من خلق الله

كتابة:
من خلق الله

الوجود

كلمة الوجود جديدة على المسلمين العرب، إذ إنّ "فعل الكون" ليس موجودًا عند العرب، مثلما هو عند باقي اللغات، كالأوروبيّة والهندية، وقد انتشرت كلمة الوجود واشتقاقاتها في علم الكلام، وأوّل من عمد إلى إدخالها الكندي، عن الطريق الإشتقاق والأصل، ومثله الجويني وابن سينا، فإنّ علم الوجود أو ما يسمّى بالأنطولوجية لمّا دار حول ماهية الوجود انقسم العلماء بين مؤيّد ومعارض له، لِمَا استثار من فتن وشبهات بين الناس، وخاض الناس في معنى وحدة الوجود، التي نُسبت لابن عربي، وقد أخذها طلبته من بعده، وفي أصل الخلق، وما يدور في الأذهان حول "من خلق الله"، ومن المتصوّفة من سمّى مصطلح وحدة الوجود بمُسمّى وحدة الشهود مخافة أن يُكفّر كما كُفّر من قبله.[١]

من خلق الله

كل هذه الموجودات تنتهي إلى خالقٍ خلقها، ولم يخلقه أحد، فلو كان الله مخلوقًا لَمَا استطاع أن يخلق ولكان من جملة المخلوقين، وهذا لا يقبله العقل، وقد حذّر الإسلام من الخوض في سؤال "من خلق الله"، وعلى العبد المسلم إن خطر في باله مثل هذا السؤال أن يستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليقل: آمنت بالله، وليس المقصد أن لا يسأل الإنسان وأن يفهم ويتفقّه، فلو كان هناك جواب لسؤال من خلق الله، وأنّ لله خالق، إذًا لصار الله من جملة المخلوقين، ولفتحَ هذا السؤال أسئلة لا نهاية لها أبدًا، من خلق الله؟، ومن خلق الذي خلق الله؟ وهكذا إلى ما لا نهاية، فإنّ الله الخالق في أصله الوجود، ولو في الأصل كان الله مخلوقًا ليس موجودًا من قبل لما استطاع أن يُوجد هذا الكون كله، لأنه كما قيل: "فاقد الشيء لا يعطيه"، فالله في أصله الوجود، إذن لإنّ ذلك لا يستلزم خالقًا يخلقه، ولا يتطلب علّة لوجوده، فالقاعدة تقول: "لا يُبحثُ عن علّة الوجود وفي الأصل فيه الوجود موجود"، والذي يقول أنّه ليس بالضرورة أن يكون الخالق ليس مخلوقًا، كمن يقول عن السّكّر أنّه يحتاج إلى سكّر كي يصير سُكّرًا، وكذلك الملح هل بحاجة إلى ملح كي يصير ملحًا؟! فالذي يسأل من خلق الله؟ كمن يقول: الشيءُ الذي لا قبله شيءٌ مَن قَبله؟! وما أوّل الشيء الذي لا أوّل له.[٢]

الفناء

الفناء لغة هو التلاشي والإنعدام، ويُراد به أحيانًا الهلاك، ولا شكّ أنّ كلّ مخلوق سيفنى، فكل من مات قد فني أيّ هلك، وهذا ما كتبه الله على المخلوقات، ومن بعد الفناء يبعثهم الله، وأما الله الخالق فلا يفنى ولا يموت أبدًا، وقد تكلم ابن القيم كلامًا عميقًا عن الفناء وما يدور بين الصوفية والملاحدة عن الوجود والفناء حيث قال: "وهذا الاسم يطلق على ثلاثة معان: الفناء عن وجود السوى، والفناء عن شهود السوى، والفناء عن إرادة السوى، فأما الفناء عن وجود السوى فهو فناء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود، وأنه ما ثم غير، وأن غاية العارفين والسالكين الفناء في الوحدة المطلقة، ونفي التكثر والتعدد عن الوجود بكل اعتبار، فلا يشهد غيرًا أصلًا، بل يشهد وجود العبد عين وجود الرب، بل ليس عندهم في الحقيقة رب وعبد، وأما الفناء عن شهود السوى فهو الفناء الذي يشير إليه أكثر الصوفية المتأخرين، ويعدونه غاية وليس مرادهم فناء وجود ما سوى الله في الخارج، بل فناؤه عن شهودهم وحسهم، فحقيقته غيبة أحدهم عن سوى مشهوده بل غيبته أيضا عن شهوده ونفسه لأنه يغيب بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبموجوده عن وجوده وبمحبوبه عن حبه وبمشهوده عن شهوده".[٣]

المراجع

  1. "علم الوجود"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 10-1-2020. بتصرّف.
  2. "الملحد وسؤاله الخاطئ من خلق الله"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-1-2020. بتصرّف.
  3. "أقسام الفناء ومعانيه"، www.islamweb.net/ar، اطّلع عليه بتاريخ 10-1-2020. بتصرّف.
4584 مشاهدة
للأعلى للسفل
×