مقدمة عن فصل الربيع
أروع ما يُمكن كتابته عن الفصول وجمالها، هو كتابة مقدّمة عن فصل الربيع؛ لأنّ الكتابة عن فصل الربيع تُشعل في النفس الأمنيات، وتُعطيها أملًا وتفاؤلًا عظيمًا لا مثيل له، ففصل الربيع هو فصل تجدد الحياة، وهو فصل الخضرة والأزهار والألوان، وفيه تُصبح الحقول والمزارع أشبه بلوحة فنية رائعة رسمتها يد الخالق المبدع، وفي فصل الربيع أيضًا تغدو الفراشات مثل أسرابٍ تطير من زهرةٍ إلى أخرى، ولهذا فالربيع سيّد الفصول وأكثرها سحرًا ودهشة، وهو الفصل الذي تتغنى به القصائد والأشعار، وتُرسم فيه اللوحات الرائعة، فهو فصلٌ ملهم يجعل النفس تحلّق في فضاءٍ بعيد وتحلم بالغد الأجمل.
فصل الربيع هو فصل الولادة للأرض، وفيه تنفض الأرض والحقول والأشجار والأزهار عن نفسها ثوبها البالي القديم، وترتدي ثوبها الجديد المطرّز المنعش، الذي يبدو فيه اللون الأخضر اليانع في عزّ توهجه، وهو الفصل الذي تنتظره جميع المخلوقات لتبدأ فيه مواسم تكاثرها وحياتها، لهذا فإنّ الربيع رمزٌ من رموز الحياة، وسرٌ عميقٌ من أسرارها، وهو سيّد البدايات وأكثرها تأثيرًا في النفس، وفي فصل الربيع أيضًا تصبح الغيوم خجولةً، وتظهر السماء بلونها الأزرق الملفت الذي يملأ الروح سعادة، وتُعلن الطيور عن فرحتها بالزقزقة والتغريد، فالربيع هو اكتمال الفرح وأكثر الفصول صخبًا وروعة، وتصبح فيه الكائنات في أسعد حالاتها، وتبرز به الألوان المبهجة في كل ذمكان.
لكلّ فصلٍ من فصول العام خصوصيّة، لكنّ فصل الربيع يجمع بين خصوصيات جميع الفصول، ففيه من برد فصل الشتاء، وفيه من دفء الصيف وسهراته الجميلة، وفيه من نسمات الخريف الوادعة التي تتأرجح ما بين الدفء والبرد، وفي الربيع أيضًا تبدأ الأرض تتهيأ للثمرن وتبدأ الأزهار بنثر عطرها في الأرجاء، ولهذا فإنّ فصل الربيع هو الفصل الذي يشحن المخلوقات بالطاقة الإيجابية، ويُبعد عنها طاقتها السلبية التي تمنح الخمول والتعب، هو فصل النشاط والحيوية والانتعاش، وليس غريبًا أن فصل الربيع هو اكثر الفصول حضورًا في خواطر الأدباء، ولا تكاد تخلو قصيدة واحدة من ذكر جماله وروعته، وكأن انطلاقة الحياة تبدأ منه، فينتظره الجميع بلهفة العاشق كي يفرحوا بنسماته المنعشة.
مهما كُتبت في فصل الربيع من نصوص وأشعار، فإنها لن توفيه حقه في المدح والثناء، فهو الفصل المدلل بين فصول العام الأربعة، وهو الفصل الذي لا يختلف عليه اثنان، فالجميع يُحبّ تفاصيله وكل ما يتعلق فيه، والجميع يتمنى أن تكون حياته ربيعًا دائمًا حيث الخضرة والورد والشمس الخجولة المنعشة التي لا تلسع بحرارتها.