محتويات
المذهب الأشعري
المذهب الأشعري هو أحد المذاهب العقائدية، ويُقال لمن يتبنى المذهب الأشعري ويلتزم به بالأشاعرة وهم إحدى الفرق الإسلامية من المشتغلين بعلم الكلام والعقيدة، ولذلك فعندما يتمّ الحديث عن المذهب الأشعري فإنّ المسائل العقدية هي التي تُطرح للتعريف بهذا المذهب حيث إنّه يعتمد على البراهين والدلائل العقلية والكلامية في إثبات الحجة وبيان الدليل القاطع وخصوصًا عند مناظرة المعتزلة والفلاسفة لدحض الشُبه وإظهار الأخطاء، وهذه الطريقة في إثبات حقائق الدين الإسلامي والعقيدة ترجع إلى ابن كلاب، وقد حظي المذهب الأشعري تاريخيًا بالعناية من الخلفاء ورؤوس الدولة أمثال نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم، وقد ساعدت المدارس الإسلامية في انتشار المذهب الأشعري مثل مدرسة نيسابور النظامية ومدرسة بغداد النظامية التي كانت تعد أكبر جامعة إسلامية في وقتها، كما أنّ كثير من علماء المذهبين الفقهيين المالكي والشافعي قد اعتمدوا على المذهب الأشعري، أمّا عن مؤسس هذا المذهب فهو أبو الحسن الأشعري وسيكون هذا المقال للحديث عن حياته ومؤلفاته.[١]
من هو أبو الحسن الأشعري
أبو الحسن الأشعري هو الذي يُنسب إليه المذهب الأشعري، وهو من الأئمة المشهورين حيث ذكر ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان أنّ شهرة أبي الحسن الأشعري تُغني عن الإطالة في التعريف به، كما ذكر أنّه صاحب الأصول والقائم بنصرة مذهب السنّة،[٢] وقد اختلف العلماء في المذهب الفقهي لأبي الحسن الأشعري حيث قال البعض أنّه كان شافعي المذهب في حين ذكر آخرون انتماء أبي الحسن للمذهب المالكي، وقد نُقل عن أبي إسحاق الإسفراييني قوله: "دخل أبو الحسن الأشعري العراق وكان يقرأ على أبي إسحاق المروزي الفقه وهو يقرأ على أبي الحسن الكلام، وزعم بعض المالكية أنّه كان مالكيًا، ولم يُصب، فإنّ الذي حكاه من يخبر حاله أنّه كان شافعيًا،" أمّا عن مذهبه العقدي فقد حكا غير واحدٍ من العلماء أنّه كان معتزليًا في البداية ثم رجع عن اعتزاله، وقد قال الإمام أبو محمد الجويني: "أوّل أمره كان الاعتزال، ثمّ لمّا ظهر له فساد أقوالهم رجع عن واحدٍ فواحد حتّى خالفهم في أكثر ما اعتقدوه".[٣]
وممّا يؤيد قول أهل العلم في رجوع أبي الحسن عن مذهب المعتزلة ما ذكره ابن خلكان أنّ أبا الحسن أعلن توبته من الاعتزال يوم الجمعة في المسجد الجامع في البصرة، حيث صعد على كرسي ونادى بأعلى صوته قائلًا: "من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا تراه الأبصار وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع، معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم"، وقد كان لأبي الحسن الكثير من الكتب والمؤلفات كثير منها كان في الرد على المعتزلة والجهمية وغيرهم من الفرق الكلامية.[٢]
مولد ونشأة أبي الحسن الأشعري
ترجم الإمام الذهبي لأبي الحسن الأشعري فقال في اسمه ونسبه: "علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى ابن أمير البصرة بلال بن أبي بردة ابن صاحب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أبي موسى عبد الله بن قيس بن حضار الأشعري، اليماني، البصري"، أمّا عن ولادته فقد كانت في البصرة سنة 260 للهجرة وقيل سنة 270، وقد أخذ أبو الحسن العلم عن أبي خليفة الجمحي وأبي علي الجبائي وزكريا الساجي وغيرهم من العلماء، كما أخذ عنه العلم الكثير من الأئمة منهم أبو الحسن الباهلي وأبو الحسن الكرماني وبُندار بن الحسين الشيرازي وغيرهم كثير، وقد نقل عن صفاته ما ينبأ بما لأبي الحسن من الصفات الحميدة والأخلاق الرفيعة فقد كان حادّ الفهم خارق الذكاء ذا علمٍ جم وكان إلى جانب هذا صاحب دعابة ومزاح.[٤]
نشأ أبو الحسن الأشعري في البصرة وقد توفي والده وهو صغير، وكان والده من أهل العلم وأوصى زكريا الساجي قبل وفاته بابنه أبي الحسن، وقد عاش مع والدته وزوحها وهو أبو علي الجبائي حيث كان أحد شيوخ المعتزلة وهذا ما يُفسر انتماء أبي الحسن للمعتزلة في بداياته فقد كان يتعلّم على يديّ الجبائي، كما اتصفّ الأشعري بالإقدام والقدرة على إفحام الخصوم في المناظرات والمحاججات، فكان ينوب عن الجبائي في ذلك وقد بقي على اعتزاله مدّة تزيد عن الثلاثين عامًا إلى أن غيّر موقفه وعاد عن اعتزاله، وقد عاش أبو الحسن عيشة العلماء حيث اتصّف بالزهد والرضا والقناعة ولم يكن يقف على أبواب السلاطين طلبًا للعطاء والشهرة.[٥]
حياة أبي الحسن الأشعري
عند الحديث عن حياة أبي الحسن الأشعري لا بدّ من التفصيل في الحياة الفكرية له، خصوصًا وأنّ أبا الحسن قد مرّ بعدّة أطوار؛ فالطور الأول وهو انتماؤه للمعتزلة عندما كان يعيش في كنف الجنابي ويتلقّى علومه كما تمّ بيانه، وقد كان مصنّفًا كزعيم للمعتزلة في تلك المرحلة أمّا الطور الثاني فهي مرحلة الثورة على مذهب الاعتزال ولكنّ هذه الثورة وهذا الانقلاب الفكري والعقدي لم يكن اعتباطًا حيث اعتزل أبو الحسن في بيته خمسة عشر يومًا وكان في هذه المدّة يدرس ويفكّر ويستخير الله -عزّ وجلّ- حتى هدأت نفسه واطمأنت وقرر التبرؤ من المعتزلة وأعلن ذلك صراحةً، وقد عمد في هذه المرحلة إلى وضع أصول منهجه ومذهبه العقدي الجديد؛ والذي يقوم على تأويل النصوص بما يتوافق مع أحكام العقل.[١]
وفي هذا اتباع لطريقة ابن كلاب في إثبات الصفات السبع لله تعالى، وهي: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، أمّا الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فيُلجأ فيها إلى التأويل بما يتماشى مع الأحكام العقلية للقائلين بهذا القول وهو المعتمد في المذهب الأشعري وأصل العقيدة الأشعرية في مسألة تأويل الصفات، أمّا الطور الثالث واعتقاد أبي الحسن في هذه المرحلة هو الاعتقاد الذي بقي عليه حتّى وفاته فهو إثبات الصفات جميعها لله تعالى من غير تكييفٍ ولا تشبيهٍ ولا تعطيلٍ ولا تحريفٍ ولا تبديلٍ ولا تمثيل، وقد كتب أبو الحسن في هذه المرحلة كتابه المسمّى "الإبانة عن أصول الديانة" حيث بيّن في هذا الكتاب تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم، حيث كان الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- هو حامل لواء هذه العقيدة.[١]
مؤلفات أبي الحسن الأشعري
إنّ لأبي الحسن الأشعري الكثير من المؤلفات والمصنفات وقد جمع الحافظ ابن عساكر ترجمة لأبي الحسن الأشعري وذكر فيها مصنفاته، وردّ في كتابه الذي سمّاه "تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري" على من تعرّض لأبي الحسن بالطعن وذكر فضائله وبيّن مناصرته للسنّة ودفاعه عنها من خلال كتبه،[٦] وقد أوصل ابن عساكر عدد مؤلفات أبي الحسن الأشعري إلى أكثر من ثلاثمئة مؤلف، في حين أوصلها ابن تيمية إلى ثلاثمئة وثمانين مؤلفًا،[٧] وقد ذكر ابن الصلاح في طبقاته أنّ عدد مصنفات أبي الحسن هو خمسةٌ وخمسون تصنيفًا ناقلًا قوله هذا عن ابن حزم،[٦] كما قال آخرون بأنّ مؤلفاته تزيد عن المئة مؤلف من أهمها كتابه المسمّى "مقالات الإسلاميين".[٨]
وقد ذكر أبو الحسن الأشعري بعضًا من كتبه ومؤلفاته في كتابه المسمّى "العمد في الرؤية"، ومن هذه الكتب: "الفصول في الرد على الملحدين"، "الموجز"، "خلق الأعمال"، "إيضاح البرهان"، "جمل مقالات الملحدين"، "الرد على المجسمّة"، "أدب الجدل"، "تفسير القرآن"، "النوادر في دقائق الكلام"، إلى غير ذلك من الكتب والرسائل،[٤] وفيما يأتي تعريف بكتابين من كتب أبي الحسن الأشعري المطبوعة:
- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: تناول أبو الحسن في هذا الكتب الفرق الإسلامية الرئيسة وهو من أهم كتبه وأشهرها وقد أثنى عليه ابن تيمية.[٩]
- اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع: لكتاب اللمع قيمة علمية كبيرة فمن خلاله تمّت دراسة آراء أبي الحسن العقدية وردّ فيه على المعتزلة وبيّن أصول اعتقاده، كما قام الباقلّاني بشرحه.[١٠]
وفاة أبي الحسن الأشعري
اختلف أهل التاريخ والتراجم في تحديد السنة التي توفي فيها الإمام أبو الحسن الأشعري، حيث نقل الخطيب البغدادي عن البصريين أنّ أبا الحسن توفي سنة نيّف وثلاثين وثلاثمئة في حين نقل آخرون أنّه توفي ما بين العشرين والثلاثين والثلاثمئة للهجرة، فيما جزم ابن حزم الظاهري أنّ أبا الحسن قد توفي سنة أربعٍ وعشرين وثلاثمئة للهجرة، ومات في بغداد ودُفن في مشرعة الزوايا وكان بجانب المقبرة التي دُفن فيها مسجد، وهي قريبة من سوق دجلة آنذاك،[٤] وقد نقل ابن كثير في ترجمته لأبي الحسن عن زاهر بن أحمد، قال: "لمّا حضر أبو الحسن الأشعري في داري ببغداد أتيته، فقال: اشهد علي، أنّي لا أكفّر أحدًا من أهل هذه القبلة؛ لأنّ الكل يشيرون إلى معبودٍ واحد، وهذا كلّه لاختلاف العبارات".[١١]
المراجع
- ^ أ ب ت "الأشاعرة"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ^ أ ب "كتاب وفيات الأعيان"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ "كتاب طبقات الفقهاء الشافعية"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "كتاب سير أعلام النبلاء "، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ عبد الواحد جهداني، الإمام أبو الحسن الأشعري ومؤلفاته، لبنان-بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 7. بتصرّف.
- ^ أ ب "كتاب طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ صالح بن مقبل بن عبد الله العصيمي التميمي، الإمام الأشعري حياته وأطواره العقدية، صفحة 260. بتصرّف.
- ↑ "كتاب موسوعة الأعلام"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ صالح بن مقبل بن عبد الله العصيمي التميمي، الإمام الأشعري حياته وأطواره العقدية، صفحة 263. بتصرّف.
- ↑ صالح بن مقبل بن عبد الله العصيمي التميمي، الإمام الأشعري حياته وأطواره العقدية، صفحة 277. بتصرّف.
- ↑ "كتاب طبقات الشافعيين"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.