِلقَلبِ مَوقِفٌ

كَخالِكِ بَينَ السَيفِ وَالنارِ ثاوِيا

وَبَينَ المُنى وَاليَأسِ لِلصَبرِ هِزَّةٌ

كَخَصرِكِ بَينَ النَهدِ وَالرِدفِ واهِيا

وَعَرَّضَ بي قَومي يَقولونَ قَد غَوى

عَدِمتُ عَذولي فيكِ إِن كُنتُ غاوِيا

يَرومونَ سُلوانًا لِقَلبي يُريحُهُ

وَمَن لي بِالسُلوانِ أَشريهِ غالِيا

وَما العِشقُ إِلّا لَذَّةٌ ثُمَّ شِقوَةٌ

كَما شَقِيَ المَخمورُ بِالسُكرِ صاحِيا[١٧]

قصيدة: حياة ما نريد لها زيالا

حَياةٌ ما نُريدُ لَها زِيالا

وَدُنيا لا نَوَدُّ لَها اِنتِقالا

وَعَيشٌ في أُصولِ المَوتِ سَمٌّ

عُصارَتُهُ وَإِن بَسَطَ الظِلالا

وَأَيّامٌ تَطيرُ بِنا سَحابًا

وَإِن خيلَت تَدِبُّ بِنا نِمالا

نُريها في الضَميرِ هَوىً وَحُبّاً

وَنُسمِعُها التَبرُّمَ وَالمَلالا

قِصارٌ حينَ نَجري اللَهوَ فيها

طِوالٌ حينَ نَقطَعُها فِعالا

وَلَم تَضُقِ الحَياةُ بِنا وَلَكِن

زِحامُ السوءِ ضَيَّقَها مَجالا

وَلَم تَقتُل بِراحَتِها بَنيها

وَلَكِن سابَقوا المَوتَ اِقتِتالا

وَلَو زادَ الحَياةَ الناسُ سَعيًا

وَإِخلاصًا لَزادَتهُم جَمالا

كَأنَّ اللَهَ إِذ قَسَمَ المَعالي

لِأَهلِ الواجِبِ اِدَّخَرَ الكَمالا

تَرى جِدّاً وَلَستَ تَرى عَلَيهِم

وُلوعًا بِالصَغائِرِ وَاِشتِغالا

وَلَيسوا أَرغَدَ الأَحياءِ عَيشًا

وَلَكِن أَنعَمَ الأَحياءِ بالا

إِذا فَعَلوا فَخَيرُ الناسِ فِعلًا

وَإِن قالوا فَأَكرَمُهُم مَقالا[١٨]



للاطّلاع على سيرة الشّاعر، ننصحك بقراءة هذا المقال: نبذة عن الشاعر أحمد شوقي.

المراجع

  1. "ألا حبذا صحبة المكتب"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  2. "مقادير من جفنيك حولن حاليا"، ديواني، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  3. أحمد شوقي، الشوقيات، صفحة 42.
  4. "خدعوها بقولهم حسناء"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  5. "أمير المؤمنين رأيت جسرا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  6. "إثن عنان القلب واسلم به"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  7. "في الموت ما أعيا وفي أسبابه"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  8. "بأبي بروحي الناعمات الغيدا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  9. "ظلم الرجال نساءهم وتعسفوا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  10. "الناس للدنيا تبع"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  11. "تلك الطبيعة قف بنا يا ساري"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 07/01/2021م.
  12. "اختلاف النهار والليل ينسي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  13. "رأيت على لوح الخيال يتيمة"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  14. "يا نائح الطلح أشباه عوادينا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  15. "بالله يا نسمات النيل في السحر "، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  16. "أتغلبني ذات الدلال على صبري "، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  17. "أداري العيون الفاترات السواجيا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
  18. "حياة ما نريد لها زيالا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 06/01/2021م.
5471 مشاهدة
للأعلى للسفل
×