من هو ابن قتيبة

كتابة:
من هو ابن قتيبة

النقاد العرب

اتّصل مفهوم النقد بالأدب اتصالًا وثيقًا بحيث لا يكاد ينفصل أحدهما عن الآخر رغم اختلاف ماهية كل منهما ووظيفته، فقد كان النقد بمثابة المقوم الأول للعملية الأدبية، وقد دأب النقاد العرب القدماء في ذلك على توجيه الملاحظات الانطباعية الأولى للأدباء في الأسواق الثقافية ومجالس الشعر والأدب، بشكل مباشر وموجز غير متبع بالتفصيلات والتسويغات المنهجية، ويتضمن أحكامًا جزئية وتعميمات و مبالغات كثير[١]، وقد التفتت أعين النقاد الثاقبة إلى جزئيات متفرقة من النص الأدبي، فمنهم من اكتفى بالنظر في الصياغة والتركيب ومنهم من لفته المعنى عن غيره، ومنهم من تتبع الصدق أو الكذب فيه ومنهم من تتبع الصحة والخطأ كذلك، ولعل من أبرز هؤلاء النقاد: قدامة بن جعفر وابن رشيق القيرواني وعبد القاهر الجرجاني وابن قتيبة.

ابن قتيبة الدينوري

هو أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري، وهو نحوي لغوي، ولد بالكوفة وولي قضاء الدينور، وتوفي في بغداد سنة276 هـ، تتلمذ منذ نعومة أضفاره على أئمة اللغة والأدب، وأثمر علمه وتعليمه عن تصانيف كثيرة تناولت معارف أهل زمانه وقد حذا فيها حذو المبرزين من معاصريه أمثال الجاحظ، ولم تكن اهتماماته المعرفية حصيرة نطاقها الأدبي وحسب، فقد كان من المدافعين عن السنة والكتاب ضد النزعات الفلسفية والتيارات الفكرية التي عرفت في عصره، لذلك فقد تعرض للاتهام بالزندقة والانحراف عن الطريق القويم[٢]، ولعلّ أكثر ما أكسب ابن قتيبة شهرة واسعة هي قضايا النقد العربي القديم التي أرساها في كتابيه: الشعر والشعراء، وأدب الكاتب، لاسيما فيما يتعلق بقضية اللفظ والمعنى التي أثيرت في عصره، حيث انقسم النقاد فيها إلى قسمين: أحدهما يرى الإبداع متحقق في جودة السبل واللغة وتنميق المعاني في الألفاظ الحسنة، وبعضهم يرى الإبداع في اختلاق المعاني والمبادرة إليها، إلا أن ابن قتيبة قد قام بمعالجة القضية من خلال ما أشار إليه من ظروف التراكيب حيث قسم الشعر إلى أربعة أضرب:

  • ما حَسُنَ لفظه ومعناه.
  • ما ساءَ لفظه ومعناه.
  • ما حَسُنَ لفظه دون معناه.
  • ما ساءَ لفظه دون معناه.

شيوخ ابن قتيبة وتلاميذه

تتلمذ ابن قتيبة على كثير من أئمّة العلم والأدب، فجمع في شخصه زبدة ما لديهم من مختلف العلوم المتعلقة باللغة والأدب والحديث والأخبار، وقد قال في ذلك عن نفسه: "وقد كنت في عنفوان الشباب وتطلب الآداب أحب أن أتعلق من كل علم بسبب وأن أضرب فيه بسهم"، ويعد إسحاق بن راهويه ومحمد بن زياد الزيادي، وأبي حاتم السجستاني، وأبي الفضل العباس بن الفرج الرياشي، والجاحظ، بالإضافة إلى والده مسلم[٢]، وقد شكل ابن قتيبة بفضل تتلمذه على هؤلاء الشيوخ في مختلف ثقافاتهم وتخصصاتهم العلمية موسوعة معرفية متكاملة، هيأته ليكون ناقدًا بارزًا، ذا معرفة عميقة ونظر ثاقب.

وقد تهافت التلاميذ على ابن قتيبة ينهلون من علمه الغزير و ويملأون جعبتهم بما يقدمه لهم من ألوان المعرفة المختلفة، ولعل من أبرز تلاميذه: ابنه القاضي أبو جعفر أحمد بن قتيبة، وأبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه، وعبيد الله بن عبد الرحمن السكري وغيرهم[٣]، وقد حمل كل هؤلاء علمهم ومعرفتهم لمن بعدهم لتبقى مسيرة العلم خالدة.

مؤلفات ابن قتيبة

كما أورث ابن قتيبة تلاميذه علمه، فقد خلف وراءه الكثير من المصنفات والمؤلفات العلمية والأدبية والنقدية، وقد شكلت بمجملها مكتبة شاملة تزخر بالكثير من العلوم والمعارف، ولعل من أبرز هذه المؤلفات:

  • تأويل مختلف الحديث: وهو كتاب مخصص في دراسة الأحاديث التي وردت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واختلف في تفسيرها وتأويلها.[٤]
  • أدب الكاتب: وهو كتاب أدبي مخصص لفئة الأدباء من القراء، إذ يحرص فيه على تعليم شروط الكتابة وقواعدها بغية الرقي بالكتابات الإبداعية والنهوض بها.[٥]
  • المعارف: ويبدو موضوع هذا الكتاب من عنوانه فهو شامل لجميع ألوان المعرفة من قصص الأنبياء وذرياتهم وأصل الخلق وفيه ذكر لأنساب العرب وعمائر الأرض.[٦]
  • المعاني: وفي هذا الكتاب قام ابن قتيبة بجمع أشعار العرب وتصنيفها وفقًا لموضوعاتها ومعانيها، ويفسر من خلالها كثيرًا من ألفاظ العربية التي عجزت معاجم اللغة عن تبيانها.[٧]
  • عيون الأخبار: وهو كتاب مؤنس للقارئ عمد ابن قتيبة فيه لاتباع منهج جديد يكون لطيفًا ولا يشعر القارئ بالضجر والملل، وتناول فيه أخبار الزهاد وأخبار السلاطين وآداب الحرب ومكائدها، وكثيرًا من طرائف العرب ونوادرهم.[٨]
  • الشعر والشعراء: وهو أشبه بمعجم للشعراء، إلا أن ابن قتيبة قد اقتصر فيه على عرض المشاهير من الشعراء الذين يحتج باقوالهم وقصائدهم في اللغة والنحو، وقد ترجم لكل شاعر منهم وأورد أشعاره وقصائده، وقد حرص على ترتيب الشعراء فيه ترتيبًا زمنيًا بدءًا من العصر الجاهلي.[٧]
  • الإمامة والسياسة: اختلف الدارسون في نسبة هذا الكتاب لابن قتيبة إلا أن صياغته وطريقة عرضه للبيانات تشهد بنسبته إليه، وقد تناول فيه ابن قتيبة أبرز أخبار الخلفاء، والخلافات التي دارت في فترة حكمهم وخلافتهم.[٩]
  • الرد على الشعوبية: وتفرغ في أبوابه للرد على الشعوبية والزنادقة والخارجين عن الدين، وقد اتبع في سبيل ذلك مناهج قائمة على البراهين والعلل.[١٠]
  • الاشتقاق: وعرض ابن قتيبة من خلال هذا الكتاب لخاصية الاشتقاق التي تمتاز بها اللغة العربية عن غيرها، وتناول فيها المفردات واشتقاقاتها واختلاف معانيها تبعًا لذلك وصنفها تبعًا لدلالاتها كاشتقاق أسماء الأمكنة.[١١]
  • تفسير غريب القرآن: وقد عمد فيه ابن قتيبة لتفسير المفردات والتراكيب وتوضيحها وتجنب ما فعله المفسرون من قبله من إيراد الأسانيد وسوق الأحاديث والتعقيب بالنحو والصرف، وقد كان مرجعًا ومصدرًا غنيًا لمن بعده، إذ عمد من جاء بعده لاختصاره وتلخيصه.[١٢]

رأي العلماء في ابن قتيبة

على الرّغم مما تعرض له ابن قتيبة من اتهامات بالزندقة والكفر نظرًا لتحديه للشعوبيين والزنادقة ورده عليهم، إلا أن أهل العلم والإسلام قد وقفوا وتصدوا لهم وأثبتو علمه وتقواه، وكان من جملة أقوالهم فيه:[١٣]

  • قال عنه الخطيب البغدادي: كان ثقة دينًا فاضلًا.
  • وقال عنه أبو محمد ابن حزم: ثقة في دينه وعلمه.
  • وقال الحافظ أبو طاهر السلفي: ابن قتيبة من الثقات وأهل السنة.
  • وقال عنه الحافظ الذهبي: الإمام العالم وهو وعاء من أوعية العلم.
  • وقال عنه ابن تيمية شيخ الإسلام: هو من أهل السنة وهو خطيب أهل السنة كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة.

المراجع

  1. حياة عمارة (د.ت)، برنامج مقياس النقد العربي القديم (الطبعة الأولى)، الجزائر: وزارة التعليم العالي، صفحة 2. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ابن قتيبة (1988)، أدب الكاتب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 5. بتصرّف.
  3. "أبو محمد بن قتيبة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019.
  4. ابن قتيبة (1999)، تأويل مختلف الحديث (الطبعة الثانية)، بيروت: المكتب الإسلامي، صفحة 29. بتصرّف.
  5. ابن قتيبة (1988)، أدب الكاتب (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 7. بتصرّف.
  6. ابن قتيبة (د.ت)، المعارف (الطبعة الرابعة)، مصر: دار المعارف، صفحة 1. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ابن قتيبة (1984)، كتاب المعاني الكبير في أبيات المعاني (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة ح، جزء 1. بتصرّف.
  8. "عيون الأخبار"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
  9. "كتاب الإمامة والسياسة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
  10. كاظم حطيط (1990)، ابن قتيبة في العقيدة الإسلامية (الطبعة الأولى)، لبنان: الشركة العالمية للكتاب، صفحة 30. بتصرّف.
  11. "الاشتقاق من أسماء الأمكنة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
  12. "أبو محمد بن قتيبة"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2019. بتصرّف.
  13. علي بن نفيع العلياني (1991)، عقيدة لإمام ابن قتيبة (الطبعة الأولى)، السعودية: مطبعة الصديق، صفحة 18.
5342 مشاهدة
للأعلى للسفل
×