من هو صريع الغواني

كتابة:
من هو صريع الغواني

مسلم بن الوليد

هو أبو الوليد مسلم بن الوليد الأنصاري، شاعر مُفلق، وُلِدَ في الكوفة عام 757م، ومع اختلاف الروايات في أصلِهِ، إلّا أن الراجح أنّه من الخزرج الأنصار، وقيل: أصلُهُ من بلاد فارس، وهو أحد الشعراء المشهورين في العصر العباسي، قال الشعر وهو صبيٌّ، نشأ في الكوفة وانتقل إلى البصرة، وقد اختصَّ بشعر المديح ونال منه مالًا وفيرًا أنفقهُ على الملذات؛ حتّى لُقِّبَ بصريع الغواني، وقد توفِّيَ مسلم بن الوليد سنة 823 م في جرجان، بعد أن لزم بيتَهُ في آخر أيام حياتِهِ ولم يمدح أحدًا منذ مقتل الفضل بن سهل وزير المأمون، وهذا المقال مخصص للحديث عن صريع الغواني وخمرياتِهِ.

قصة لقب صريع الغواني

تقول الروايات: إنَّ أوّل من لقِّبَ بصريع الغواني هو الشاعر القُطَامي عمير بن شييم، وكان هذا عام 747م تقريبًا، وهذه الرواية واردة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والذي يقول إنَّ سبب تسمية الشاعر عمير بهذا الاسم عائد إلى قولِهِ:

صريعُ غوانٍ راقهنَّ ورُقنَهُ          لدنْ شبَّ حتى شابَ سودُ الذوائبِ

وقال البغدادي أيضًا: "وقد لقب القطامي صريع الغواني بهذا البيت، وهو أول من لقب به، وقد ذكر في الأوليات، ثم لقب به مسلم بن الوليد"، والمشهور بهذا اللقب هو الشاعر العباسي مسلم بن الوليد، الذي أطلقَ عليه الخليفة الرشيد هذا اللقب، وسبب تسميته صريع الغواني يعود إلى أنَّ مسلم بن الوليد قام ذات مرّة ينشد الرشيد شعرًا، فأعجبَ الرشيدَ ما قالَهُ من وصف الشراب والغزل واللهو، فأكرمَهُ وأعطاه المال الوفير، فقد أعجب الخليفة بقولِهِ في قصيدتِهِ التي يستهلها بقولِهِ: [١]

أديرا عليّ الكأس لا تشربا قبلي        ولا تطلبا من عند قاتلتي ذَحْلِي

وما العيش إلا أنْ تروح مع الصِّبا         صريعَ حميّا الكأسِ والأعينِ النُجْلِ

فسمّاه الرشيد صريع الغواني بعد أن سمع منه هذين البيتين.

التجديد الشعري عند صريع الغواني

لقد كان صريع الغواني شاعرًا من الفحول، عاصر العباس بن الأحنف وأبا نواس وبشار بن برد ودعبل الخزاعي، واستطاع أن يظهر نفسه بين هؤلاء الفحول، فقد استطاع أن يجمع بين أصالة الشعر العربي القديم ونماذجِهِ وبين حركة الحداثة الشعرية التي شهدها عصرُهُ آنذاك، فكان شعرُهُ قويَّ البناء، شديد الإحكام، متين الصنعة والسبك والحبك، غنيًّا بالمحسنات البديعية، خاصّة في شعر المديح الذي أكثر منه صريع الغواني.

وقد اشتهر بخمريّاته التي كان يقدّم بها لقصائد المديح وكانَ مسلم بن الوليد على صراع دائم ومنافسة شرسة مع أبي النواس شاعر الخمريات في ذلك العصر، فاستطاع صريع الغواني أن يكون شاعرًا فحلًا في عصر كثر به الفحول، واستطاع أيضًا أن يتفنّن في إظهار جمال غزلِهِ ومدائحهِ جامعًا بين أصالة الشعر العربي القديم وبين الصياغة الشعرية المبسطة التي ظهرت وكانت تمثل حركة الحداثة الشعرية آنذاك، ولعلَّ أبرز ما يظهر هذا المزيج الرائع بين رقّة الكلمات والإحساس، وجزالة اللفظ وقوة السبك هو قولُهُ: [٢]

إذا التقينـا مَنَعْنا النـومَ أعينَنا            ولا نلائم غمضاً حين نفترقُ

أُقرُّ بالذَّنْب منيِّ لستُ أعرفُه            كيما أقولُ كما قالت فنتّفِقُ

حَبَسْتُ دمعي على ذنبٍ تجدِّدهُ       فكلَّ يومٍ دموعُ العين تسْتبقُ.

خمريات صريع الغواني

إنَّ مصطلح الخمريات يعني الشعر الذي قيل في وصف الخمر، أو في وصف الحالة الشعورية التي يعيشها الشاعر الذي اشتهر بكتابة الخمريات، ولعلَّ أكبر شعراء الخمريات هو أبو نواس، الذي اشتهرت بكثرةِ خمرياتِهِ وقوتِها، ومن شعراء الخمريات الذين استطاعوا أن يجاروا أبا نواس في هذا النوع من الشعر هو صريع الغواني مسلم بن الوليد الذي اشتهر بعدد من خمرياتِهِ وهي: [٣]

  • قال في إحدى خمرياتِهِ:

أَريقاً مِن رَضابِكَ أَم رَحيقا        رَشَفتُ فَكُنتُ مِن سُكري مُفيقا

وَلِلصَهباءِ أَسماءٌ وَلَكِنْ           جَهِلتُ بِأَنَّ في الأَسماءِ ريقَا

  • وقال أيضًا:

طَرَقَ الخَيالُ فَهاجَ لي بَلبالا            أَهدى إِلَيَّ صَبابَةً وَخَبالا

أَنّى اِهتَدى حَتّى أَتاني زائِراً          مُتَنَكِّراً يَتَعَسَّفُ الأَهوالا

بِأَبي وَأُمّي مَن طَلَبتُ نَوالَهُ           إِذ زارَني فَأَبى عَلَيَّ دَلالا

لَو أَنَّهُ خَلَطَ الدَلالَ بِنائِلٍ                فَأَنالَنا كانَ الدَلّالُ حَلالا

بارَزتُهُ وَسِلاحُهُ خَلخالُهُ                حَتّى فَضَضتُ بِكَفِّيَ الخَلخالا

هَذا الخَيالُ فَكَيفَ لي بِمُنَعَّمٍ         رودِ الشَبابِ تَخالُهُ تِمثالا

صَمَتَت خَلاخِلُهُ وَغَصَّ سِوارُه         وَالقُلبُ وَاِضطَرَبَ الوِشاحُ وَجالا

ما زالَ يَدعوني بِمُقلَةِ ساحِرٍ             مِنهُ وَيَنصِبُ لِلفُؤادِ حِبالا

حَتّى خَضَعتُ لِحُبِّهِ فَاِقتادَني             وَأَذَلَّني بِصُدودِهِ إِذلالا

جَلَبت دُموعي عَبرَةٌ مِن زَفرَةٍ            شَجَتِ الفُؤادَ فَأَسبَلَت إِسبالا

كَسَبَت لِقَلبي نَظرَةً لِتَسُرَّهُ               عَيني فَكانَت شَقوَةً وَوَبالا

ما مَرَّ بي شَيءٌ أَشَدُّ مِنَ الهَوى         سُبحانَ مَن خَلَقَ الهَوى وَتَعالى

يا رُبَّ خِدنٍ قَد قَرَعتُ جَبينَهُ                بِالطاسِ وَالإِبريقِ حَتّى مالا

إِبريقُنا سَلَبَ الغَزالَةَ جيدَها                وَحَكى المُديرُ بِمُقلَتَيهِ غَزالا

بَينا نَرى الساقي بِأَحسَنِ حالَةٍ           إِذ مَدَّ حَبلاً لِلفِرارِ طِوالا

نادَيتُهُ اِرجِع لا عَدِمتُكَ فَاِسقِنا            وَاِرفِق بِكَأسِكَ لا تَكُن مِعجالا

نَفسي فِداؤُكَ مِن صَريعِ مُدامَةٍ           مالَت بِهامَتِهِ الكُؤوسُ فَمالا

فَمَضى عَلى غُلَوائِهِ مُتَحَيِّراً               سُكراً وَما أَلقى لِقَولِيَ بالا

هَذا النَعيمُ فَكَيفَ لي بِدَوامِهِ              أَنّى يَدومُ وَعَيشُهُ قَد زالا

  • وقال صريع الغواني أيضًا:

صَفراءَ مِن حَلَبِ الكُرومِ كَسَوتُها            بَيضاءَ مِن صَوبِ الغُيومِ البُجَّسِ

مُزِجَت وَلاوَذَها الحُبابُ فَحاكَها              فَكَأَنَّ حِليَتَها جِنِيُّ النَرجِسِ

وَكَأَنَّها وَالماءُ يَطلُبُ حِلمَها            لَهَبٌ تُلاطِمُهُ الصَبا في مَقبَسِ

جَهِلَت فَدارى جَهلَها فَتَبَسَّمَتْ            عَن مُشرَبٍ لَونَ الشُهولَةِ أَعيَسِ

وَالناسُ كُلُّهُمُ لِضِنيٍ واحِدٍ            ثُمَّ اِختِلافُ طَبائِعٍ في أَنفُسِ

حَتّى إِذا نَضَبَ النَهارُ وَأُدرِجَتْ           في اللَيلِ شَمسُ نَهارِهِ المُتَوَرِّسِ

ساوَرتُهُ فَاِمتَدَّ ثُمَّ تَقَطَّعَتْ               أَنفاسُهُ في صُبحِهِ المُتَنَفِّسِ

وَالعيسُ عاطِفَةُ الرُؤوسِ كَأَنَّما        يَختِلنَ سِرَّ مُحَدِّثٍ في الأَحلُسِ

المراجع

  1. المذاكرة في ألقاب الشعراء, ، "www.shamela.ws "، اطُّلِع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرُّف
  2. مسلم بن الوليد, ، "www.marefa.org "، اطُّلِع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرُّف
  3. العصر العباسي: صريع الغواني, ، "www.adab.com "، اطُّلِع عليه بتاريخ 02-11-2018، بتصرُّف
3817 مشاهدة
للأعلى للسفل
×