الهجرة إلى الحبشة
بعد مضيّ ثلاث سنواتٍ من الدعوة السريّة للإسلام، جهرَ النبيّ الكريم بالدعوة النبويّة، وعندها بدأت محاربة قريش للمسلمين التي كانت تزداد قساوةً يومًا بعد يوم، وفي السنة الخامسة للبعثة النبوّية ضاقت مكّة بهم وبدأوا بالبحث عن أرضٍ آمنةٍ تأويهم، فأمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- أصحابه بالهجرة إلى الحبشة حفاظًا على دينهم وأنفسهم من بطش قريش وأهلها، وأخبرهم أنّ بها ملكًا عادلًا لا يُظلم عنده أحد، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخرجًا"،[١] وسيتم التعرف في هذا المقال على أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة.[٢]
من أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة
في رجب من العام الخامس للنبوّة، كانت هجرة المسلمين خلسةً قاصدين أرض الحبشة، وكان أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة أحد عشر رجلاً وخمسةٌ من النساء، وجاء في نصّ الحديث الشريف أنّ أول المهاجرين هو عثمان بن عفّان وزوجته رقيّة بنت رسول الله -رضي الله عليهما- فقد قال صلى الله عليه وسلم:" حماهُما، إنّ عُثمانَ لأوّلُ من هاجرَ إلى اللهِ بأهلهِ بعد لُوطٍ صلى الله عليه وسلم"[٣]، وتبعهما أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وزوجته سهلة بنت سُهَيل وحاطب بن عمرو ومصعب بن عُمير وعبدالرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد ومعه امرأته أمُّ سلمة بنت أبي أميَّة، وكان من بين أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة أيضاً الزُّبير بن العوام وعثمان بن مَظْعون وسهيل بن بيضاء وعامر بن ربيعة ومعه زوجته ليلى بنت أبي حثمة وأبو سَبرة بن أبي رُهُم العامريُّ وزوجته أمُّ كلثوم بنت سهيل بن عمرٍو، كانت تلك هي الهجرة الأولى للمسلمين، وبعد أعوام تجهّز المسلمون للهجرة الثانية ولكن بشكلٍ أوسع، إذ كان عددهم هذه المرة نحو ثمانين رجلًا على رأسهم جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- لهذا علمت قريش بهجرتهم وقررت أن ترسل وفدًا مكونًا من عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة -وكان ذلك قبل إسلامهما- إلى النجاشيّ ملك الحبشة لكي تحبط أمر هذه الهجرة، إلّا أنّ النجاشيّ رفض مطلب قريش بتسليم المهاجرين لها وكان خير راعٍ لهم .[٤]
النجاشي ملك الحبشة
هو أصحمة بن أبحر النجاشي، أسلم على يد الصحابيّ جعفر بن أبي طالب -رضيّ الله عنه- بعد أن كان نصرانيًا، وهو أول ملكٍ أعجميّ يسلم في عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ومع هذا لم يقابل النبي الكريم أو يجتمع به طوال حياته، إلا أنّه كان للمسلمين درعًا حصينًا يحميهم من أيّ أذىً قد يحيط بهم، وقد أسلم على يد النجاشي الصحابيّ الجليل عمرو بن العاص، كما جاء في نص الحديث على لسان عمرو بن العاص "قُلْتُ: أيُّها الملِكُ، أكذاك هو؟ فقال: وَيْحكَ يا عَمرُو! أطِعْني واتَّبِعْه؛ فإنَّه واللهِ لَعلى الحقِّ، ولَيظهَرَنَّ على مَن خالَفَه كما ظهَرَ موسى على فِرعونَ وجُنودِه، قال: قُلْتُ: فبايِعْني له على الإسلامِ، قال: نَعم، فبسَطَ يَدَه، وبايَعْتُه على الإسلامِ، ثُم خرَجْتُ إلى أصْحابي"،[٥] وعندما توفى النجاشيّ في الحبشة حزن الرسول الكريم على وفاته ونعاه وصلى عليه صلاة الغائب، حين قال لأصحابه "مَاتَ اليومَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا علَى أخِيكُمْ أصْحَمَةَ"،[٦] وكانت هذه معجزةً ظاهرةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلامةً من علامات النبوّة، بأنّه أعلم الناس بوفاة النجاشيّ وهو في الحبشة في نفس اليوم الذي مات فيه.[٧]
المراجع
- ↑ رواه الألباني ، في السلسلة الصحيحة، عن أم سلمة هند بنت أبي أمية، الصفحة أو الرقم: 3190، إسناده جيد.
- ↑ "الهجرة الأولى إلى الحبشة"، al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 05-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن القيسراني ، في ذخيرة الحفاظ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم: 3/1273 ، فيه.
- ↑ "من البعثة إلى الهجرة (3)"، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 17777، إسناده حسن.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 3877، [صحيح] .
- ↑ "النجاشي أول ملوك العجم إسلاما"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 05-05-2019. بتصرّف.