محتويات
الخلافة العباسية
بعد انقلاب العبّاسيين على الأمويين واستيلائهم على الخلافة واستقرار الأمور لهم، بدأ العصر الأوّل من عصرَيْ الدولة العباسية، العصر الذهبيّ؛ وسُمّي بذلك لِما شهده من الاستقرار، وسيطرة الخلفاء العبّاسيّين على مقاليد الأمور، ورغم استقلال بعض الدول عن الدّولة الأمّ كالدّولة الأمويّة في الأندلس وغيرها من الدّول الأخرى، إلّا أن الدولة العبّاسيّة ظلّت متماسكة حتّى نهاية العصر الأوّل، وكانت جميع هذه الدّول تجمعها راية الإسلام الواحدة، وساد فيها التّسامح الدّيني والعقائدي والمساواة العنصريّة بين جميع الأفراد والجماعات، فقد كانت حضارة إنسانيّة عالميّة بامتياز، وبالنسبة للفتوحات الإسلامية فقد توقّفت بسبب انشغال العبّاسيين بالصّراعات الدّاخليّة، باستثناء فتح عمّوريّة وصقلّية وبعض الثّغور، وقد طوّر العبّاسيّون في مؤسسات دولتهم ونظّموا شؤون الحكم فيها، وبعد هذه المقدّمة جواب عن سؤال: من هو المأمون.[١]
من هو المأمون
في الإجابة عن سؤال: من هو المأمون، يُذكرأنّه أبو العبّاس عبد الله بن هارون الرّشيد بن محمّد المهدي بن عبد الله أبي جعفر المنصور، يصل نسبه إلى عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب، وهو سابع الخلفاء العبّاسيّين، وأمّه جارية فارسيّة، اسمها مراجل، وقد توفّيت بحمّى نفاسها به بعد أيّام من ولادته، التي كانت في ربيع الأوّل سنة 170هـ 786م، ويقال في اللّيلة ذاتها التي توفّي فيها عمّه موسى الهادي الخليفة، ولذلك سَمّى البعض هذه اللّيلة بليلة الخلفاء؛ لأّنّه وُلد فيها خليفة ومات خليفة وتولّى خليفة.[٢]
نشأ المأمون في كنف الخلافة فطنًا نجيبًا محبًّا للعلم، وكان مربّيه ومعلمه يحيى البرمكيّ، وقد هُيّأت له أفضل وسائل التّربية والتّعليم في عصره، وعندما شبّ واشتدّ عوده، عقد له أبوه ولاية العهد الثّانية بعد الأمين سنة 182هـ/799م ، على أن تكون له ولاية خراسان وما يتّصل بها من الولايات الشّرقيّة، وبعد استيلائه على الخلافة ساد في عهده السّلام بين المسلمين والرّوم، ممّا ساعد على الاستقرار في الدّولة وزيادة دخلها، وانتشار العلوم بأنواعها الدّينيّة والأدبيّة والكونيّة، وذلك بسبب حبّه للعلم وتبحّره فيه، ورعايته للعلم والعلماء وإكرامه لهم، وبنى المكتبات والمشافي.[٢]
سيطرة المأمون على حركات التمرد والثورات
بعد معرفة من هو المأمون، لا بدّ من التّعرّف على بعض أعماله، منذ تولّي المأمون الخلافة، سعى جاهدًا للقضاء على كلّ الحركات الثّوريّة وحركات التّمرّد على عرش الخلافة العبّاسيّة، فتصدّى بقوّة وحزم لثورات العلويّين والشّيعة، وقضى على ثورة الحسن بن الحسين في الحجاز، وحركة ابن طباطبا العلويّ وعبد الرّحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب في اليمن سنة 207ه 822م، كما أنّه أقدم على خطوة لم يسبقه أحد من الخلفاء العباسيّين قبله، وهي اختياره لعليّ بن موسى الرّضا، ليكون وليًّا لعهده، وهو من البيت العلويّ، ممّا أثار هذا التّصرّف الجريء غضب العبّاسيّين، ومبايعة عمّه إبراهيم بن المهدي بالخلافة سنة 202هـ،817م.[٣]
عندما وصل الخبر للمأمون، قام بتجهيز جيش كبير، واستلم قيادته بنفسه، وسيّره من خراسان متّجهًا به إلى بغداد، ففرّ عمّه إبراهيم بن المهدي من مواجهته تاركًا بغداد، وخلال هذه الحملة مات عليّ بن موسى الرّضا، ووصل الخبر إلى بغداد، فهدأت النّفوس، ودخل المأمون بغداد دون أيّ مواجهة مع أحدٍ من أهلها، وأعلن عفوه عن عمّه إبراهيم بن المهديّ وعن جميع أتباعه من الكتمرّدين على عرش الخلافة العبّاسيّة.[٣]
النهضة العلمية في عهد المأمون
شهدت الدّولة العبّاسيّة خلال خلافة المأمون قفزة نوعيّة في العلوم الأدبيّة والشّرعيّة والكونيّة، وذلك لمدى حبّه للعلم والعلماء، فقد كان أديبًا شاعرًا وفيلسوفًا عالمًا، ونال العلماء في عهده حظوة عظيمة لديه، فكانوا بصحبته في سفره وحضره، وقد أعطى الأدب والشّعر والفلسفة والتّرجمة دفعة نوعيّة بسبب تشجيعه لكلّ من يعمل بها، وكان ذلك سببًا في رقيّها وتطوّرها، ونهضة علميّة وفكريّة وأدبيّة وصلت أصداؤها أرجاء المعمورة، لقد أرسل البعثات العلميّة إلى خارج حدود دولته للحصول على علوم الآخرين ونقلها إلى العربيّة، كما أنّه أوجد مجمعًا علميًّا في بغداد، ومرصدين فلكيين في بغداد وتدمر[٤]، وكذلك أوعز إلى العلماء برسم خريطة للأرض بسهولها وجبالها وبحارها.[٥]
فتنة خلق القرآن ووفاة المأمون
خرج المأمون في آخر غزواته إلى أراضي البيزنطيين، وكان قد عزم على قتل الإمام أحمد بن حنبل لعدم رضوخه له، والقول بخلق القرآن، إن لم يتراجع عن عناده، ويقل بذلك، والمأمون كان أوّل الخلفاء العباسيّين الثّلاثة الذين قالوا بخلق القرآن، وهم: المأمون وأخوه المعتصم وابن المعتصم الواثق؛ وذلك بسبب اطّلاعه على كتب اليونان وفلسفتهم، فذلت به القدم بهذه البدعة المنكرة، وانحرف عن جادّة الحقّ والصّواب، ليقع في مثل هذه الفتنة، ونال الإمام أحمد بن حنبل بسبب هذه الفتنة ما نال من المأمون والمعتصم من السّجن والتّعذيب والتّنكيل، ورغم كلّ ذلك لم يتراجع ابن حنبل عن موقفه قيد أنملة، وبقي مصرًّا على موقفه، ومع أنّه لم يبقَ معه من الأئمّة معلنًا عصيانه جهارًا على الخليفة سوى محمّد بن نوح الذي مات في طريقه إلى المأمون وهو مقيّد.[٦]
وعندما حُمل أحمد بن حنبل ومحمّد بن نوح مكبّلَيْن إلى المأمون في "البذندون" شمالي مدينة طرسوس، دعا أحمد بن حنبل على المأمون، وهو في طريقه إليه، فمرض المأمون بحمّى أصابته، ومات في 18 رجب سنة 218هـ، فحُمل إلى طرسوس ودفن بها، وانتقلت الخلافة إلى أخيه الأصغر المعتصم.[٦]
المراجع
- ↑ "عباسيّون"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 29-06-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "تاريخ الدّولة العبّاسية"، www.books.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-06-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب "القضاء على الفتن والثورات"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 29-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "النهضة العلميّة الإسلاميّة"، www.books.google.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "أبو العباس عبد الله المأمون-نهضة علمية"، www.marefa.org. بتصرّف.
- ^ أ ب "قصة الإمام أحمد بن حنبل في الدفاع عن عقيدته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-06-2019. بتصرّف.