محتويات
الحور العين
أعدّ الله سبحانه وتعالى للمحسنين جزاءَ إحسانهم جنّاتِ عدنٍ، فيها من النّعيم ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، وفي المقابل أعدّ للمسيئين والعصاة والفاسقين عذاباً أليماً في نار جهنّمَ. من ألوان النّعيم في الجنّة الحور العين اللّواتي يكنَّ زوجاتٍ لرجالٍ من أهل الجنّة، وقد جاء في وصفهنّ ما يخلب الألباب ويسحَر العقول والأفئدة، ويُذكر من ذلك على سبيل التّمثيل والاستشهاد قول أبي هريرة رضي الله عنه إذ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أوّلُ زمرةٍ تدخلُ الجنةَ على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ، والذين على إِثْرِهم كأشدِّ كوكبٍ إضاءةً، قلوبهم على قلبِ رجلٍ واحدٍ، لا اختلافَ بيينهم ولا تباغضَ، لكلِّ امرئٍ منهم زوجتانِ ، كلُّ واحدةٍ منهما يُرَى مخُّ ساقها من وراءِ لحمها من الحُسْنِ).[١]
إذا دخل أهل الجنّة إلى الجنّة، وعلم كلّ واحدٍ منهم منزله ومقامه، تلقّتهم الحور العين بالتّرحيب فرِحاتٍ مُستبشِراتٍ بقدومهم؛ حيث جاء في الحديث: ( ... وتتلقّاهُم الولدان المُخلّدون، يَطيفون بِهم كما تطيفُ ولدان أهلِ الدّنيا بالحميمِ إذا جاءَ مِن الغيبةِ، يقولونَ: أَبشِرْ، أعدّ الله لكَ كذا، وأعدّ لكَ كذا، فينطلق أحدُهم إلى زوجتِه، فيُبشّرُها بهِ، فيقولُ: قدمَ فلان باسمه الّذي كان يُسمّى بهِ في الدُّنيا، وقالَ: فيستخفّها الفرحُ حتّى تقوم على أسكفةِ بابِها، وتقولُ: أنتَ رأيتَهُ، أنتَ رأيتهُ؟ قالَ: فيقولُ: نعمْ، قالَ: فيجيءُ حتّى يأتيَ منزلَه، فإذا أصولُه من جندلِ اللّؤلؤ من بين أصفرَ وأحمرَ وأخضرَ، قالَ: فيدخلُ فإذا الأكوابُ موضوعةٌ، والنّمارقُ مصفوفةٌ، والزّرابيُّ مبثوثةٌ، قالَ: ثمّ يدخلُ إلى زوجته من الحورِ العينِ، فلولا أنّ اللهَ أعدّها له لالتمعَ بصرُه من نورِها وحُسنِها؛ قالَ: فاتّكأ عندَ ذلكَ، ويقولُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[٢] قالَ: فتناديهُمُ الملائكةُ: (أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[٢]).[٣]
معنى الحور العين
معنى الحور في اللّغة: الحورُ: مصدرها حوِرَ يَحوَر، حَوَراً، فهو أحوَرُ، وحوِرتِ العينُ: أي اشتدَّ بياضُها بياضاً، واشتدَّ سوادُها سواداً، واستدارت حدقتُها، ورقَّت جفونُها،[٤] والحُورُ: جمع حوراءَ، وهي التي يكون بياض عينها شديدَ البياض، وسوادها شديد السّواد، والعين: جمع عَيْناءَ، والعيناءُ هي واسعة العين.[٥] ومن المعاني السّابقة لِلفظتَي الحور والعين يتبيّن أنَّ المقصود بالحور: هنّ الّلواتي تتّصف أعينُهنَّ بشدّة بياضها، بالإضافة إلى شدّة السّواد، والعين: هنّ اللّواتي يتّصفن باتّساع العيون.
صفات الحور العين في القرآن الكريم
جاء التّصوير القرآنيّ غايةً في الإبهار والرّوعة في وصف خلقٍ من مخلوقات الله في الجنّة وهو الحور العين؛ حيث وصفهنّ الله في القرآن الكريم بعددٍ من الصفات، ذُكِرت في عدّة آياتٍ كريمةٍ، ومن تلك الآيات:
- قول الله عزَّ وجلّ في ذِكر جزاء أهل الجنّة من عباد الله الصالحين: (وَحُورٌ عِينٌ*كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)[٦] فقد ذكرت هذه الآية أنّ عيونهنّ كأنَّ فيها كحلاً، وأنَّ عيونهنَّ واسعةٌ جميلةٌ، ومعلومٌ أنّ اتّساع العيون من الأدلّة على جمال المرأة وحُسنِها.[٧]
- وصف الله عزَّ وجلّ الحور العين بالياقوت والمرجان؛ وذلك لشدّة البياض واللّمعان والنقاء الذي يتّصفن به، وذلك في قول الله عزَّ وجلّ في سورة الرّحمن: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)، [٨] ففي هذه الآية شبَّه الله عزَّ وجلّ شدّة جمال الحور العين بالياقوت؛ حيث الصّفاء، وشبّههنّ بالمرجان؛ حيث البياض والنّقاء.[٧]
- من الصّفات التي وصف الله عزّ وجلّ بها الحور العين أنّهنّ يختلفن عن نساء الدّنيا من حيث النشأة، وأنّهنّ لم يمسَّهُنّ أحدٌ من الإنس أو الجنّ، ولا يحملن ولا يلدن مثل نساء الدّنيا، وذلك في قول الله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً*فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا*عُرُبًا أَتْرَابًا)، [٩] ففي هذه الآية وصف الله الحور العين بأنّهنَّ أُنشِئن نشئةً مختلفةً عن نشأة نساء الدّنيا، ووصفهنَّ أيضاً بأنهنَّ لم يمسّهُنّ أحدٌ من الإنس أو الجنّ، فلم يلدن، ولم يحملن، ووصفهنَّ بأنّهنَّ متحبّباتٌ لأزواجهنّ، عاشقاتٌ لهم، عاشقون لهنَّ.[٧]
- وصف الله عزَّ وجلّ الحور العين بجمعهنّ المحاسنَ، وذلك في قول الله عزَّ وجلَّ في وصفهنّ أيضاً: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ)،[١٠] أي أنّهنّ جامعاتُ المحاسن ظاهراً وباطناً، خيِّرات الأخلاق، حسناتِ الوجوه.[١١]
- وصف الله عزَّ وجلّ الحور العين بالطّهارة، وذلك في قوله عزَّ وجلّ: (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،[١٢] فقد وصف الله الحور العين هنا بالطّهارة من الأحوال والأمور المستقذرة كلّها التي تمرّ بها نساء الدّنيا من حيضٍ، ونفاسٍ، وبولٍ، وغائطٍ، وغيره، وهنَّ كذلك طاهراتٌ في بواطنهنّ من الغيرة، وأذى الأزواج.[١١]
- وصف الله عزَّ وجلّ الحور العينَ بأنّهنّ لا يخرُجنَ من بيوتهنّ ولا يتبرّجن إلّا لأزواجهنّ؛ حيث قال الله عزَّ وجلَّ: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)،[١٣] أي أنّهنَّ : لا يتبرّجن، ولا يتزيّنّ إلّا لأزواجهنّ، ولا يخرجن من بيوتهنّ.[١١]
صفات الحور العين في السنّة النبويّة
ورد في السنّة النبوية عددٌ من الأحاديث في وصف الحور العين، منها:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أوّلُ زمرةٍ تدخلُ الجنةَ على صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ، والذين على إِثْرِهم كأشدِّ كوكبٍ إضاءةً، قلوبهم على قلبِ رجلٍ واحدٍ، لا اختلافَ بيينهم ولا تباغضَ، لكلِّ امرئٍ منهم زوجتانِ ، كلُّ واحدةٍ منهما يُرَى مخُّ ساقها من وراءِ لحمها من الحُسْنِ)،[١] وفي هذا الحديث وُصِفت الحور العين بأنّ أمخاخ سيقانهنّ تُرى من وراء العظم؛ وذلك من شدّة الحُسن والجمال.
- عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لو أنّ امرأةً من نساءِ أهلِ الجنّةِ اطَّلعَتْ إلى الأرضِ، لأضاءَتْ ما بينَهما، ولملأَتْ ما بينَهما رِيحًا)،[١٤] ذكر هذا الحديث وصفاً للحور العين، بأنهنّ من شدّة جمالهنّ إذا اطّلعت إحداهنّ على الأرض لأضاءت ما بينهما .
أقوالٌ في صفات الحور العين
رُوِيَ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قوله في وصف خَلقِ الحور العين: (خلقَ الحور العين من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب؛ أي الأبيض، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور، إذا أقبلت يتلألأ نورُ وجهها كما يتلألأ نور الشّمس لأهل الدّنيا).[١٥]
إضافةً إلى ما سبق فقد أبدع ابن القيّم رحمه الله في وصف الحور العين؛ فقال في قصيدته:[١٦]
- فاسمعْ صفاتِ عرائسِ الجنّات
- ثمَّ اخترْ لنفسكَ يا أخا العرفان
- حور حِسان قدْ كملنَ خلائِقاً
- ومحاسِناً من أجمل النّسوانِ
- حتّى يحارُ الطَّرف في الحُسنِ الذي
- قدْ أُلبست فالطّرفُ كالحيرانِ
- ويقولُ لمّا أن يشاهدَ حُسنَها
- سبحان مُعطي الحُسن والإحسان
- والطّرف يشرب من كؤوسِ جمالها
- فتراهُ مثلَ الشارب النّشوان
- كملت خلائِقُها وأُكمل حسنُها
- كالبدرِ ليلَ الستّ بعد ثمانِ
- والشّمسُ تجري في محاسنِ وجهِها
- واللّيلُ تحتَ ذوائب الأغصانِ
- فتراهُ يعجبُ وهوَ موضعُ ذلكَ من
- ليلٍ وشمسٍ كيفَ يجتمعانِ
- فيقولُ سبحانَ الذي ذا صنَعه
- سبحانَ متقنِ صنعةِ الإنسانِ
المراجع
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3081.
- ^ أ ب سورة الأعراف، آية: 43.
- ↑ رواه الطبري، في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 20/267، إسناده صحيح.
- ↑ أحمد مختار عبد الحميد عمر (2008)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، بيروت: عالم الكتب، صفحة 578، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر (1998)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، عمان - الأردن: دار النفائس، صفحة 246-247. بتصرّف.
- ↑ سورة الواقعة، آية: 22-23.
- ^ أ ب ت عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (2000)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (الطبعة الأولى)، سورية: مؤسسة الرسالة، صفحة 830-836. بتصرّف.
- ↑ سورة الرحمن، آية: 58.
- ↑ سورة الواقعة، آية: 35-37.
- ↑ سورة الرحمن، آية: 70.
- ^ أ ب ت ابن القيم (1983)، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 242-244. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 25.
- ↑ سورة الرحمن، آية: 72.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2643، صحيح.
- ↑ إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي، روح البيان، بيروت: دار الفكر، صفحة 84. بتصرّف.
- ↑ ابن قيم الجوزية (1417هـ)، متن القصيدة النونية (الطبعة الثانية)، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، صفحة 334.