من هو البحتري

كتابة:
من هو البحتري

نسب البحتري

في أي سنة وُلد البحتري وما هي أصوله؟

البحتري هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى بن عبيد بن شملان بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث الطائي القحطاني (821م - 897م)، وهو أحد الشعراء المشهورين شهرة واسعة في فترة الخلافة العباسية، وهو طائي قحطاني، ويعود البحتري بأصوله إلى الشام، فقد وُلد في منبج وعاش فيها ثم رحل إلى بغداد، ولكنه عاد بعدها إلى منبج وتوفي ودُفن فيها، وكان يُكنّى بأبي الحسن، فلما صار يأخذ برأي المعتزلة صار يُدعى أبا عبادة.[١]


قد اشتُهر البحتري في عصره أنه واحد من ثلاثة شعراء مبرزين في ذلك الزمن وهم: أبو تمام والمتنبي والبحتري، وممّا يقال إنّه أشعر الشعراء بعد أبي نواس، ومما يجدر ذكره أن الروايات اختلفت حول سنة ولادته ووفاته، ويُنسب هذا الاختلاف إلى ابنه يحيى وآخرين نقلوا أخبار البحتري.[١]


صفات البحتري

ما هي الصفات التي تميز بها البحتري؟

إنّ البحتري كان موضع جدل لكثير من الناس بسبب شخصيته، ومن الأسئلة الشائعة عنه: لماذا سمي البحتري بهذا الاسم؟ والجواب عن هذا السؤال متعدد، فالبعض يرى أنه للدلالة على قصر قامته، وهو رأي ضعيف، والأغلبية تتجه إلى أنه نسب لقبيلته التي ينتمي إليها، ولكن لا يوجد ما يحدد بوضوح السبب الحقيقي لهذه التسمية، ومما يجد ذكره أنّ البحتري كان ذا فضل وفصاحة في الشعر ولكن صفاته الخارجية لا تتوافق مع صنعته الشعرية.[٢]


فقد كان أبخل الناس وأوسخهم ثوبًا، إضافة إلى أنه كان يفتخر بشعره، حتى ورد عنه أنه عندما كان ينظم شعرًا كان يقول لنفسه: أحسنتَ والله، وكان ينظر للسامعين ويستغرب منهم إذا لم يمدحوه ويثنوا على ما قاله من شعر، وكان يتّسم بالجشع وتبعيته للخلفاء، يفعل ما يحبه الخليفة ولا يحافظ على مبادئه، حتى ضاع عمره بين جشعه وجشع الولاة ومدحه لهم.[٢]


حياة الشاعر البحتري

كيف عاش البحتري حياته ووصل إلى مكانته التي يتحلى بها؟

عاش الشاعر البحتري ثمانين عامًا قضى معظمها مسافرًا متنقلًا بين الأمصار، يخطب ود الخلفاء ويرجو رضاهم وعطاياهم، فقد كان يسهر ليله ينمّق الشعر وينظمه في مدح الخلفاء والولاة، ليقدمه لهم في قصورهم وينال العطايا الجزيلة على مدائحه، ولم يترك محفلًا ولا ومكانًا تُعرض فيه الأشعار إلا وقدم فيه شعره، وكان لا يعرف الكلل أو الملل أو اليأس، وقد كانت بداياته في تعلُّم نظم الشعر مع أبي تمام، عندما عرض عليه شعره فأُعجب به وصار يهتم به.[٣]


بعد أن كان البحتري شاعرًا يمتدح باعة البصل والباذنجان في منبج، صار شاعرًا صاحب صنعة وشهرة وصيت ذائع بين الناس، إضافة إلى أنّه تحوّل من الفتى الفقير إلى واحد من أكبر أثرياء عصره، فقد كان البحتري محبًا للمال كثيرًا، حتى أنّ هذا الحب أتعبه وأشقاه وهو يبحث عن مجالس الأمراء، وقصور الخلفاء التي يقدّم فيها شعره، وينال عليها الجوائز الوفيرة، وهكذا كانت حياته ما بين نظم شعر، وبحث عن السلاطين والخلفاء.[٣]


البحتري شاعرًا

ما هي الظروف التي وصلت بالبحتري إلى مكانته الشعرية المهمة؟

رُويت الروايات الكثيرة عن البحتري وشعره وكيف استطاع أن يصل إلى هذه القدر الغريبة في نظم الشعر، حتى صار يُقارن بينه وبين أبي تمام، ويُقال إنّه أشعر منه، وإن البحتري أشعر مَن جاء بعد أبي نواس، وقد ورد في أخبار البحتري أنّه تنقل بين الشام وبغداد كثيرًا حتى فصح لسانه ووضح بيانه، وكان يعتمد على مشاهداته وتنقلاته ويستلهم منها وحيه، ويصوغها شعرًا عذبًا يخلب الألباب.[٤]


قد أعدّه أبو تمام إعدادًا تامًا ليكون هو أمير الشعراء من بعده، ووردت الأخبار الكثيرة عن اهتمام أبي تمام بالشاعر البحتري، ومما ساعد في ذلك امتلاك البحتري للخصائص التي تؤهله لهذه المكانة الرفيعة التي تحلى بها، وهو ما جعله يتجاوز الكثير من فحول الشعراء في عصره مثل: دعبل الخزاعي وابن الرومي وعلي بن الجهم، وينال المرتبة الأولى، ويحظى بلقب شاعر الخليفة المتوكل.[٣]

خصائص شعر البحتري

ما هي المميزات والسمات التي يُوصف بها شعر البحتري؟

إن الحديث عن خصائص شعر البحتري وسماته لا يكتمل إذا لم تُذكر السمة الملاصقة لشعره، ألا وهي سلاسل الذهب، ومن أبرز خصائص شعر البحتري:[٤]

  • الدقة في الوصف: إنّ الوصف عند البحتري تميّز بالدقة والوضوح، فقد كان يستلهم من مشاهداته وتنقلاته، ويعيد صياغة ما رآه شعرًا بديعًا، بأسلوبه المميز ولغته الرشيقة وتعابيره المنمقة، فيجعل السامع يشعر وكأنه يرى المشهد أمامه حقيقةً.
  • قوة الإحساس: تميّز البحتري في شعره بإحساس قوي مميز، وهذا ما ساعده في التعبير عن كل ما يريده، ومدح الخلفاء بأكثر ما يحبونه، وهذا الإحساس القوي هو الذي ساعده على معرفة أهواء كل خليفة وميوله واستغلالها في مدحها وتصويرها بأبهى حلة.


  • رشاقة اللفظ: ممّا جعل أشعار البحتري مرغوبة ومطلوبة في كل محفل وكل مقام هو اللفظ الرشيق السهل، فقد كان ينتقي ألفاظه بعناية، ويجعلها ذات وقع لطيف على السمع، سهل في اللفظ يتناسب مع طبيعة الخلفاء في العصر العباسي وما فيه من ترف ونعم.
  • حلاوة الجرس: كان البحتري يهتم اهتمامًا بالغًا بالجرس الموسيقي لقصائده، فلم يهتم فقط بالموسيقى الخارجية، بل أولى اهتمامًا للموسيقى الداخلية في القصيدة، منوعًا بين الصور البلاغية والمحسنات اللفظية والمعنوية التي تُغني الإيقاع وتلفت الأنظار.


لقراءة المزيد، انظر هنا: خصائص شعر البحتري.



الأغراض الشعرية في شعر البحتري

ما هي الموضوعات الشعرية التي اهتم بها البحتري؟

مع أن البحتري كان يهتم برضا الخلفاء وتقديم أفضل الشعر بين أيديهم، إلا أن هذا لا يعني أنّه اقتصر في شعره على المدح، بل على العكس تنوعت أغراض البحتري الشعرية:[٥]


  • المدح: هو أكثر شعر البحتري، وذلك لأنه يخدم مصالحه وأهواءه وحبه المُبالَغ فيه للمال، وهو يعرف أنه لن يحصل على المال إلا بمدح الخلفاء، ولذلك أكثر من هذا المدح، حتى كان الغرض الذي احتل المرتبة الأولى في شعره.
  • الرثاء: ورد عن البحتري بعض القصائد في الرثاء، وكانت مراثيه في معظمها لمن مدحهم من قبل، واعتبر ذلك من باب الوفاء لهم، إضافة إلى مرثيته لابنه والتي نالت شهرة كبيرة، وقد ذكر الأصفهاني أنّ أجود مراثي البحتري مرثيته في محمد بن يوسف الثغري.


  • الهجاء: للبحتري شعر قليل مذكور في ديوانه، إلا أنّ الأخبار عن البحتري تؤكد أنه نظم كثيرًا من الهجاء، لكنه طلب من ابنه قبل موته أن يحرق أشعار الهجاء التي كتبها، ولم يتبقّ منها إلا ما ورد في ديوانه.
  • الغزل: غزل البحتري توزع بين مقدمات لقصائده المدحية، وغزل في بعض المقطعات القصيرة، وهي يسيرة قليلة، وكان بعضها غزلًا بغلامه نسيم، واتّسمت برقة ألفاظها، ولا سيما تلك التي في طيف الخيال الذي شغف البحتري فيه.


  • الوصف: من الأغراض التي أبدع فيها البحتري أيّما إبداع، فقد سار على هدي أبي تمام في هذا الغرض، وكان قد اتّسم بابتعاده عن التكلف والصنعة واسترساله في الوصف، فقد وصف الطبيعة ومعارك العباسيين والأنهار والربيع، وكانت أغلب أوصافه تكون مضمنة في قصائد المدح.

مؤلفات البحتري

إنّ البحتري نال الشهرة الكبيرة بسبب أشعاره التي نظمها، وطريقته المميزة في نظم الشعر وتنميقه، إلا أن هذا لا يعني أنّه لم يترك آثارًا أدبية تحفظ ذكره واسمه، فكان للبحتري أكثر من كتاب يحفظ اسمه ومكانته الأدبية والشعرية إلى يوم الناس هذا، وأول مؤلفاته هو ديوان البحتري والذي جمعه أبو بكر الصولي ورتبه وفق حروف الهجاء.[٦]


من الكتب التي تركها البحتري كتاب اسمه حماسة البحتري، وقد جعله على غرار كتاب لأبي تمام اسمه الحماسة أيضًا، وقصد فيه أن يعارض أبي تمام في كتابه، وجمع في الكتاب مختارات من أشعار العرب تشمل جل المعاني الشعرية في أشعار المتقدمين، وجعل الكتاب في 174 بابًا، وقسمه حسب المعاني الشعرية، وفي كل معنًى ذكر شواهد شعرية لشعراء عدة، وله كتاب ثالث اسمه معاني الشعر، ولم يصل منه سوى اسمه.[٦]

وفاة البحتري

كيف انتهت حياة البحتري؟

إنّ البحتري وما اتسم به من بخل وإقتار على كل من حوله، جعله يزداد طمعًا ونهمًا، حتى صار مقدمًا عند الخلفاء، ولم يستطع أحد منازعته على مكانته، ولكن ما ذكر عنه من تكبر وغرور وزهو بنفسه وبشعره جعل الخلفاء يضجرون منه، حتى ضاقت الحياة بالبحتري في بغداد وكثر حساده، وأثقل كاهله بالمطالبة، وبرم الأعيان منه.[١]


قرر الرحيل عن بغداد، وقضى شطرًا من حياته في مصر والشام، إلا أنّ الأخبار بينت أنه تردد إلى بغداد، ونادم المبرّد مدة، ومن ثم انتهى به المطاف أن عاد إلى مسقط رأسه منبج، وقضى فيها آخر أيامه، وفيها توفي ودُفن.[١]

آراء النقاد في البحتري

كيف درس النقاد شعر البحتري؟

اهتم النقاد العامة والخاصة بشعر البحتري، لا سيما في الوقت الذي كانت فيه بغداد ملتقى كبار الشعراء وأبرزهم، ومن أبرز هذه الآراء النقدية عن البحتري وشعره:[١]

  • الحفاظ على الموروث: اهتم النقاد بالبحتري ورجّحوا كفته على كفة الشعراء المجددين بسبب حفاظه على الموروث الشعري والصياغة الموروثة عن القدماء، فكان شاعرًا مطبوعًا، التزم بمنهج القصيدو وعمود الشعر.


  • الإغارة على أبي تمام: ذكر الباقلاني صاحب إعجاز القرآن ما قام به البحتري في كثير من أشعاره من إغارة على معاني أبي تمام، وأنه كان يأخذها أخذًا صريحًا تارة، ويشير إليها تارة أخرى، وهو أمر لم ينكره البحتري بل كان يستأنس بهذه الإغارة.


  • تجنب التعقيد: يقول الآمدي عن البحتري إنه كان يبتعد عن التعقيد في شعره ويرفض المستكره الوحشي من الألفاظ، ويستخدم اللفظ الرشيق منه والواضح من المعنى، ولا يتكلف في شعره، وقد ابتعد عن الصنعة.[٧]

أشهر قصائد البحتري

ما هي أبرز الأمثلة عن قصائد البحتري؟

إن للبحتري ما لا يعد ولا يحصى من القصائد، ولكن لا بد من أن هناك بعض القصائد التي تميز الديوان أكثر من غيرها، ومنها:

  • قال البحتري يصف إيوان كسرى:[٨]

صُنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي

وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ

وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَه

رُ التِماسًا مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي

بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِندي

طَفَّفَتها الأَيّامُ تَطفيفَ بَخسِ

وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَهٍ

عَلَلٍ شُربُهُ وَوارِدِ خِمسِ

وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحمو

لًا هَواهُ مَعَ الأَخَسِّ الأَخَسِّ

وَاِشتِرائي العِراقَ خُطَّةُ غَبنٍ

بَعدَ بَيعي الشَآمَ بَيعَةَ وَكسِ


  • قال البحتري يمدح أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري:[٩]

زَعَمَ الغُرابُ مُنَبِّئُ الأَنباءِ

أَنَّ الأَحِبَّةَ آذَنوا بِتَناءِ

فَاِثلِج بِبَردِ الدَمعِ صَدرًا واغِرًا

وَجَوانِحًا مَسجورَةَ الرَمضاءِ

لا تَأمُرَنّي بِالعَزاءِ وَقَد تَرى

أَثَرَ الخَليطِ وَلاتَ حينَ عَزاءِ

قَصَرَ الفِراقُ عَنِ السُلُوِّ عَزيمَتي

وَأَطالَ في تِلكَ الرُسومِ بُكائي

زِدني اِشتِياقًا بِالمُدامِ وَغَنِّني

أَعزِز عَلَيَّ بِفُرقَةِ القُرَناءِ

فَلَعَلَّني أَلقى الرَدى فَيُريحُني

عَمّا قَليلٍ مِن جَوى البُرَحاءِ

أَخَذَت ظُهورُ الصالِحِيَّةِ زينَةً

عَجَبًا مِنَ الصَفراءِ وَالحَمراءِ

نَسَجَ الرَبيعُ لِرَبعِها ديباجَةً

مِن جَوهَرِ الأَنوارِ بِالأَنواءِ


لقراءة المزيد، انظر هنا: أشهر قصائد البحتري.


كتب عن البحتري 

ما هي الكتب النقدية التي درست نتاج البحتري الشعري؟

كثيرة هي الكتب التي تحدّثت عن الأدب في العصر العباسي ودرسته شعرًا ونثرًا، أما الكتب التي درست شعر البحتري على وجه الخصوص فهي كثيرة أيضًا، ومنها:

  • الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري: كتبه الآمدي، ووازن فيه بين شعر أبي تمام والبحتري، وذكر الإيجابيات لكل منهما ثم ذكر المساوئ، وبعدها عرض السرقات عند كل منهما، والقارئ الجيد يلحظ ميل الآمدي للبحتري أكثر من أبي تمام.[١٠]


  • أخبار البحتري: لمحمد بن يحيى أبي بكر الصولي، وهو كتاب خصّصه الصولي لعرض أخبار البحتري وسردها من خلال ما سمعه عنه من أهله وأقاربه ومعارفه، ويُعد مرجعًا لكثير من الدارسين المهتمين بمعرفة تفاصيل حياة البحتري.[١١]


  • في التذوق الجمالي لسينية البحتري: كتبه محمد علي، وفيه دراسة نقدية شاملة لسينية البحتري المشهورة، ويُقصد بها تلك القصيدة التي كتبها في وصف إيوان كسرى، وقد دُرست القصيدة في هذا الكتاب دراسة جمالية تفصيلية.[١٢]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج عبداللطيف عمران (2003)، أبحاث في الشعر العربي في العصر العباسي (الطبعة 1)، دمشق:مطبعة المحبة، صفحة 329. بتصرّف.
  2. ^ أ ب أحمد الهاشمي (1978)، جواهر الأدب (الطبعة 27)، بيروت:درا الكتب العلمية، صفحة 450.
  3. ^ أ ب ت الصولي، أخبار البحتري، صفحة 5-6. بتصرّف.
  4. ^ أ ب أديبة فارس، الرثاء بين أبي تمام والبحتري والمتنبي، صفحة 7. بتصرّف.
  5. عبداللطيف عمران (2003)، أبحاث في الشعر العربي في العصر العباسي (الطبعة 1)، دمشق:مطبعة المحبة، صفحة 340. بتصرّف.
  6. ^ أ ب يوسف الشيخ محمد، ديوان البحتري، صفحة 6. بتصرّف.
  7. الآمدي، الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، صفحة 11. بتصرّف.
  8. "صنت نفسي عما يدنس نفسي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/03/2021م.
  9. البحتري، ديوان البحتري، صفحة 39. بتصرّف.
  10. الآمدي، الموازنة بين شعر أبي تماموالبحتري، صفحة 5. بتصرّف.
  11. أبو بكر الصولي، أخبار البحتري، صفحة 3. بتصرّف.
  12. محمد علي، في التذوق الجمالي لسينية البحتري، صفحة 4. بتصرّف.
5978 مشاهدة
للأعلى للسفل
×