منهج القدوة في تربية الأبناء

كتابة:
منهج القدوة في تربية الأبناء

القدوة وأنواعها

تُعرّف القدوة في اللغة بأنها: ما يتخذه الغير مثالًا فيقلده ويحتذي به ويسير على نهجه، ويمكن التعبير عنها بلفظ الأسوة، كما يمكن تعريفها في الاصطلاح بأنها منهج عملي للتصرف والسلوك والتعامل مع المواقف بما يتناسب مع الاعتقاد الوجداني، والقدوة أكثر من نوع فمنها القدوة الحسنة أو الصالحة وهي تقسم إلى قسمين قدوة صالحة مطلقة وتتمثل بالأنبياء والرسل الكرام، وسبب كونها مطلقة هو أن الأنبياء معصومون عن الخطأ والزلل والمعاصي، وقسم ثاني وهو القدوة الصالحة المقيّدة ويمثلها المربين الصالحين كالوالدين والمعلمين، أما النوع الثاني وهو القدوة السيئة وروادها هم دعاة الفساد والانحلال والفسق، وسيستعرض هذا المقال منهج القدوة في تربية الأبناء وأهميته.[١]

تعريف القدوة الصالحة

إن القدوة الصالحة هي أحد أنواع القدوات كما تم بيانه ويمكن تعريفها بأنها: المثال والنموذج الواقعي والعملي للتصرف الأخلاقي الأفضل، وقد تكون هذه القدوة نموذج حي ومُشاهد كوجود الأب في الأسرة أو تكون مثال غائب ويتم الاقتداء به عن طريق ما عُرف عنه من أخبار وسير مثل الاقتداء بالأنبياء والصالحين من العلماء الربانيين، وتكون القدوة بالنسبة للفرد شخصًا واحدًا أما قدوة الجماعة فتكون مجتمعية أيضًا كاقتداء المجتمع الإسلامي بمجتمع الصحابة وعصر رسول الله.[٢]

كما عبّر القرآن الكريم عن القدوة الصالحة بالأسوة الحسنة في أكثر من موضع في القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى في سورة الأحزاب: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}،[٣] فإن الاقتداء بالرسول الكريم والتأسي به هو أحد أهم وعوامل اكتساب الأخلاق والالتزام بالدين في أكمل الصور وبالتالي يكون سبيلًا لرضى الرحمن والفوز بالجنان، ويكفي في هذا وصف السيدة عائشة لخلق رسول الله حيث قالت: "كان خُلُقُه القُرآنَ"،[٤] فحريٌّ بمن كان متمثلًا بالقرآن في كل حركاته وسكناته أن يتخذه المسلمون قدوةً وأسوةً في أخلاقهم وشؤونهم جميعًا التي يعد من أهمها تربية الأبناء والتزام منهج القدوة في تربية الأبناء الذي انتهجه رسول الله وأولاه عناية خاصة.[٢]

منهج القدوة في تربية الأبناء

إن منهج القدوة في تربية الأبناء هو أهم وسائل التربية وأساليبها على الإطلاق فالإنسان بطبيعته مفطور على التقليد والمحاكاة، وخصوصًا عندما يكون طفلًا لا يفقه من الدنيا شيء فيكون سبيله الوحيد لاكتشاف العالم من حوله والتعامل مع الأشياء هو والديه فاللغة يأخذها عن والديه وطريقة الأكل ويتعلم من خلال والديه وتصرفاتهما وما يجب فعله في حال حضور ضيوف وكيفية التعامل مع الأشخاص الغرباء، وأهم من هذا كله أن الإنسان يكون في بدايات حياته على دين والديه، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُشَرِّكَانِهِ".[٥][٦]

يظهر من الحديث السابق أهمية دور الآباء في إبقاء فطرة الطفل سليمة وتنمية التزامه بالدين الإسلامي الذي هو الفطرة الصحيحة التي خلق الله عباده عليها، حيث قال سبحانه في كتابه العزيز: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ}،[٧] فيجب على المربي أن يكون صاحب رسالة وعقيدة صحيحة في نفسه ليتمكن من ترسيخ القواعد الإسلامية الصحيحة في نفوس أبنائه، والتزام منهج القدوة في تربية الأبناء يكون بالتزام المربي بفروضه من صلاة وصوم وزكاة، وبأداء العبادات والتقرب إلى الله، فلا بدّ إذن للوالدين من إصلاح النفس إصلاحًا حقيقيًا ومجاهدتها وتربيتها ليكونا خير مثال وقدوة لأولادهما.[٨]

أهمية التربية بالقدوة الصالحة

إن التربية بالقدوة مهمة جدًا في إعداد جيل مسلم محافظ على دينه لا يقبل الهوان والذل ولا يساوم على عقيدته وقيمه، فالكلام والوعظ له أثره في التربية ولكن يبقى الأثر الأكبر في تطبيق هذه المواعظ والنصائح تطبيقًا عمليًا، والانتقال من دائرة القول إلى دائرة الفعل هو أول خطوات النجاح في تربية الأبناء، فالله -عزّ وجلّ- أرسل لعباده بشرًا مثلهم لكي يبلغوا رسالته حيث قال سبحانه في سورة الإسراء: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا}،[٩] ويتبين من هذه الآية ضرورة كون القدوة واقعية وحقيقية وعدم مطالبة الأبناء بفعل أشياء خارقة للعادة أو عدم مراعاة قدراتهم واهتماماتهم ومطالباتهم بالكمال الإنساني، فرسول الله هو أعظم قدوة في تاريخ البشرية لم يطالب أصحابه ومن حوله بالتزام جميع تصرفاته وأفعاله، وإنما أرشدهم لما يتوجب عليهم اتباعه وفعله ولما يُستحب، وراعى طبيعة النقص ومبدأ الاختلاف والتباين بين النفوس فأرسى بذلك أعظم نموذج لمنهج القدوة في تربية الأبناء.[١٠]

مقاصد التربية في الإسلام

بعد الحديث عن منهج القدوة في تربية الأبناء وأهميته لا بدّ من الإشارة إلى بعض من مقاصد التربية في الإسلام وأهدافها، فأهداف التربية هي التي تحدد الطريقة والوسيلة الصحيحة المتبعة للوصول لهدف معين، ومن هذه الأهداف الوصول بالأبناء وتنشئتهم ليحققوا الهدف الأسمى الذي خلقوا من أجله ألا وهو عبادة الله -عزّ وجلّ- وحده لا شريك له، وزرع العقيدة السليمة في وجدان الأبناء وما يتعلق بذلك من وجوب محبة الله ومحبة الرسول الكريم والاقتداء به، كما أن زرع الأخلاق الحميدة والمحافظة على القيم الإسلامية من أهم مقاصد التربية وأهدافها، بالإضافة إلى تنمية الأطفال اجتماعيًا مثل تعليمهم آداب السلام والاستئذان ووجوب احترام الكبار في السن، مع مراعاة أهمية الحفاظ على الجانب النفسي والعاطفي لذى الأبناء ورعايتهم صحيًا وجسديًا، فهذا جميعه من المقاصد التي يسعى الإسلام لتحقيقها في أبنائه ليكونوا أفرادًا صالحين في أنفسهم مصلحين لغيرهم قادرين على حمل لواء الإسلام ونشر الدين الصحيح.[١٠]

فيديو عن منهج القدوة في تربية الأبناء

يتحدث الدكتور بلال إبداح في هذا الفيديو عن منهج القدوة في تربية الأبناء ويذكر أثر المنهج النبوي في التربية، ويوضح أن القدرات في استيعاب المعلومات والمواعظ متفاوتة أما الملاحظة لدى الأبناء لما يفعله آباؤهم فهي واحدة، ويوسّع دائرة المربين لتشمل بالإضافة إلى الأبوين المعلمين في المدارس والعلماء والدعاة.[١١]

المراجع

  1. "معنى القدوة وأقسامها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "من وسائل اكتساب الأخلاق القدوة الحسنة"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  3. سورة الأحزاب، آية: 21.
  4. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 24601، صحيح.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2658، صحيح.
  6. "القواعد الذهبية في تربية الأبناء تربية سوية"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  7. سورة الروم، آية: 30.
  8. "القدوة التربوية"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  9. سورة الإسراء، آية: 95.
  10. ^ أ ب "تربية الطفل في الإسلام .. خصائها وأهدافها وسائلها"، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
  11. "منهج القدوة في تربية الأبناء"، www.youtube.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2019. بتصرّف.
4205 مشاهدة
للأعلى للسفل
×