متن حديث المشاحن
عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- قال: "يطَّلِعُ اللهُ إلى خَلقِه في ليلةِ النِّصفِ مِن شعبانَ فيغفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلَّا لِمُشركٍ أو مُشاحِنٍ"،[١] وفي رواية أخرى من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- يقول صلى الله عليه وسلّم: "يطَّلِعُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ فيغفرُ لعبادِه إلَّا اثنين مُشاحِنٍ وقاتلِ نفسٍ".[٢][٣]
صحة حديث المشاحن
أخرجه ابن حبّان في صحيحه،[٤] وقال الألباني بأنّه حديث حسن،[٥] وقال الهيثمي إنّ هذا الحديث قد رواه الطبراني في المعجم الكبير والمعجم الأوسط، وإنّ رجالهما ثقات.[٦]
شرح حديث المشاحن
لقد اختلف العلماء في دلالة مقصود "مشاحن" على عدّة أقوال، وهي كالتالي:
- الابتداع: قال الإمام الأوزاعي إنّ المشاحن هنا هو المبتدع؛ فالمبتدع مفارق لجماعة الأمة.[٧]
- المعاداة للناس وبغضهم: وهنا المقصود هو الشحناء التي هي بمعنى البغضاء، وتقع بين المسلمين بفعل النفس الأمّارة بالسوء،[٨] وكذلك ورد عن الإمام الأوزاعي قوله إنّ المشاحن هنا هو الذي في قلبه شحناء لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم.[٧]
- ترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وقال بهذا القول ابن ثوبان.[٧]
يبيّن الحديث النبويّ مغفرة الله -تعالى- لعباده المذنبين في ليلة النصف من شعبان ما عدا صنفين: الأوّل هو المتلبس بالكفر أيًّا كان نوع الكفر أو الشرك، وأمّا الصنف الثاني الذي يُحرم من مغفرة الله -عزّ وجلّ- فهو مَن كان في قلبه شحناء وبغضاء لأحد من المسلمين لأمرٍ غير الدين؛ فهو تقاطع وتباغض لأجل الدنيا ليس إلّا.[٩]
ولعلّ الإسلام نهى عن هذه الشحناء لِما قد تؤدّي إليه من مشكلات قد تصل حد الكفر أو قتل النفس؛ ولذلك كان في الرواية الأخرى للحديث ربط بين المشاحن وقاتل النفس، ومن صور المشاحنات الّتي تقع ما بين الناس، التباغض والقطيعة الّتي تحدث بفعل النفس الأمّارة بالسوء، والأذية اللسانية للمسلمين بين بعضهم بعضًا، وأنّ المسلم لا يأمن جانب أخيه المسلم من أن يجرّ إليه مكروه أو يلحق يه أذًى ما.[٩]
ويدخل تحت باب المشاحنة هجر المسلم لأخيه المسلم؛ فقد جاء في الحديث الصحيح: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ، يَلْتَقِيانِ: فَيَصُدُّ هذا ويَصُدُّ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ"،[١٠] فالعلماء على أنّه لا تحلّ الهجرة فوق الحدّ الوارد في الحديث، والهجر يرتفع بمجرّد السلام، وأمّا الذي في هجره خيرٌ فيجوز هجره والله أعلم، وأمّا فيما يخصّ مغفرة الله -تعالى- لذنوب المشاحن، فلا يعني هذا عدم قبول توبة المشاحن من الذنوب الأخرى المتلبّس بها، بل يغفر الله -تعالى- للعبد ذنوبه الأخرى ويبقى ذنب الشحناء، وهذا هو قول أهل السنّة كما قال الإمام النووي وغيره من العلماء، وقد خالف هذا القول المعتزلة وغيرهم.[١١]
المراجع
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:5665، أخرج ابن حبان هذا الحديث في صحيحه.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:132، حديث إسناده صحيح أو حسن أو ما يقاربهما.
- ↑ السيوطي، كتاب جامع الأحاديث، صفحة 146.
- ↑ ابن حبان، صحيح ابن حبان، صفحة 481. بتصرّف.
- ↑ صهيب عبد الجبار، المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة، صفحة 391. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، أرشيف ملتقى أهل التفسير، صفحة 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت الزبيدي، كتاب تاج العروس، صفحة 267. بتصرّف.
- ↑ الطيبي، كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن، صفحة 1238. بتصرّف.
- ^ أ ب الملّا علي القاري، كتاب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، صفحة 975. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم:6237، حديث صحيح.
- ↑ محمد صاح المنجد، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 290. بتصرّف.