الإغريق
كلمة أطلقها العرب على سكّان الحضارة التي سكن أهلها بلاد اليونان قديمًا، وهي أولى الحضارات، وتسمى أمّ الحضارات في أوربا، والتي شهدت طورًا كبيرًا في مختلف المجالات العلمية والعمرانية والفنية، ولاسيما في مدن أثينا وإسبرطة وطيبة اليونانية، وقد اعتمد الإغريق مبدأ الحرية والديموقراطية الفكرية دون أن يلغوا مبدأ الرّق والعبودية، وقاموا بنقل الأبجدية من الفينيقيين في الشام، وينقسم الإغريق من حيث الأصل إلى أربعة قبائل هم الأيونيون والدوريون والإينوليون والآخيون، وقد توسعت رقعة سيطرة الإغريق لتشمل أجزاء كبيرة من أسيا شرقًا وإيطاليا وجنوى وجزيرة صقلية غربا، وكان ذلك في عهد واحد من أبرز قادتهم العسكريين، وهو الإسكندر الأكبر.[١]
من هو الإسكندر الأكبر
له أسماء وألقاب كثيرة؛ لكن أكثرها تداولًا هو اسم الإسكندر الأكبر والإسكندر ذو القرنين، ولد عام 356 قبل الميلاد على زعم أغلب المصادر التاريخية، ونشأ في كنف والده الملك فيليب الثاني المقدوني، وقد تأسس فكريًا على يد الفيلسوف الإغريقي الشهير أرسطو، وأظهر خلال طفولته وأوائل شبابه نبوغًا كبيرًا وفطنةً وشجاعةً جعلت الكثير من الأقوال تدور حوله جعلته في مستوى أرقى من مستوى البشر العاديين وصل بعضها للقول بأنه من سلالة الإله زيوس اليوناني، ثم خلف والده في الحكم، وبدأ بحملاته العسكرية التي سيطر خلالها على أراضي واسعة من أوروبا وآسيا جعلت إمبراطوريته أعظم إمبراطوريات العالم القديم.[٢]
حملات الإسكندر الأكبر العسكرية
حين أنهى الإسكندر الأكبر تعليمه وفي سن 16 من عمره كان والده فيليب منشغلًا بحملاته العسكرية، وقد ترك إدارة شؤون مقدونيا في تلك الفترة لابنه الشاب لما وجد عنده من الشجاعة وحسن التصرف والتدبير، وقد ثارت بعض القبائل المديّة مستغلة صغر سنه ففاجأهم بإخماد الثورة؛ حيث أعاد السيطرة بشكل سريع على الأمور، وفي السنوات الثلاث التالية كان الإسكندر الكبر عونا لأبيه في قيادة الجيوش وإخماد الثورات المتتالية التي نشبت في بلاد اليونان، وكانت نتيجتها تحقيق الجيوش المقدونية لعدة انتصارات كبرى كان أهمها الانتصار في معركة خاريونيا ضد الأثينين والطيبيين، والتي تولى فيها الإسكندر قيادة ميمنة الجيش المقدوني، وقد نتج عن هذه المعركة توحيد جميع مدن اليونان تحت لواء والده فيليب الذي أعلن عن رغبته بغزو الإمبراطورية الفارسية.[٣]
بسبب بعض الأحداث والشجارات التي حدثت في قصر فيليب غادر الإسكندر مع والدته تاركًا مقدونيا، ثم عاد بعد عدّة أشهر عندما وصله عفو والده عنه، وعندما قُتل فيليب على يد قائد حرسه أثناء حفل زفاف ابنته قرر الإسكندر الأكبر السيطرة على الحكم وتصفية جميع الطامعين مهما كان الثمن، فأباد خصومه المحتملين في النزاع على العرش، وأعاد توحيد المدن التي ثار عدد كبير منها بعد مقتل فيليب؛ حيث خرج بحملات كبيرة شمالًا وجنوبًا استطاع في ختامها تأمين حدود دولته قبل أن يبدأ بتحقيق حلم والده بغزو الإمبراطورية الفارسية.[٣]
عبرت جيوش الإسكندر الأكبر مضيق الدردنيل، وغزت آسيا الصغرى، وتوسعت فيها وسط انهزام الفرس وتسليمهم للمدن وصولًا إلى جنوب الأناضول، ثم بدأ الزحف للقاء جيش كبير للفرس بقيادة الشاه دارا الثالث عند مدينة إسوس؛ حيث دارت معركة كبرى انتصر فيها الإسكندر نصرًا عظيمًا فرّ على إثره الشاه عائدًا إلى بلاد فارس، فاختار الإسكندر الأكبر بعد المعركة غزو الشام وانتزاعها من أيدي الفينيقيين، وبنا فيها مدينة إسكندرونة، ثم عرض عليه الشاه الصلح وأخذ ما حازت جيوشه وعرض عليه الهدايا والكنوز، فرفضها، ثم تقدمت الجيوش، ودخل الإسكندر مدينة القدس دون قتال، وواصل سيره إلى مصر، فغزاها، ولم يلقَ فيها من الفرس حامية أبدًا، فبنى فيها عاصمته الإسكندرية، وزار معابد آلهة مصر القديمة.[٣]
سار الإسكندر بعدها بجيشه نحو بلاد الرافدين واجتاح المدن حتى لقي جيش الشاه الذي تجاوز عدده ضعف عدد جيش الإسكندر في معركة كوكميلا التي أعدّ لها الفرس إعدادًا منظمًا لم يجدِ نفعًا في مواجهة بأس الجيش المقدوني وحرفيته في القتال؛ حيث اخترقوا صفوف الفرس وطاردوا الشاه وقادة جنده حتى أربلاء شمالًا، ثم دخل الإسكندر الأكبر مدينة بابل التي رحبت بقدومه، ومنها بدأ حملاته على المدن الفارسية التي تساقطت تباعًا، ومع تمام استيلائه على مدن فارس أعاد تنظيم الجيوش، وانطلق لغزو المناطق الشرقية، وطارد الشاه من مدينة لأخرى، لكن الأخير قُتل بطعنة من أحد قادته وهو أردشير الذي أعلن نفسه بعد ذلك خليفة للشاه، وجهز الجيوش لاستعادة أراضي الإمبارطورية دون جدوى، فالجيوش المقدونية دخلت أراضي أفغانستان وطاجيكستان، وكان الإسكندر حريصًا على بناء المدن حيثما حلت جيوشه.[٣]
آخر حملات الإسكندر الأكبر كانت في الهند بعد أن وصل إلى جبال الهملايا شرقًا، وقد عبر جيشه نهر السند ليواجه جيش راجا سيد مملكة بورافة المعروف بقوته وشدته وبأسه، وحدثت في إقليم البنجاب ملحمة عظمى سميت بمعركة هيداسبس، وهي كما تروي الأخبار أقسى وأعنف معركة خاضها الإسكندر الأكبر على الإطلاق، وكانت نتيجتها النصر الكبير رغم مقتل عدد هائل جدًا من جنود وفرسان جيش الإسكندر الذي انتصر بعدها على جميع الجيوش التي اعترضت طريقه، وفي تلك الفترة تمرّد عددٌ كبيرٌ من جنوده قبل أن يعالج الإسكندر الوضع من خلال تعيين بعض القادة العسكريين الجدد وهم من أصول فارسية، ثم عاد من تمرد من الجند وواصلوا القتال.[٣]
عاد الإسكندر في أواخر سنواته إلى سوسة في بلاد فارس، وعندما وصل إلى همدان توفي صديقه هفستيون، وقد كان لوفاة صديقه أثر كبير على حيث تدهورت بعدها صحته وتوفي وهو في سن 32 من عمر وقيل عن سبب وفاته بأنه تعرض للاغتيال من المقدونيين الأرسطقراطيين وتحدث بعض المؤرخين عن مرض مزمن كان السبب في وفاة الإسكندر الأكبر.[٣]