من هو خليل الله؟

من هو خليلُ الله؟

إنّ مرتبة الخُلّة، مرتبة عظيمة الشرف والرفعة، بل هي أعلى مقامات العبد، فهي المحبة الكامنة التي تتخلل في جوانح الروح من المحبّ لمحبوبه؛ فلم يبقَ لأحد غيره مكانٌ في القلب إلا لذلك المحبوب، وقد عُرف أنّ خليل الله تعالى هو النبيّ إبراهيم عليه السّلام، حيث قال تعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلً)،^[١] مع الإشارة المهمة أنّ هذه المرتبة والمنزلة اشترك فيها نبيّ آخر مع إبراهيم عليه السّلام، وهو نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلَّم، وهي خلةٌ من الله تعالى لعبدَيه إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسّلام، وقد جاء عن النبيّ صلّى الله عليه وسلَّم وصفه بهذه المنزلة في الحديث فقال قبل أن يتوفاه الله تعالى: (إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا)،^[٢] وقد أثنى الله تعالى على نبييْه إبراهيم ومحمد عليهما السلام ثناءً عظيماً رفيعاً في كتابه الكريم وفي السنة النبويّة.^[٣]

إبراهيم عليه الصلاة والسّلام

لقد استحقّ النبي إبراهيم عليه السّلام هذه المنزلة الجليلة لصفاته الكريمة، وخصاله الحميدة التي قلما توجد في أحد من البشر؛ فقد حقق التوحيد الخالص لله رب العالمين، وسمّيَ حنيفاً؛ أي المائل قصداً عن الشرك إلى الإيمان، وقد نسب الدين والملة إليه عليه السّلام، وبُرّئ من الشرك تبرئةً عظيمة، وعرف بإمام الحنفاء، ووالد الأنبياء، إذ كان قانتاً خاشعاً لله تعالى متضرعاً مطيعاً،^[٤] وقد أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلَّم أن يتبع ملة أبيه إبراهيم عليه السّلام؛ فقال تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)،^[٥] كما قد أمر عباده المؤمنين أن يتبعوا ملة إبراهيم؛ فقال سبحانه وتعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ)،^[٦] ومن أبرز أعمال إبراهيم عليه السّلام حتى اصطفاه الله لهذه المنزلة الجليلة:^[٧][٨]

• تمّ رمي إبراهيم عليه السّلام في النار؛ فذكر الله تعالى وتوكّل عليه، فقال تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).^[٩]
• تمّ بناء الكعبة المشرفة على يد إبراهيم عليه السّلام وابنه إسماعيل عليه السّلام؛ فقال تعالى: (إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).^[١٠]
• تمّ تحطيم الأصنام والأوثان على يد إبراهيم عليه السّلام؛ فقال تعالى: (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ).^[١١]
• تمّ الأذان الأول بصوت إبراهيم عليه السّلام؛ فقال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).^[١٢]
• تمّ اصطفاء إبراهيم عليه السّلام ليكون أسوة حسنة في صفة مميزة، وهي البغض لله وفي سبيله؛ فقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..).^[١٣]
• تمّ الإشادة من الله تعالى والمدح والثناء على إبراهيم عليه السّلام وصفاته وأفعاله الحميدة الطيبة؛ فقال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ).^[١٤]

مُحمد عليه الصلاة والسّلام

إنّ النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلَّم غنيّ عن التعريف؛ إذ كانت صفاته وأخلاقه أقرب ما تكون إلى صفات أبيه إبراهيم عليه السّلام فهو من نسل إسماعيل عليه السّلام؛ لذلك استحق مرتبة الخلة التي هي أقصى مراتب المحبّة وأرفعها، ولم تكن لأحد سواه هو وإبراهيم عليهما السلام، والنّاظر في سيرة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم يجد ما نعنيه تماماً؛ فقد لاقى الحبيب صلى الله عليه وسلم في سبيل الله ما لاقى، وصبر وصابر، وثبت وثبّت، فكان نِعم النبيّ خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وهو قدوة حسنة للمسلمين أجمعين في التضحية في سبيل الله، وفي حبه سبحانه وتعالى، فقال تعالى في حق وصفه الجليل: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،^[١٥] وقال تعالى في محكم كتابه الكريم: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)،^[١٦] وما هذه المرتبة إلا من تمام حفظ الله ورعايته لنبيه صلى الله عليه وسلَّم، ولمكانته وقدره وسنته في العالمين أجمعين.^[١٧]

المراجع

1. ↑ سورة النساء، آية:125
2. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جندب بن عبد الله البجلي، الصفحة أو الرقم:532، صحيح.
3. ↑ "الصفات التي استحق من خلالها أن يكون إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 1/2/2022. بتصرّف.
4. ↑ ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 611. بتصرّف.
5. ↑ سورة النحل، آية:123
6. ↑ سورة آل عمران، آية:95
7. ↑ محمد سليمان منصور فوري، رحمة للعالمين، صفحة 518-519. بتصرّف.
8. ↑ صالح المغامسي، تأملات قرآنية، صفحة 5. بتصرّف.
9. ↑ سورة الأنبياء، آية:69
10. ↑ سورة البقرة، آية: 127.
11. ↑ سورة الأنبياء، آية: 58.
12. ↑ سورة الحج، آية: 58.
13. ↑ سورة الممتحنة، آية: 4.
14. ↑ سورة هود، آية: 75.
15. ↑ سورة القلم، آية:4
16. ↑ سورة الأحزاب، آية:21
17. ↑ "النبي محمد صلى الله عليه وسلم"، إسلام ويب، 29/6/2014، اطّلع عليه بتاريخ 1/2/2022. بتصرّف.