محتويات
من هو المستشرق؟
لقد ذُكر كثيرٌ من التّعريفات التي تتعلّق بمفهوم "المستشرقين"، وقد تنوّعت هذه التعريفات بتنوّع الرؤى والآراء حول ظهورهم، فقيل إنّ المستشرقين هم: مجموعة من المفكّرين والباحثين الذين تناولوا التّراث المشرقي -ولا سيّما العربي والإسلامي- دراسةً وبحثًا وتنقيبًا، وقد عمدوا إلى تحليله وإعادة نشره مع محاولة حفظه.[١]
قيل أن الاستشراق بدأ بمجموعة من الأشخاص الذين اختارهم باباوات النصرانية لدراسة المجتمعات الإسلاميّة من حيث سلوكاتها التي تتحكّم بها عقيدتهم الإسلاميّة، فتناولوا الشّرائع والأحكام التي نزل بها القرآن من خلال دراستها ضمن المجتمع، وقد كانت تدفعهم إلى تلك الدّراسات غايات ودوافع متنوّعة، وبالرغم من اختلافها إلّا أنّها سبّبت اهتمامًا كبيرًا ودافعًا قويًّا لدراسة وتحليل هذه الأمم.[٢]
لقراءة المزيد، انظر هنا:تاريخ الاستشراق.
قيل في تعريف المستشرقين إنّهم: مجموعة من الناس المفكّرين الذين يدأبون على دراسة الدّين الإسلامي لغاياتٍ يعلمونها، وهؤلاء المستشرقون لا ينتمون إلى الدّين الإسلامي، وللوهلة الأولى قد يتبادر للأذهان أنّ أسباب كل ذلك الاهتمام والدّراسات هو الإعجاب في العالم الإسلامي، ولكن لا بدّ أن يكون هناك سببٌ جوهري وراء ذلك الاهتمام، وذلك السبب -كما يرى بعض الباحثين- هو دراسة الإسلام لمعرفة كيفية ضربه في العمق من خلال أبنائه.[٣]
مناهج المستشرقين
ما هي أهم طرق المستشرقين في بحوثهم وتقصيهم؟
من غير الممكن تحديد منهجٍ معين قد نهجه جميع المستشرقين، إذ كان لكلّ منه أسلوبه وطريقته ومنهجه في البحث في التّراث العربي، وقد انقسمت هذه المناهج إلى مناهج نظريّة ومناهج عمليّة، ومن المناهج النظريّة:[٤]
المنهج التاريخي في الدراسات الاستشراقية
يعد المنهج التّاريخي من أهم المناهج في الدّراسة والبحث والتّنقيب في التّراث، إذ لا بدّ لفهم الأمور وفق مسيرها وتراكمها من دراستها دراسة تاريخيّة تفصّل نشأتها وأسبابها ومسيرتها حتى وصولها إلى شكلٍ منطقي في النهاية، وقد ظهر هذا المنهج مع ظهور الدّراسات التاريخية للغة، وقد اتّبعه المستشرقون، ويعرّف بأنّه ترتيبٌ للأحداث وذكرها لتشكّل في النهاية ظاهرةً واحدة، ويتّصف بالحركة؛ لأنّه يهتم بدراسة الظّاهرة على مدار أكثر من عصر.
يدرس المستشرق جيرالد دوغوري في كتابه "حكام مكة" المراحل المختلفة التي مرت بها الكعبة المشرفة، وكذلك يدرس عمليات الحج التي كانت تُقام في فصل الخريف قبل الإسلام، فيصل إلى نتيجة مفادها أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أقر تلك الشعائر الجاهلية ليشير إلى أنّ الحج هو طقس جاهلي قد أقرّه الإسلام وأبقى على شعائره كما هي، ومن أبرز الذين استعملوا هذا المنهج الأب اليسوعي المستشرق هنري لامنس والبروفسور كستر في كتابهما المشترك: "مكة في الدراسات الاستشراقية".[٤]
المنهج الوصفي في الدراسات الاستشراقية
هو عمليّة استقصاء يعمد إليها الباحث لدراسة ظاهرة معيّنة، فيشرحها ويحلّلها ويفسّرها، ويكشف العلاقات القائمة بين أجزائها، وقد نشط استخدام المنهج الوصفي في دراسات المستشرقين بعد أن أعلن فردينان دي سوسير مبادئه اللغوية، ويلاحظ على هذا المنهج اتصاله غالبًا بالمقارنة. وإذا كان المنهج التّاريخي يتّصف بالحركة، فإنّ المنهج الوصفي يتّصف بالثّبات؛ فهو يتناول ظاهرة معيّنة في مكانٍ وؤمان معيّنَين.[٤]
المنهج الأنثروبولوجي
اهتمّ علماءالأنثروبولوجيا بالمنهج الأنثروبولوجي، واعتمدوا عليه في دراساتهم، فالأنثروبولوجيا هي الطّريقة التي يتّبعها الباحث في دراسته وبحثه، ويتميز هذه المنهج في دراسة التّراث أنّه منهجٌ كلّي؛ إذ يتناول جميع العناصر في دراسة التّراث أو الظّاهرة.[٤]
جهود المستشرقين
كيف أثرت جهود المستشرقين على المعرفة بالثقافات العربية؟
اتّبع المستشرقون منهج البحث والتّعمّق والتّحليل والاستقراء والاستنتاج والوصول إلى الحكم العام، وذلك بعد عرض مجموعة من الأسباب المتشابهة التي تندرج تحت حكم واحد، وبذلوا جهودا كبيرة لتحقيق ذلك، وهي:[٥]
- أكثروا من المصّنّفات التي كان لها دورٌ واضحٌ في إغناء الفكر العربي، لا سيّما الكتب التي نقلت من اللّغات الأخرى إلى اللغة العربيّة.
- ساهموا في إدخال المنهج العلمي إلى الدراسات العربيّة والإسلاميّة، وهو منهجٌ قائمٌ على الدّراسة والتّحليل والاستنباط للوصول إلى الحقيقة.
- اتسمت جهودهم بالموسوعية والتّمحيص في دراساتهم وأبحاثهم المتعلّقة بالتّراث العربي.
- أنشؤوا المطابع سواء في بلدان الغرب والشّرق الأوسط ولأدنى، فمطبعة "ليدن" كانت قد استوعبت ما يقارب عشرين لغة شرقية، ثمّ تعدّدت المطابع بعد ذلك ونشط النشر فانتشرت علوم الشرق وآدابه وفنونه.
- نقل المستشرقون كتب التّاريخ العربي وكتبوها كتابةً علميّةً، وألّفوا في مختلف العلوم والدّراسات العربيّة.
شبهات المستشرقين حول السيرة النبوية
ما هي الشكوك التي أثارها المستشرقون حول الإسلام؟
لقد حرف بعض المستشرقين الكثير ممّا جاء عن النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وذلك في محاولةٍ لتشويه صورته والتشكيك في مصداقيته، ومن ذلك:[٦]
- التّشكيك في مصادر السّيرة النبويّة: كان أوّل ما شكّك به المستشرق جيوم هو مصادر سيرة النبي محمد -عليه الصلاة والسّلام-، ولم تخلُ دراسته من المبالغة والتّهويل والميل إلى الهوى.
- التّشكيك في تاريخ ولادة الرسول عليه الصلاة والسّلام: من المعروف أنّ النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- ولد في عام الفيل سنة "570م"، وقد شكّك المستشرقون بذلك، فتوماس كارلايل يقول إنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- ولد سنة "580م"، وجيوم يقول إنه ولد حوالي سنة "570م" لكنّه تاريخ لا يمكن القطع بصحّته.
- شق الصّدر: اعتبر جيوم قصّة شق الصدر التي حدثت للنبي -عليه الصلاة والسلام- في طفولته محض أسطورة لا حقيقة لها، فيذكر أنّ المستشرقين اتّهموا النبي محمّد -عليه الصلاة السّلام- بالصّرع، وذلك استنادًا على حادثة شق الصّدر، فقد أرجعوا سبب شق الصّدر إلى قوله تعالى {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}،[٧] وهنا نفى جيوم عن النبي الصّرع بإنكار ما اعتمد عليه المستشرقون في قولهم وهو حادثة شق الصدر.
- تحنّثه في غار حراء: لا يصور المستشرق كارلايل النبي -عليه الصلاة والسلام- في تلك الفترة بصورته الحقيقيّة، ولا يظهر أسباب تحنّثه الحقيقية وهي العبادة، بل يعيدرها إلى رغبة النبي بالجلوس منفردًا للاسترخاء والاستمتاع بجمال الطّبيعة.
- نبوة محمّد عليه الصّلاة والسّلام: لقد أنكر كثير من المستشرقين نبوّة رسول الله محمّد -صلى الله عليه وسلم-، وقد كان لكلٍّ منهم سببه، فكارلايل يرى أنّ هذه النبوة ما هي إلّا نتيجةً للتفكير العميق، فأحبّ ذلك الغموض بفضل الله تعالى، وسطع هذا الغموض في روحه فسمّاه وحيًا.
- الهجرة إلى الحبشة: هاجر المسلمون إلى الحبشة -بحسب المصادر الإسلامية- نتيجة اضطهاد المشركين لهم، فقد أرادوا الحماية، ووجد النبي محمّد -صلى الله عليه وسلم- في الحبشة مكانًا آمنًا لهم؛ إذ كان يحكمها حاكمٌ عادلٌ لا يُظلَم عنده أحد، بينما يفسّر المستشرق جيوم تلك الهجرة إلى الحبشة بأنّها كانت لاحتماء المسلمون بالمسيحيين.
- تشريع الجهاد: نزل الأمر بالجهاد حسب المسلمين من عند الله تعالى، ويستدلّون على ذلك بكثير من الآيات والأحاديث النبوية، وأسباب الجهاد كثيرة أهمّها نشر الإسلام دين التوحيد في أقطار الأرض كافّة، ويرى كارلايل أنّ محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم- أراد في بداية الأمر نشرَ دعوته بالحكمة، فلمّا حورب واشتدّ بأس الكافرين ثارت حميّته العربيّة وحاربهم.
- علاقة الرسول باليهود: يذكر جيوم أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أجلى اليهود عن الحجاز لسببين، الأوّل: رفضهم الاعتراف بنبوّته، والثّاني: قوّتهم الاقتصاديّة التي سبّبت له ضيقًا كبيرًا.
لقراءة المزيد، انظر هنا: كتب المستشرقين عن الإسلام.
أشهر المستشرقين
مَن هم أبرز المستشرقين؟
ومن أشهر المستشرقين:[٨]
- إغناطيوس جويدي: "1844م - 1935م"، ولد في روما وتعلّم اللغة العربيّة في جامعاتها، ثمّ درس العربيّة فيها، وله كثيرٌ من الدراسات في اللغة العربيّة، وقد دعي إلى مصر لتدريس اللغة العربيّة في جامعاتها.
- سيلفستر دي ساسي: "1758م - 1838م"، ولد في باريس وتعلّم اللاتينية واليونانيّة، وقد درس على يد بعض القساوسة، كما تعلّم العربيّة والفارسيّة، والتّركيّة، ونشر العديد من المخطوطات الشّرقيّة في مكتبة باريس، وحقق المخطوطات، وكتب بحوثًا عن العرب وآدابهم.
- وليام بدول: "1516م- 1632م"، كان راعيًا لكنيسة إيلبيرج، وقام بالعديد من الدراسات والبحوث في اللغة العربيّة، وله كثيرٌ من الكتابات التي هاجمت الإسلام.
- كارل بروكلمان: "1868م - 1956م"، وهو مستشرق ألماني بدأ بدراسة اللغة العربية وهو في الثانوية، وكان أحد تلامذة المستشرق المعروف ثيودور نولدكه، حقّق بروكلمان كثيرًا من الكتب العربية، وألّف كذلك الكثير باللغة العربية، وأجرى بعض الدراسات المقارنة بين كتب التراث العربي.
كتب المستشرقين
ما أهم الكتب التي أنتجها المستشرقون؟
- الثّقافة بين العروبة والإسلام: ألّفه مجموعة من المستشرقين، يتناول الكتّاب التّعريف ببداية نشوء الثّقافة العربيّة وبداية تشكّل الوعي عن العرب، ابتداءً من عصر التشتت القبلي وصولًا إلى تشكّل الجماعة العربيّة.[٩]
- دراسات في العربيّة "أصولها - مراحلها التاريخية - بنيتها - لهجاتها - علاقاتها بأخواتها الساميات": وفي هذا الكتاب مجموعة مقالاتٍ لمستشرقين معاصرين وعلى رأسهم البروفيسور فيشر، يتناولون فيها اللغة العربيّة من حيث نشأتها ودلالاتها وإلى غير ذلك مما يتعلّق بعلوم اللغة، وتندرج هذه المقالات تحت عنوان "فقه اللغة".[١٠]
- وجهة الإسلام الحركات الدّينية في 1933: ألّفه مجموعة من المستشرقين باللغة الإنجليزية، وترجمه محمد عبد الهادي أبو ريدة، وهو يتناول الإسلام في إطار تاريخي يدرس حركة المسلمين في ذلك الوقت.[١١]
لقراءة المزيد، انظر هنا: بحث عن الاستشراق.
[[تصنيف:تعليم]
المراجع
- ↑ نجيب العقيقي، المستشرقون، مصر:دار المعارف، صفحة 7، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ زكريا هاشم زكريا، كتاب المستشرقون والإسلام، مصر:المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، صفحة 176. بتصرّف.
- ↑ محمد قطب، المستشرقون والإسلام، القاهرة:مكتبة وهبة، صفحة 7. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث إسلام عبد الله عبد الغني غانم، مناهج دراسة التّراث عند المستشرقين، صفحة 50. بتصرّف.
- ↑ علي حسن الخربوطلي، كتاب المستشرقون والتاريخ الإسلامي/، صفحة 123. بتصرّف.
- ↑ أمل عبيد عواض الثبيتي، السيرة النبوية في كتابات المستشرقين دراسة نقدية مقارنة، صفحة 132. بتصرّف.
- ↑ سورة الشرح، آية:1
- ↑ مجموعة من المؤلّفين بإشراف الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف، كتاب موسوعة الملل والأديان، صفحة 64، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المستشرقين، الثّقافة بين العروبة والإسلام مجموعة من المستشرقين، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المستشرقين، دراسات في العربيّة أصولها مراحلها التاريخية بنيتها لهجاتها علاقاتها بأخواتها الساميات، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المستشرقين، وجهة الإسلام الحركات الدّينية في 1933، صفحة 5. بتصرّف.