محتويات
دليل خلق الكون ( دليل الحدوث)
تعد مسألة وجود الله من المسائل التي يتعرض لها كل إنسان وبغض النظر عن مستواه العلمي والثقافي، وإن كانت تجد اهتماماً أكثر عند المختصّين من الدارسين في الأديان وعلم الكلام، وفيما يأتي بيان بعض أدلة وجود الله تعالى القديمة والحديثة.
يعد دليل الحدوث من أشهر الأدلة العقلية التي استخدمها علماء الكلام،[١] ومن القائلين به الأشعري والباقلاني[٢] في إثبات وجود الله تعالى، وهو يقوم على فكرة أن الكون حادث؛ أي مخلوق؛ أي وُجد بعد أن كان عدماً، لذا لا بدّ له من مُحْدِث؛ أي خالق،[٣] ومن الآيات القرانية الدالة عليه قوله تعالى: (أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا)،[٤] ولإثبات أن الكون مخلوق اتّبعوا الطريقة الآتية في عرض الدليل:[٥]
- إن الكون يتكون من أجسام وصفات لهذه الأجسام، والأجسام تسمى جواهر، والصفات تسمى أعراض.
- إن الصفات أو الأعراض متغيرة غير ثابتة، وهناك من يُظهرها ثم يُخفيها، وهذه دلالة على أن هناك من يُنظّم أمرها وهو خالقها.
- إن الأجسام لا يمكن أبداً أن تنفصل عن الصفات، فلن تجد صفة تسير لوحدها من دون جسم تلتصق به، فإذا كان الجسم يلتصق بالصفات المخلوقة، فهذا يعني أن الجسم أيضاً مخلوق مثلها لأنه يتغير بتغير صفاته.
- النتيجة إذاً أن الكون "بأجسامه (الجواهر) وصفاته (الأعراض) مخلوق (حادث)، وكل مخلوق لا بد له من خالق أو (محدث) وهو الله سبحانه وتعالى، فنتيجة هذا الدليل إثبات وجود الله تعالى عن طريق استخدام دليل الحدوث.[١]
دليل الإتقان
وهو دليل أشار إليه قوله تعالى: (أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِين* فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِين* إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُوم* فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُون)،[٦] ويسمى بدليل الإتقان أو دليل الإحكام، ومن القائلين به الإمام الأشعري والغزالي والرازي،[٢] ومن العلماء الغربيين العالم البريطاني أنتوني فلو.[٧]
ويعني هذا الدليل أن الانضباط والالتزام والدقة التي في الكون وفي المخلوقات يستحيل أن تكون من دون مدبّر أو خالق،[٨] فالكون تم ضبطه بشكل كبير ليصبح مناسباً لنا، ولو كان على هيئة أخرى لما كان صالحاً للحياة.[٧]
ومظاهر هذا الإتقان تجدها في الإنسان والحيوان وفي الكواكب وفي الغذاء، وتجدهُ في الجاذبية الأرضية وفي الغلاف الجوي،[٧] فهي معدةٌ بإتقان بما يناسب معيشة الإنسان على هذه الأرض، وإتقان الكون بهذا الشكل دليل أكيد على وجود خالق قد أوجده بهذا التناسب والانسجام ما بين الإنسان والكون وما بين عناصر الكون فيما بينها.
الدليل الفطري
يقصد بالدليل الفطري أن كل إنسان يولد على صفة يلزم منها إقراره بأن له خالقاً مدبراً،[٨] فهي صفة مغروزة في الإنسان منذ ولادته، ويمكن الاستدلال عليها من قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون).[٩]
يقول الرازي: فكأنه بأصل خلقته ومقتضى جبلّته يتضرع إلى من يخلّصه منها ويخرجه عن علائقها وحبائلها، وما ذاك إلا شهادة الفطرة بالافتقار إلى الصانع المدبر،[١٠] فالإنسان في الشدائد يتوجه إلى القوة الغيبية التي أوجدته، فيتقرب إليها لتخرجه من الضيق إلى الفرج، وقد قال بدليل الفطرة ابن تيمية والطبري والشيخ السعدي.
ومثال على دليل الفطرة يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "حتى إننا حدثنا أن بعض الكفار الموجودين الملحدين إذا أصابه الشيء المهلك بغتة يقول على فلتات لسانه: (يا الله) من غير أن يشعر؛ لأن فطرة الإنسان تدله على وجود الرب"،[١١]وهذه القوة الغيبية هي الله تعالى حيث أوصلته فطرته للتعرف عليها واللجوء إليها باعتبارها خالقة للإنسان والكون.
أدلة حديثة على وجود الله
لا تقف أدلة وجود الله تعالى على الأدلة القديمة التي تعرض لها علماء الإسلام في القرون الماضية، بل ما زالت هذه الأدلة تظهر مع مرور الزمن وكلّما تقدّم العلم، وفيما يأتي نماذج حديث لأدلة وجود الله.
الدليل الأخلاقي
يعد الدليل الأخلاقي من الأدلة الحديثة على وجود الله تعالى، ويُنسب عادة إلى الفيلسوف الأماني كانط،[١٢] ومعنى الدليل الأخلاقي: أن وجود الأخلاق فينا أثر من كمال الله تعالى الذي صاغ قلب الإنسان صياغة أخلاقية،[١٢] مثل حبنا للخير وبغضنا للكذب، واختيار الإنسان للأخلاق الفاضلة لا يمكن إلا أن يكون بسبب القوة الغيبية التي أوجدته.
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الدليل بقوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ)،[١٣] فتشير الآية إلى أنّ صدق دعوة النبي صلى الله عليه وسلم يظهر من الأخلاقيات التي جاء بها، والتي لا تكون إلا من الله ذي الكمال المطلق.
رهان باسكال
يقوم هذا الدليل الحديث على توظيف الرياضيات والاحتمالات لإثبات وجود إله، فبرهن باسكال بالرياضيات أن الإنسان المؤمن بوجود الإله يربح أكثر من الإنسان الذي لا يؤمن بالله تعالى، وكانت نتيجة استخدامه للرياضيات في محاولة إثبات وجود الله حتى وصل إلى نتيجة تبيّن أنّ على الإنسان أن يتصرف كمؤمن بالله.[٢]
وذلك لأن السعادة التي يجنيها المؤمن بالله في الدنيا والآخرة أضعاف السعادة التي يحصل عليها منكر وجود الإله في الدنيا،[٢] فمن يربح مرّتين أفضل ممن يربح مرة واحدة؛ أي من يربح مرة في الدنيا ومرة في الآخرة أفضل ممن يربح مرة واحدة في الآخرة.
المراجع
- ^ أ ب محمد بن عبد الرحمن الخميس، كتاب أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة، صفحة 593. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث سعيد فوده (2016)، الأدلة العقلية على وجود الله بين المتكليمن والفلاسفة (الطبعة 1)، عمان:منشورات الأصلين ، صفحة 323 ، جزء 1.
- ↑ سفر الحوالي، منهج الأشاعرة في العقيدة تعقيب على مقالات الصابوني، صفحة 36. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية:67
- ↑ محمد خليل و عامر ملاحمة (2016)، التأصيل النقلي لدليل الحدوث وتطبيقه عند المتكلمين من العلماء أبو حنيفة والغزالي أنموذجان (الطبعة 1)، مجلة جامعة الزرقاء:مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات اإلنسانية المجلد السادس عشر العدد الثالث 6، صفحة 85، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة المرسلات، آية:23-22
- ^ أ ب ت عبد الله بن صالح العجيري (2016)، شموع النهار (الطبعة 1)، لندن:تكوين للدراسات والأبحاث، صفحة 170، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب سعود بن عبد العزيز العريفي (1419)، الأدلة العقلية والنقلية على أصول الإعتقاد (الطبعة 1)، مكه:دار عالم الفوائد، صفحة 235، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية:30
- ↑ فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، صفحة 71.
- ↑ محمد بن صالح العثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 149.
- ^ أ ب سامي العامري (2018)، براهين وجود الله في النفس والعقل والعلم (الطبعة 1)، لندن:مركز تكوين للدراسات والأبحاث، صفحة 222، جزء 1.
- ↑ سورة الأعراف ، آية:157