التابعي
كثيرًا ما يقع المرء وهو يقرأ في كُتُب السّير على كلمة تابعي، فما معنى تابعي؟ التّابعيّ عند أهل السنة هو الذي عاصر صحابة رسول اللّٰه -صلّى اللّٰه عليه وسلّم- والتقى بهم، ولم يرَ النّبيّ-عليه الصّلاة والسّلام-وهو مسلم، بمعنى لو كان امرؤ قد أسلم في حياة رسول اللّٰه -صلّى اللّٰه عليه وسلّم- ولم يلتقِ به كالنجاشي ملك الحبشة فهذا يُعدّ من التّابعين وليس من الصّحابة، فشرط الصُّحبة هو اللّقاء، أو أن يكون قد رأى النّبيّ-صلّى اللّٰه عليه وسلّم-ولم يؤمن به، ثمّ أسلم بعد وفاة رسول اللّٰه-صلّى اللّٰه عليه وسلّم-كرسول هرقل[١]. وقد كان من التّابعين من يُسمّى سيد التابعين، فمن هو؟
سيد التابعين
روى الإمام الذّهبيّ في كتابه الأشهر سير أعلام النّبلاء في ترجمته لأويس القرني ما نصّه: القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، وكان من أولياء اللّٰه المتقين، ومن عباده المخلصين.[٢] إذًا فهذا إقرار من الإمام الذّهبيّ بأنّ أويس القرني-رضي اللّٰه عنه- هو سيد التابعين بخلاف الشّائع بين الناس أنّه الحسن البصري أبو سعيد! وكلام الإمام الذّهبيّ ليس اجتهادًا منه فقط، وإنّما اتّفاقًا مع الحديث الصّحيح الذي رواه عمر بن الخطّاب-رضي اللّٰه عنه-أنّ رسول اللّٰه -صلّى اللّٰه عليه وسلّم- قال: "خير التّابعين رجلٌ يُقال له أويس القرني، وله والدة، وكان به بياض فدعا ربه فأذهبه عنه إلَّا موضع الدرهم في سرته"[٣].
فمن يكون أويس القرني؟
هو أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني، وكنيته أبو عمرو، عاصر النبيّ-صلّى اللّٰه عليه وسلّم-ولم يرَه، منعه من السّفر بره بأمّه؛ إذ كان يقوم على أمرها، ويخدمها، ولم يكن ثمّة من يقوم بأمرها غيره، وجزاءً له على برّه بأمّه ذكره رسول اللّٰه -صلّى اللّٰه عليه وسلّم- في حديثه، بل وقال لعمر بن الخطّاب -رضي اللّٰه عنه- أن يطلب إليه -أي إلى أويس- أن يستغفر له إذا لقيه، فكان سيّدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب -رضي اللّٰه عنه- يطلب أويسًا في أمداد اليمنيين الحاجّين كلّ عام إلى أن لقيه وظفر به، فطلب إليه أن يستغفر له، فاستغفر له، وعاش حياته في اليمن، ثمّ ذهب إلى الحجّ، وبعدها أقام في الكوفة، وتشير أغلب الرّوايات إلى أنّه قد خرج مع جيش عليّ بن أبي طالب -كرّم اللّٰه وجهه- إلى صفين، واستُشهد هناك، وله مقام معلوم في محافظة الرقّة السّوريّة حيثُ جرت أحداث صفّين[٤]، وقال آخرون إنّه كان في غزوة إلى أذربيجان وقد مات هناك[٥].
مناقب سيد التابعين أويس القرني
قال الذهبي في ترجمة سيد التابعين أويس القرني رضي اللّٰه عنه: القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، وكان من أولياء اللّٰه المتقين، ومن عباده المخلصين، وقد عقد الإمام الحاكم بابًا في مستدركه عن فضائل سيد التابعين أويس، وقال عنه: أويس راهب هذه الأمّة. وذلك بسبب زهده، وقد عقد كذلك الإمام النّوويّ بابًا للحديث على فضائل أويس القرني -رضي اللّٰه عنه- في شرحه على صحيح مسلم، وأورد في مناقبه حديثًا أخرجه الإمام مسلم، جاء فيه: أنّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كان إِذا أَتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال نعم، قال: من مراد، ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: ألك والدة؟ قال: نعم، قال سمعت رسول اللّٰه -صلى اللّٰه عليه وسلم- يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر، مع أمداد اليمن من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه، إلّا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل"، فاستغفر لي؟ قال: فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إليّ. والحديث طويل أخرجه الإمام مسلم في صحيحه[٦]، ولأويس القرني-رضي اللّٰه عنه-حِكَمًا تشعّ نورًا وتقوى، ومنها قوله لهرم بن حيّان: احذر ليلة صبيحتها القيامة، ولا تفارق الجماعة فتفارق دينك. يا هرم توسّد الموت إذا نمت، وأجعله أمامك إذا قمت، ولا تنظر إلى صغر ذنبك، ولكن أنظر إلى من عصيت؛ فإن صغّرت ذنبك فقد صغّرت اللّٰه! وقد سأله رجلٌ يومًا أن يكون صاحبه، فقال له أويس: سبحان اللّٰه، ما كنتُ أرى أحدًا يعرف اللّٰه-سبحانه-يستوحش مع اللّٰه![٧]
وروى الحاكم في مستدركه أنّ أويسًا -رضي اللّٰه عنه- كان يقول: كن في أمر اللّٰه كأنّك قتلت الناس كلّهم، وروي عنه أنّه -رضي اللّٰه عنه- كان إذا أمسى يقول: هذه ليلة الرّكوع، فيركع حتى يصبح، وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السّجود، فيسجد حتى يصبح، وكان أيضًا إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب ثمّ يقول: اللهم من مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانّا فلا تؤاخذني به، وعن الشعبي قال: مرّ رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد اللّٰه، قال: كيف الزّمان عليك؟ قال: كيف الزّمان على رجلٍ إن أصبحَ ظنَّ ألّا يُمسي، وإن أمسى ظن ألّا يصبح، فمُبشّـر بالجنة أو مَبشَّر بالنّار. يا أخا مراد، إنّ الموت وذكره لم يدَع لمؤمنٍ فرحًا، وإنّ عِلمه بحقوق اللّٰه لم يترك له في ماله فضةً ولا ذهبًا، وإنّ قيامه بالحقِّ لم يترك له صديقًا[٨].
المراجع
- ↑ "معنى التابعي"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "ترجمة أويس القرني رحمه الله"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 15-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الوادعي، في صحيح دلائل النبوة، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 497، صحيح على شرط مسلم.
- ↑ "أويس القرني المرادي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "لمحة عن سيد التابعين أويس القرني"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أُسَيْر بن جابر، الصفحة أو الرقم: 2542، صحيح.
- ↑ "أويس القرني المرادي"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "ترجمة أويس القرني رحمه الله"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 15-06-2019. بتصرّف.