محتويات
كُتّاب الوحي
لقد كان للكتابة منزلتها وقدْرُها عند العرب حتى في العصر الجاهلي، ورغم ذلك كان الذين يعرفون القراءة والكتابة قِلَّةً قليلة، وذلك لعدم احتياجهم إليها في حياتهم اليوميَّة، ولمّا جاء الإسلام استطاع النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بفضل سياسته نشر التَّعليم حتى وصل عدد الكُتَّاب الذين كتبوا له ما يقارب الخمسين.[١]
كُتَّاب جمع كاتب، والكاتب عند العرب هو العالم، ومنه قوله تعالى: (أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ)،[٢][٣] وقد اتَّخذ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- كُتَّاباً للوحي، منهم من كان يكتب أحياناً، ومنهم من كان متفرِّغاً للكتابة ومتخصِّصاً لها، وكان هؤلاء الكُتّاب من خيرة الصَّحابة، وكانوا يكتبون على ما توفَّر عندهم من جريد النَّخل، والحجارة، وقِطع الجلد، والرِّقاع من الورق، والعظام، ثم يوضع المكتوب في بيت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-.[٤]
وقد اعتنى النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بكتابة القرآن الكريم كاعتنائه بحفظه؛ فلم يكتفِ بحفظه في صدور المسلمين، بل جمع مع ذلك حفظَه في السُّطور زيادةً في التَّوَثُّق والضَّبط والاجتهاد، وكلَّما نزل شيءٌ من القرآن الكريم أمر -عليه السَّلام- صحابته بكتابته، فيقول: (ضَعُوا هؤلاءِ الآياتِ في السورةِ التي يُذْكَرُ فيها كذا وكذا)،[٥] وذلك مبالغةً في الضَّبط والاحتياطِ لكتاب الله تعالى، ولم ينقضِ العهد النَّبويُّ إلا والقرآن مجموعٌ على هذا النَّمط.[٤]
عدد كتاب الوحي
اختلف أهل السِّيَر في تحديد عدد كُتَّاب الوحي، فمنهم من جعلهم ثلاثةَ عشر، ومنهم من جاوز بهم العشرين، وجعلهم ابن كثيرٍ ثلاثةً وعشرين كما في البداية والنِّهاية، وأورد أسماءهم وتراجمهم، حيث قال: أما كُتَّاب الوحي وغيره فمنهم الخلفاء الأربعة؛ أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، ثم ذكر: أبَّان بن سعيد بن العاص، وأُبَيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأرقم بن أبي الأرقم واسمه عبد مناف، وثابت بن قيس بن شماس، وحنظلة بن الرَّبيع، وخالد بن سعيد بن العاص، وخالد بن الوليد، والزُّبير بن العوام، وعبد الله بن أبي السَّرح، وعامر بن فَهِيرة، وعبد الله بن أرقم، وعبد الله بن زيد، والعلاء بن الحَضْرَميّ، ومحمد بن مَسْلَمة، ومعاوية بن أبي سفيان، والمُغيرة بن شُعبة رضي الله عنهم أجمعين.[٦]
أول من كتب الوحي
كان أوَّل من كتب الوحي في مكة من قريش الصحابيُّ عبد الله بن أبي سَرح، كما إنّ أوَّل من كتب الوحي بين يدي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في المدينة الصحابي أُبَيُّ بن كعب، وممَّن كتب له في الجملة الخلفاء الأربعة، والزُّبير بن العوَّام، وخالد وأبَّان ابنا سعيدٍ بن العاص، وحنظلةُ بن الرَّبيع، ومُعيقيب بن أبي فاطمة، وعبد الله بن الأرْقم، وشُرَحْبِيل بن حَسْنة، وعبد الله بن رَوَاحَة، وهذا يبيِّن لنا كثرة عدد من كتب للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.[٧]
كُتَّاب الوحي من الصحابة
منذ أن وصل النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلى المدينة أصبحت حِصنَ الإسلام ومنزل الوحي ومُستقرَّه، وقد عاونه أصحابه في إدارة الدَّولة، فتشكَّلت لكلِّ واحدٍ منهم وظيفتُه؛ فكان له عددٌ من الحُرَّاس، والحُجَّاب، والسُّفراء وغيرهم، كما كان له عددٌ من الكُتَّاب تجاوزوا الأربعين كاتباً، وتبعاً لذلك صاروا ذوي تخصُّصاتٍ مختلفة؛ فقد اختصَّ بعضُهم بكتابة الوحي، والبعض الآخر في الكتابة في الشُّؤون العامَّة للدَّولة.[٨]
وكان يكتب الوحي عليّ بن أبى طالب، وزيد بن ثابت، وأُبَيّ بن كعب، وعثمان بن عفَّان، وكان زيد بن ثابت -بالإضافة إلى كتابة الوحي- مترجمَ رسول الله -لَّى الله عليه وسلَّم؛ حيث كان يتقن لغاتٍ أخرى كالعبريَّة والفارسيَّة، كما كان يكتب للملوك والأمراء، وكان علي بن أبي طالب يكتب العهود وعقود الصُّلح، أما عن حوائج الناس فكان يكتبها المُغِيرة بن شُعبة، ويكتب المداينات في المجتمع عبد الله بن الأرقم، و مُعيقيب بن أبي فاطمة يسجِّل الغنائم، وعندما كان يغيب أيُّ كاتبٍ من هؤلاء كان يكتب حنظلة بن الرَّبيع عنه، لذا عُرف بالكاتب.[٩][١٠]
الكاتب بلام العهد
إن أشهر كُتَّاب الوحي، بل يُعتبر إمامهم وسيِّدهم هو زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، فقد ثبت في الحديث الصَّحيح عن البراء: (لَمَّا نَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُجَاهِدُونَ في سَبيلِ اللَّهِ}، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ادْعُ لي زَيْدًا ولْيَجِئْ باللَّوْحِ والدَّوَاةِ والكَتِفِ -أوِ الكَتِفِ والدَّوَاةِ- ثُمَّ قالَ: اكْتُبْ {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ}).[١١]
وفي الصَّحيح كذلك أن أبا بكرٍ وعمرَ -رضي الله عنهما- اختاراه لأشرف مهمَّة قد يقوم بها إنسان؛ وهي جمعُ القرآن الكريم وكتابته، قال زيد رضي الله عنه: قال أبو بكر: (إنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وقدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ).[١٢][١٣]
وقد قال ابن حَجَر -رحمه الله- أن أكثر من كتب الوحي في المدينة هو زيد بن ثابت، أما بمكة -أي ما نزل قبل الهجرة- كتبه كُتَّاب آخرون؛ لأن زيداً أسلم بعد الهجرة، ولكثرة تعاطيه مع الوحي وكتابته أُطلق عليه: "الكاتب بلام العهد"،[٧] كما خصَّه البخاريُّ في صحيحه بتسميته: "كاتب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم".[١٤]
ملخص المقال: حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على كتابة القرآن الكريم؛ لذلك عيّن عدداً من الصحابة لهذه المهمة العظيمة ومنهم زيد بن ثابت وأُبيّ بن كعب، وكانوا يكتبون على ما توفَّر عندهم من جريد النَّخل، والحجارة، وقِطع الجلد، والرِّقاع من الورق، والعظام.
المراجع
- ↑ مصطفى الأعظمي، كُتّاب النبي صلى الله عليه وسلم، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 9-11. بتصرّف.
- ↑ سورة الطور، آية: 41.
- ↑ ابن نظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، صفحة 699، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الله شحاته، علوم القرآن، القاهرة: دار غريب، صفحة 20-21. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في موافقة الخبر الخبر، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 1/44، حسن.
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، الجيزة: دار هجر، صفحة 321-356، جزء 8. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، بيروت: دار المعرفة، صفحة 22، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ مجموعة مؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 32-35، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الشافي عبد اللطيف، السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، القاهرة: دار السلام، صفحة 151. بتصرّف.
- ↑ محمود شاكر، التاريخ الإسلامي، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 356، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 4990، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 4986، صحيح.
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 441، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، بيروت: دار طوق النجاة، صفحة 184، جزء 6. بتصرّف.