ولادة عبد الله بن الزبير
عندما هاجر المسلمون إلى المدينة قرّرَ اليهود أن يستفزّوا المسلمين، فنشروا خبرًا في المدينة المنورة ليُحبطوا المسلمين وهو أنّهم قد سحروا المسلمين ولن يلِدَ لهم، فلمّا وُلد عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- حمله المسلمون في طرقات المدينة مكبّرين مُهلّلين،[١] وتروي السيدة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- ظروف ولادة ابنها عبد الله فتقول: خَرَجْتُ وأَنَا مُتِمٌّ فأتَيْتُ المَدِينَةَ فَنَزَلْتُ بقُبَاءٍ فَوَلَدْتُهُ بقُبَاءٍ، ثُمَّ أتَيْتُ به النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَوَضَعْتُهُ في حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ في فِيهِ، فَكانَ أوَّلَ شيءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا له، وبَرَّكَ عليه وكانَ أوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ في الإسْلَامِ.[٢][٣]
عبد الله بن الزبير
هو الصحابيّ الجليل ابن حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبوه الزبير بن العوام، وأمّه أسماء بنت أبي بكر الصدّيق، وخالته هي السيدة عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، وهو أحد العبادلة الأربعة الذين هم من علماء الصحابة، وهو واحد من شجعان المسلمين الذين كُتِبَت في فضائلهم صفحات كثيرة، ولد في عام الهجرة، وكانت خالته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تتعهّده بالرّعاية والعناية حتّى كُنّيَت بأمّ عبد الله لأنّها لم تُنجِب ولدًا، وقد بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن سبع سنين، وممّا يميز شخصيّته كثرة عبادته، فكانت لياليه ثلاثًا: ليلةٌ يقضيها قائمًا حتى الصباح، وليلة يقضيها راكعًا، وليلة يقضيها ساجد.
ويروي عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- موقفًا حدث معه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيذكُرُ أنه أتى النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وهو يحتجمُ، فلما فرَغ قال: "يا عبدَ اللهِ، اذهَبْ بهذا الدمِ فأهرِقْه حيثُ لا يراكَ أحدٌ"، فلما برَز عن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عمَد إلى الدمِ فشرِبه، فلما رجَع قال: "يا عبدَ اللهِ، ما صنعتَ"؟ قال: جعَلتُه في أخفى مكانٍ علِمتُ أنه يَخفى عنِ الناسِ، قال: "لعلَّكَ شرِبتَه"، قال: نعَم، قال: "ولِمَ شرِبتَ الدمَ؟ ويلٌ للناسِ مِنكَ، وويلٌ لكَ منَ الناسِ"،[٤] ولعلّ هذا الدم كان سببًا في زيادة شجاعة عبد الله بن الزبير التي لم يُرَ لها مثيلٌ، وكذلك كان ابن الزبير يتصف بشجاعة كبيرة مذ كان طفلًا، فقد مرّ عمر بن الخطّاب يومًا بصبيان يلعبون وكان ابن الزبير معهم، ففرّ الصبيان وبقي ابن الزبير ثابتًا ولم يهرب، فسأله عمر: لِمَ لَم تهرب مع رفاقك؟ فأجاب ابن الزبير بثبات: لم أجرم فأخافك، وليس الطريق ضيقًا فأوسع لك.
وفي شجاعته أيضًا يذكر عمر بن عبد العزيز أنّه سأل يومًا ابن أبي مليكة عن صفة عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- فقال: "والله ما رأيت نفسًا رُكّبت بين جَنْبين مثل نفسه، ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليه، وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله، لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جدارًا أو ثوبًا مطروحًا، ولقد مرَّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي، فوالله ما أحسَّ بها ولا اهتزَّ لها، ولا قطع من أجلها قراءته، ولا تعجَّل ركوعه"، بايعه المسلمون بالخلافة بعد وفاة يزيد بن الصحابي معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه وعن أبيه أبي سفيان- ودامت خلافته حتى قتله الحجّاج في عهد عبد الملك بن مروان،[٥] ومنذ ذلك الوقت صحّت خلافة عبد الملك وكان قبلها ليس بخليفة على أصحّ الأقوال، والله أعلم.[٦]
مقتل عبد الله بن الزبير
يذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنّ الحجّاج الثقفي نصب المناجق على جبال مكّة وحاصر عبد الله بن الزبير في الحرم، وصار يرمي الحرم بالمناجق، فقتل بذلك خلقًا كثيرًا، وصارت الصواعق تنزّل على جند الحجّاج، فقتلت منهم كثيرًا، فقال لهم الحجّاج إنّ هذه البروق تصيب الجميع وليست عقابًا من الله تعالى، وفي اليوم التالي جاءت صاعقة فقتلت جنودًا من جيش ابن الزبير فتشجّع جنود الحجّاج وظنّوا أنّ كلام الحجّاج صحيح، فتابعوا قصفهم للحرم وابن الزبير محتمٍ به، وقد تفرَّقَ عنه كثير من رجاله بعدما طال الحصار، فاستشار أمّه أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- فأشارت عليه بالثّبات وعدم الخضوع للحجّاج وجيش الأمويين، فخرج عليهم وحاربهم بضراوة إلى أن رموه بآجُرَّة في وجهه، فلم يأبه لها، ولكنّه عندما وجد حرارة الدّم ورآه ينزل على وجهه تمثّل بقولهم:
ولسنا على الأعقاب تُدمى كلومنا
- ولكن على أقدامنا تقطر الدِّمَا
فوقع وأغمي عليه -رضي الله عنه- وكان عمره ثلاثةً وسبعين عامًا، فتجمّعوا عليه وقتلوه.[٧]
المراجع
- ↑ ""عبد الله بن الزبير - أي رجل وأي شهيد""، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 3909، حديث صحيح.
- ↑ "أول مولود في الإسلام بالمدينة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن عبد الله بن الزبير، الصفحة أو الرقم: 4/ 434، حديث إسناده حسن.
- ↑ "عبد الله بن الزبير"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2019. بتصرّف.
- ↑ جلال الدين السيوطي (2013)، تاريخ الخلفاء (الطبعة الثانية)، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 354. بتصرّف.
- ↑ "كتاب: البداية والنهاية"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2019. بتصرّف.