من هم المؤلفة قلوبهم

كتابة:
من هم المؤلفة قلوبهم

من هم المؤلفة قلوبهم؟

يُطلق لفظ المؤلفة قلوبهم على أسياد وكبار القوم الذين يُتّقى شرهم بإعطائهم الزكاة، أو تكون الزكاة سبيلًا لتقوية إيمانهم أو دفع أذاهم عن المسلمين، أو أن يكون في إعطائهم للزكاة عون على أخذها ممن يمتنع عن دفعها.[١]


أقسام المؤلفة قلوبهم

ويقسم المؤلفة قلوبهم إلى قسمين وهما:[١]

  • غير المؤمنين: وهم من لهم سلطة من الكافرين وكانوا رؤساء في أقوامهم وذوي هيبة ويُخشى على المسلمين من أن يطالهم شرٌ منهم في حال عدم إعطائهم، فيدفعون بها لهم لكفِّ شرهم.
  • مؤمنون: وهم من المسلمين إلا أنّ إيمانهم ضعيف فتُدفع الزكاة لهم ليقوى إيمانهم، أو حتى يسلم بقية المسلمين من شرّهم، أو أن يكون رئيسًا في قبيلته فيعطى حتى لا يؤذي رئيسًا آخر، أوكان في إعطائه الزكاة سبيلٌ إلى إيمانه، وقد يكون ممن له سلطة على أفراد قومه وبدفع الزكاة إليه يدفَع قومُه الزكاة.


حكم الزكاة في حق المؤلفة قلوبهم

عادةً الذي يُعنى بدفع الزكاة لهذه الفئة هم الدولة أو أهل الحل والعقد؛ أي من يحدد مدى الحاجة لتأليف القلوب في الدولة، وكان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قد أعطى بعض المشركين من المؤلفة قلوبهم في غزوة حنين واختلف الفقهاء في حكم الزكاة في حق المؤلفة قلوبهم بعد وفاة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على عدة أقوال،[٢] وفيما يأتي تفصيلها:[٣]


الحنفية

ذهب الحنفية إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط ونُسِخَ بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقالوا بأن الحكم قد انتهى بسبب انتهاء العلة وهي الحاجة لهذه الفئة في بداية الإسلام لتُقوّيه في وقت ضعفه، فبعدما أصبح الإسلام قويًا وعزيزًا لا حاجة لها، وقيل أيضًا إن الحكم قد انتهى لأنه نُسخ بحديث النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لمعاذ رضي الله عنه: "فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ"،[٤] وقيل إن الحكم قد نُسخ بإجماع الصحابة إذ ذُكِرَ أنّ أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- لم يعطيا الزكاة للمؤلفة قلوبهم ولم ينكر عليهم الصحابة ذلك.[٣]


المالكية

قال بعض المالكية بأن حكم المؤلفة قلوبهم لم يُنسخ وهو باقٍ بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ وذلك لأن المراد من إعطائهم الزكاة هو حثّهم على الدخول في الإسلام، وإبعادهم عن عذاب الله تعالى، وأما المشهور والراجح في المذهب أن سهم المؤلفة قلوبهم من الكافرين قد انتهى؛ وذلك لأنّ المقصود منه كان عزة الإسلام وترغيب الكافرين للدخول فيه، وأمّا إن كانوا حديثي عهد بالإسلام فحكمهم باقٍ؛ وذلك لتمكين الإسلام في قلوبهم.[٣]

الشافعية

ذهب الشافعية إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم من الكافرين قد انتهى بسبب كفرهم كما أنّ الإسلام أصبح عزيزًا بفضل الله -تعالى- وغنيًا عنهم، وإعطاء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لهم كان في ضعف الإسلام وهذا السبب قد زال، وأما المؤلفة قلوبهم من المسلمين فالحكم باقٍ ليثبتوا على الإسلام ولغير ذلك من المصالح.[٣]


الحنابلة

ذهب الحنابلة إلى أنّ سهم المؤلفة قلوبهم باقٍ مستدلين على ذلك ببقاء النص على حاله في قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ ۗ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}،[٥] ولما روي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنه أعطى المؤلفة قلوبهم أكثر من مرة وكما أخبر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- في حديثه بأن مصادر الزكاة ثمانية كما جزأها الله تبارك وتعالى.[٣]


ولا يجوز عندهم ترك النص والعدول عنه إلا بنسخ صحيح وثابت، ولأنّ النسخ لا يصح بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وحملوا ترك الصحابة لتقسيم هذا السهم لعدم حاجتهم لذلك في وقتهم، وأيضًا فالقصد من إعطائها هوالترغيب في الإسلام وكان الإسلام عندها ليس بحاجة لمثل هذا.[٣]



تفسير "المؤلفة قلوبهم" عند أهل التفسير

ابن كثير

قال ابن كثير في تفسيره إن المؤلفة قلوبهم أقسام: فمنهم مَن يُعطي ليسلم كما أعطى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صفوان بن أمية يوم حنين وهو مشرك، فيقول صفوان رضي الله عنه: "لقد أعطاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ حُنينٍ وإنَّه لَمِن أبغضِ النَّاسِ إليَّ فما زال يُعطيني حتَّى إنَّه لَأحبُّ الخَلقِ إليَّ"،[٦] والقسم الثاني هو مَن يُعطى ليحسُن إسلامه ويثبت عليه كما أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام- الطلقاء، ومنهم من يُعطى ليُسلم نظراؤه.[٧]


الطبري

قال الطبري في تفسيره إنهم قوم يُتَألَّفون على الإسلام، وهم من يكون باستصلاحهم كسبٌ لهم ولعشيرتهم، ومثاله أبو سفيان بن حرب والأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وغيرهم.

[٨]


البغوي

قال البغوي في تفسيره إنّ المؤلفة قلوبهم هم قسم مسلم دخلوا في الإسلام ولم يثبتوا عليه فأعطاهم رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ليؤلف قلوبهم مثل الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر، وقسم أسلم وثبتوا على الإسلام وكانوا رؤساء في قومهم مثل عدي بن حاتم فأعطاهم ليحببهم بالإسلام، وقسم من المسلمين بإزاء قوم كافرين في موضع بعيد لا تصلهم جيوش المسلمين وهم لا يجاهدون لسبب عندهم.[٩]


الرازي

نقل الرازي في تفسيره عن ابن عباس أنّ المؤلفة قلوبهم هم أشراف القوم وكبارهم الذين أعطاهم النبي -صلى الله عيله وسلم- يوم حنين وهم خمسة عشر رجلًا حتى يرّغبهم بالإسلام، وقيل أعطاهم ليستعين بإعطائهم على استخراج الزكاة من غيرهم.[١٠]


السعدي

قال السعدي في تفسيره إن المؤلف قلبه: هو "السيد المطاع في قومه، ممن يُرجى إسلامه، أو يُخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جبايتها ممن لا يعطيها، فيعطى ما يحصل به التأليف والمصلحة‏".[١١]


القرطبي

قال القرطبي في تفسيره إنّ المؤلفة قلوبهم قد ورد فيهم أقوال كثيرة، منها أنّهم من أسلم من اليهود أو النصارى وإن كانوا أغنياء، وقيل هم من الكفّار لا يمكن استمالتهم إلى الإسلام بالحرب ولكن يمكن ذلك بالمال والعطاء، وقيل: "هم قوم أسلموا في الظاهر ولم تستيقن قلوبهم، فيعطون ليتمكن الإسلام في صدورهم"، وقيل: "هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع يعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام".[١٢]


الشعراوي

قال الشعراوي في تفسيره إنّ المؤلفة قلوبهم هم قومٌ يُقصد من إعطائهم استمالتهم للإسلام، أو أن يُكفى شرهم عن المسلمين؛ لأن المسلمين كانوا يحتاجون ذلك في بداية الإسلام.[١٣]


الجلالين

قال السيوطي في تفسيره إن المؤلفة قلوبهم -كما نُقل عن ابن عباس- هم قوم كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقسم لهم من الصدقات وكانوا حديثي عهد بالإسلام، فإن أعطاهم من المال قالوا: "هذا دينٌ صالح"، وإن لم يأخذوا عابوا هذا الدين -أي الإسلام- ورجعوا عنه.[١٤]

المراجع

  1. ^ أ ب عبد العزيز الراجحي، شرح عمدة الفقه، صفحة 19. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، صفحة 46. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 2000. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1395، حديث صحيح.
  5. سورة التوبة، آية:60
  6. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن صفوان بن أمية، الصفحة أو الرقم:4828، أخرج ابن حبان هذا الحديث في صحيحه.
  7. ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 167. بتصرّف.
  8. أبو جعفر الطبري، تفسير الطبري، صفحة 312. بتصرّف.
  9. أبو محمد البغوي، تفسير البغوي، صفحة 63. بتصرّف.
  10. فخر الدين الرازي، تفسير الرازي، صفحة 86. بتصرّف.
  11. عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 341. بتصرّف.
  12. شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي، صفحة 179. بتصرّف.
  13. الشعراوي ، تفسير الشعراوي، صفحة 5223. بتصرّف.
  14. السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، صفحة 223. بتصرّف.
4077 مشاهدة
للأعلى للسفل
×