الجهاد بالمال
قدّم الله -سبحانه وتعالى- في غالبيّة الآيات الكريمة الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس قال تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[١] إذ يُعدُّ الجهاد بالنفس جهادًا خاصًّا، ووجه التفضيل في هذا أنّ المال يُمكن استخدامه في الجهاد في عدّة مصارف كتجهيز المجاهدين وشراء الأسلحة والعتاد والذخائر والأطعمة والأشربة والكساء ورواتب المجاهدين لسد احتياجاتهم ذويهم كي يتفرّغوا للجهاد، فاستخدامات المال متنوعة ومتعدّدة وهو واجبٌ على الأغنياء وميسوري الحال من الرجال والنساء، وقد خلّد التاريخ الإسلامي سيرة واحدٍ ممن أخذ على عاتقه تجهيز أحد جيوش المسلمين، وهذا المقال يسلط الضوء على شخصية من جهز جيش العسرة.
غزوة العسرة
غزوة العُسْرَة هي ذاتها غزوة تبوك آخر غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة قبيل حجة الوداع التي تلاها وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد جاء مسماها بالعُسْرَة في القرآن الحديث في معرض الحديث عن واحدةٍ من أصعب الغزوات التي غزاها النبي -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[٢]، وقد سُميت بهذا الاسم لأنها كانت في وقتٍ عُسرةٍ من حيث التوقيت الزماني إذ كانت في فصل الصيف حيث اشتداد الحرارة وبُعد المسافة الفاصلة ما بين المدينة المنورة وموضع الغزوة وهو تبوك بالإضافة إلى العجز المالي في تجهيز المجاهدين بالعتاد والسلاح والرواحل وقلة الأمطار التي تسببت في قحط البلاد وجدبها، وفي هذه الغزوة تجلّى الإيمان الحقّ وظهر زيف أهل النفاق والفسوق الذين تخاذلوا وتقاعسوا عن الغزو وفي المقابل برز أهل الإيمان الذين تسابقوا إلى الجهاد مع رسول الله على الرغم من قسوة الظروف، وبرز واحدٌ من كبار الصحابة وهو من جهز جيش العسرة من حُرِّ ماله عن طِيب خاطرٍ رغبةً في مرضاة الله ورسوله، في حين تصدق أبو بكرٍ الصديق بكامل ماله والبالغ أربعة آلاف درهمٍ وتصدق عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف بنصف مالهما إلى جانب عددٍ آخر من الصحابة كلٌّ بحسب استطاعته. [٣][٤][٥]
من جهز جيش العسرة
ندب النبي -صلى الله عليه وسلم- أغنياء المسلمين إلى الإنفاق في سبيل الله تعالى من أجل التجهيز لهذه الغزوة التي كانت في وقت عُسرةٍ من كافة الجوانب فقال: "مَن جهَّز هؤلاءِ غفَر اللهُ له -يعني جيشَ العُسرةِ-" [٦]، فلقيت دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- للبذل والإنفاق والصدقة استجابةً واسعةً بين الصحابة رجالًا ونساءً وكان من أبرز المتبرعين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حتى اعتُبر أنه هو من جهز جيش العسرة في إيماءةً إلى القدر الكبير الذي ساهم فيه فقد دفع للنبي -عليه الصلاة والسلام- ألف دينارٍ نقدًا وثلاثمائة بعيرٍ بكامل جهازها وقال بعض الرواة كابن شهاب أنّ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قد رفد جيش العسرة بألف راحلةٍ بكامل جهازها مقسمةٍ ما بين تسعمائة وأربعين بعيرًا وستين فرسًا، وقال المؤرخون اعتُبر عثمان -رضي الله عنه- من جهز جيش العسرة كونه أسهم في تجهيو عشر آلاف مجاهدٍ بكامل جهازهم أي ثلث الجيش البالغ تعداده ثلاثين ألف مجاهدٍ، وقد أكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ما فعله عثمان حتى قال له: "جاءَ عثمانُ إلى النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- بألفِ دينارٍ قالَ الحسَنُ بنُ واقعٍ: وفي موضعٍ آخرَ من كتابي، في كمِّهِ حينَ جَهَّزَ جيشَ العُسرةِ فينثرَها في حجرِهِ. قالَ عبدُ الرَّحمنِ: فرأيتُ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- يقلِّبُها في حجرِهِ ويقولُ: ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ مرَّتينِ" [٧][٣][٤][٥]
المراجع
- ↑ {التوبة: الآية 41}
- ↑ {التوبة: الآية 117}
- ^ أ ب من جهز جيش العسرة فله الجنة،, "www.islamweb.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 15-01-2019، بتصرف
- ^ أ ب كتاب: عثمان بن عفان،, "www.al-eman.com"، اطُّلع عليه بتاريخ 15-01-2019، بتصرف
- ^ أ ب دفاع عن عثمان بن عفان (1)،, "www.alukah.net"، اطُّلع عليه بتاريخ 15-01-2019، بتصرف
- ↑ الراوي: الأحنف بن قيس، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح النسائي، الصفحة أو الرقم: 3609، خلاصة حكم المحدث: صحيح
- ↑ الراوي: عبدالرحمن بن سمرة، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم: 3701، خلاصة حكم المحدث: حسن