الأنبياء والرسل
بعث الله أنبياءه ورسله لبني آدم على مرّ الزمان، فكلّما تاه البشر عن طريق الحق وأشركوا بالله أرسل لهم رسولًا يدعوهم لعبادة الله ويبيّن لهم أصول الدين الحقّ، وما كان بعث الرسل والأنبياء إلّا رحمةً من الله بعباده فقد قال -تعالى- في محكم كتابه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[١]، وحتى يكون الأنبياء والرسل حجةً عليهم يوم القيامة فمن آمن بهم وصدّقهم واتّبع تعاليمهم كانت له الجنة، وأمّا من كذّبهم واشرك بالله كانت له جهنّم خالدًا فيها، فقد أرسل الله الكثير من الأنبياء والرسل بعد آدم -عليه السلام-، وسيجيب هذا المقال عن سؤال من هو أول الرسل بعد آدم -عليه السلام-.[٢]
آدم -عليه السلام-
خلق الله -عزّ وجلّ- آدم من طين ثم نفخ فيه الروح وخلق من ضلعه زوجته حواء -عليهما السلام-، وعلّمه -جلّ وعلا- كل الأسماء ثمّ أمر الملائكة بالسجود له فسجدوا إلّا ابليس استكبر وعلا وأبى أن يسجد لآدم، فغضب الله عليه وجعل جهنّم مثواه ولكنّه أمهله إلى يوم القيامة حتى يدخلها، قال -تعالى- { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[٣]، وأسكن الله تعالى آدم وزوجته الجنّة يأكلا ما لذّ لهما من ثمارها، إلّا شجرةً واحدةً منعهما من الاقتراب منها، ولأنّ ابليس توعد لهما ولبني البشر جميعًا شرًا وسوس لهما وأكلا منها، فغضب الله عليهما وأخرجهما من الجنّة وأسكنهما الأرض هما وذريتهما وجعل إبليس معهما فيها إلى يوم القيامة، فقد قال -عزّ وجلّ- { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ}[٤]. ثمّ استغفر آدم -عليه السلام- من ربه فتاب الله عليه. [٥]
وهبط هو وزوجته وإبليس إلى الأرض، وعاش حياته عليها وأنجب من ذريته الكثير وكان يرشدهم ويعلمهم الصواب ويخبرهم أنّ مكوثه على الأرض مؤقتٌ وأنّه عقابٌ من الله -جلّ وعلا-، ولأنّ إبليس توعد ألّا يسكن النار وحده بل يأخذ معه من استطاع من بني آدم، كان دائم الوسوسة لهم يضلّهم ويبعدهم عن الحق، وبعد وفاة آدم -عليه السلام- عمّ الفساد في الأرض وانتشر الكفر والعصيان، فأرسل الله -تعالى- رسولًا من بني البشر أوحى إليه لهداية بني آدم إلى سُبل النجاة، فمن هو أول الرسل بعد آدم؟.[٥]
من هو أول الرسل بعد آدم
جاءت الإجابة صريحةً على سؤال من هو أول الرسل بعد آدم في حديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عن الشفاعة، إذ يذهب البشر يوم القيامة للأنبياء والرسل ليشفعوا لهم عند الله -جلّ وعلا-، فقد جاء في نص الحديث الشريف عن النبيّ الكريم أنّه قال: "فَيَأْتُونَ نُوحًا، فيَقولونَ: يا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلى أَهْلِ الأرْضِ، وسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَما تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ"[٦]، وقد كان هذا الحديث دليل أهل العلم بأنّ نوحًا -عليه السلام- هو أول الرسل بعد آدم -عليه السلام-.[٧]
بعد وفاة آدم -عليه السلام- انتشر الشرك وعبادة الأصنام بين الناس، فبعث الله نبيّه نوحًا مبشرًا ونذيرا، إلّا أن قومه كذّبوه وكفروا به إلّا قليلًا منهم، قال -تعالى- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}[٨]، ولكنّ نوحًا -عليه السلام- لم يملّ واستمر في دعوته إلى أن دعاهم قرابة الألف سنة، وعندما همّ بنو قومه بقتله هو ومن معه دعا نوحٌ ربه بأنّ ينجيه من القوم الكافرين وأن يهلكهم جميعًا، قال -جلّ وعلا- { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[٩]، فأمره الله بصنع سفينة كبيرة يحمل عليها كلّ من آمن معه ومن كل الحيوانات زوجين، وذلك لأنّ طوفانًا عظيمًا سيصيب الأرض ويهلك كل من كان كافرًا ولن يُنجي الله إلّا من ركب تلك السفينة.[١٠]
ففعل نوحٌ ما أمره الله به وصنع السفينة وكان يلقى من الكافرين السخرية بما يصنع، قال -تعالى- {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}[١١]، ثمّ لمّا انتهى نوحٌ -عليه السلام- فجّر الله عيون الينابيع في الأرض وأفاض الأنهار وأرسل من السماء الغمام يُمطر، فحمل نوحٌ معه في السفينة أهله وزوجاته إلّا من كفر به وهم إبنٌ له وزوجة، وحمل معه كلّ من أسلم وآمن بالله وكان عددهم قليل، وحمل معه ما أُمر من الحيوانات والطيور وذلك لحفظ نسلها، وقد قال -تعالى- في محكم كتابه {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[١٢]، ثم بعد أن طافت الأرض وفاضت وهلك كلّ من في الأرض إلّا من صعد السفينة، أمر الله -تعالى- الأرض بأن تبتلع ماءها وأمر السماء أن توقف مطرها، فرست السفينة على جبل الجودي وهو في منطقة الموصل في العراق، قال -تعالى- {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }[١٣]، ثمّ هبط نوحٌ منها هو ومن آمن معه محاطًا ببركة الله ورحمته وانتصر دين الله الحق وعمّ السلام في الأرض، والله -تعالى- أعلم.
المراجع
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 107.
- ↑ "كتاب: مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 09-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 34.
- ↑ سورة البقرة، آية: 36.
- ^ أ ب "قصة آدم في القرآن"، www.wikiwand.com/ar، اطّلع عليه بتاريخ 09-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3340 ، صحيح.
- ↑ "نوح عليه السلام رسول إلى أهل الأرض في زمنه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 09-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية: 25-27.
- ↑ سورة نوح، آية: 26.
- ↑ "نوح عليه السلام"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 09-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية: 38.
- ↑ سورة هود، آية: 40.
- ↑ سورة هود، آية: 44.