مقدمة عن الصداقة للإذاعة المدرسية

كتابة:
مقدمة عن الصداقة للإذاعة المدرسية

مقدمة عن الصداقة للإذاعة المدرسية

حين تظلم الدُّنيا في عيون الإنسان، ويضيق صدره عن الحملان، لا يجد مستودعًا لسرِّه ولا منصتًا لهمِّه من النَّاس غيره، وحين يشقُّ عليه عناء ويعسر عليه هناء يستنجد بساعده ويستريح على كتفه، فهو الأخ الَّذي لم تلده أم ولم ينجبه أب ولا به قرابة دم، لكنَّه من ذلك أقرب وفي الرُّوح أعلى منزلًا وأرفع منصبًا، وقد قالت العرب في ذلك: ربَّ أخٍ لكَ لم تلدهُ أمُّك[١]، ورموا إلى خير الوشائج في ذلك، ألا وهي الصَّداقة.


إنَّ الصَّديق الصَّالح رزقٌ، وهو عونٌ على الأيَّام الثِّقال، وبه يهنأ الفكر المتعب ويرتاح البال. وهو رفيق الرِّحلة وصاحب الطَِّريق وقسيم الحزن والفرح والتَّعب والرَّاحة، وهو سراج اللَّيالي المظلمة وفيءٌ من حرِّ الغضب وموقدٌ في برد الوحدة، ولا يتحقَّق كلُّ ذلك إلَّا بتآلف الأرواح وانسجامهما على غير اتِّفاق مسبق ولا تخطيط، فكما قيل: "الأرواحُ جنودٌ مجنَّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"[٢]، فمتى تعارفت الأرواح واطمأنت إلى بعضها كانت بذرة الصَّداقة الأولى التي تنمو بسقيا الحب والمودة والوفاء وحفظ الغيبة بين الأصدقاء، فإن لم يكن ذلك ماتت تلك البذرة أو ربَّما صارت نبتةً سامَّةً تؤذي الزَّارعين وسواهم ممن يقربها أو يتَّصل بها بقصدٍ أو دونه.


الصداقة لا تتحقق بالارتياح الأوَّل والاطمئنان المفاجئ الَّذي يحدث بين اثنين تجمعهما المصادفة، إنَّما هي إحسانٌ بينهما وعونٌ متبادلٌ وحفظٌ للسرِّ وحسن النَّصيحة وصدق القول، فإنَّ الصَّديق مَن صارح وصدّق وليس من كذب ونافق، والعفو والتَّسامح لاستمرارها أصول، فليس في النَّاس مَن لا يخطئ وليس فيهم خالي العيوب، ومَن بحث لنفسه عن صديقٍ لا يعيبه عيبٌ فكأنَّما يبحث عن سراب، كما أنَّه عن نفسه معمي فلم ير عيوبها حتَّى يتخيَّر لها شخصًا لا عيوب فيه، وقد قال الشَّاعر بشَّار بن برد شعرًا مشهورًا في ذلك، ومنه قوله:[٣]

إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِبًا

صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه


إنّ الصَّبر على صلاح أمر الصَّديق من حسن الصُّحبة، فـإنَّ الصَّبر والتَّجاوز من عزم الأمور [٤]، وكذلك السَّعي الدَّائم لنصحه بالمودَّة والكلمة الطَّيبة هو أعلى درجات الوفاء له، فمتى كرهت الشَّرَّ في صديقك كما تكرهه لنفسك كنت صديقًا وفيًّا نقيًّا، ومتى أهملت نقائصه واسترحت لعيوبه فإنَّك لست من الصَّداقة في شيء.


الصَّداقة مرآة النَّفس وجلاءٌ لخباياها، فهي تفتح عيون الإنسان على ما لا يعرفه عن نفسه، وهي حين تكون بمعناها الصَّادق فإنَّها تدفع بالمرء إلى الأمام وتشحذ همته وتعطيه القوَّة والطَّاقة للقيام بما كان يقعد عنه، فالإنسان بالعون أقوى وبالمشورة أعقل وبالحبِّ أقدر على مواجهة هذه الحياة التي تهون معها جميعًا، والمحبَّة أرزاق من الله يؤتها من يشاء من عباده، ويبقيها على من حمدها ورعاها بالوفاء والإخلاص بالقول والفعل والنِّية الصادقة، فاحفظ أخا روحك تحفظ به نفسك، وادفع به إلى الخير تجده يعود عليك قبله، وادع الله له بالهداية والسَّعادة والتَّوفيق، فإنَّ "الله في عونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عونِ أخيه"[٥].



لقراءة المزيد من الموضوعات، اخترنا لك هذا المقال: موضوع إنشاء عن الصداقة.

المراجع

  1. أبو الفضل الميداني، مجمع الأمثال، صفحة 302. بتصرّف.
  2. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:3036، صحيح.
  3. "إذا كنت في كل الذنوب معاتبا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 18/01/2021م. بتصرّف.
  4. الفيروز أبادري، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، صفحة 410. بتصرّف.
  5. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:10676، صحيح.
4857 مشاهدة
للأعلى للسفل
×