مواضع زيادة حروف الجر

كتابة:
مواضع زيادة حروف الجر

مفهوم الحرف الزائد

الحرف الزّائد: وهو الذي يزاد في الكلام دون أن يجلب معنًى جديدًا، وإنّما يذكر ليؤكّد ويقوّي المعنى العام في الجملة كلّها، فالحروف المؤكّدة تفيد توكيد المعنى العام للجملة، كتكرار تلك الجملة، وسواء كان المعنى في الجملة إيجابًا أم سلبًا، ولذلك حرف الجرّ الزّائد لا يحتاج إلى تعليق، كما أنّه لا يتأثّر المعنى الأصليّ بحذفه نحو قوله تعالى:{وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً}،[١] أي: يكفي اللهُ شهيدًا، فقد جاء "الباء" زائدًا ليفيد تقوية المعنى وتوكيده حال الإيجاب، فكأنّ الجملة تكرّرت كلّها لتوكيد إثباته وإيجابه، ومثال السّلب، نحو قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ...إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم}،[٢] أي ليست الدّوابّ أو الطّيور إلا أمم، فأتي بحرف الجر "من" لتوكيد ما تدلّ عليه الجملة السّابقة كلّها من المعنى المنفي، وتقوية ما تضمّنته من سلب، ولو حذف الحرف الزّائد في كلّ من المثالين السّابقين، لما تأثر المعنى الأصلي بحذفه وسيأتي الحديث عن مواضع زيادة حروف الجر.[٣]

مواضع زيادة حروف الجر

حروف الجر الزائدة أربعة وهي: اللّام والكاف والباء ومن، وتكون زيادة حروف الجر هذه في الإعراب دون المعنى، لأنّها يؤتى بها لغرض التّوكيد، وزيادة حروف الجر كالتّالي:[٤]      

  • زيادة اللّام: وتزاد اللّام سماعًا وقياسًا، فأمّا سماعًا، فتكون زيادتها للتّوكيد فقط، ومواضع زيادتها: بين الفعل ومفعوله، وهي رديئة وقليلة، نحو: قول الشّاعر:[٥]

وَمَلَكْتَ ما بَيْنَ الْعِراقِ ويَثْرِبٍ

مُلْكاً أَجارَ لِمُسْلِمٍ وَمُعاهِدِ

أي: أجار مسلمًا ومعاهدًا، وأمّا زيادتها قياسًا، فتكون لتقوية عامل ضعف عن العمل لسببين: الأوّل: لضَعفهِ بالتأخُّر، وتكون الزّيادة في مفعولٍ تأخَّرَ فِعلُهُ عنه، فزيادة حرف الجرّ اللّام لتقوية الفعل المتأخّر، نحو قولهِ تعالى: {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}،[٦] أي: ربهم يَرهبونَ، والثّاني: بسب كون العامل فرعًا في العمل، فجاءت الزّيادة في مفعول المشتقِّ العامل عمل فعله، لتقوية المشتق، لأنَّ عملَهُ فَرعٌ من عملِ فعلهِ، نحو قوله تعالى: {مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ}،[٧] أي مصدقًا ما معهم، وقولهِ تعالى: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}،[٨] أي: فَعّالٌ ما يريد.

  • زيادة الكاف: وزيادتها سماعيّة وقليلة جدًّا، فقد سمعت زيادتها في خبر ليس، نحو قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}،[٩] أي: "ليس مثلَهُ شيءٌ"، وفي المبتدأ، نحو قول الشّاعر في أرجوزته: لواحقُ الأقراب فيها كالمقق... أي: فيها المقق.
  • زيادة الباء: والباء أكثر أخواتها زيادة، وهي تزادُ في الإثباتِ والنفي، وتزاد في خمسةِ مواضعَ وهي: في فاعل كفى، نحو قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً}، وفي المفعول به سماعًا، نحو قوله تعالى: {وهُزِّي إليكِ بِجِذعِ النَّخلة}،[١٠] وفي المبتدأ، إذا كان المبتدأ "حسب"، نحو: بحسبِك دينارٌ، وفي خبر "ليس، ما" كثيرًا، وزيادتها هنا قياسيّة، نحو قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}،[١١] وفي الحال المنفيّ عاملَها، وزيادتها هنا سَماعيّةٌ، نحو قولِ الشاعر:[١٢]

فَما رَجعَتْ بِخائِبَةٍ رِكابٌ

حَكيمُ بْنُ المسيِّبِ مُنْتَهاها
  • زيادة من: وزيادتها في الفاعل والمفعول والمبتدأ، واشترط جمهور البصريين لزيادتها شرطين خلافاً للأخفش والكوفيين، وهما :أن يكون مجرورها نكرة، وأن تسبق بنفي أو شبهه، مثل النّهي والاستفهام بهَلْ، مثال زيادتها في الفاعل، نحو قوله تعالى: {مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ}،[١٣] زيادتها في المفعول، نحو قوله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ}،[١٤] وزيادتها في المبتدأ، نحو قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم}.[١٥]

موقف علماء اللغة من الزيادة في القرآن

إنّ وقوع الزيادة في القرآن أمر مختلف فيه بين العلماء؛ فكثير من النّحويّين واللّغويّين والبلاغيّين قالوا بوقوع الزّيادة، بقصد التّوكيد، كابن يعيش في "المفصّل"، وابن قتيبة في تأويل "مشكل القرآن"، وقال الزركشيّ في "البرهان في علوم القرآن": بأنّ المعنى المراد حاصل بدون الزّيادة، ولكن بدون التّأكيد، فبزيادته حصلت فائدة التّأكيد، وذكر بعض العلماء بأنّه لا يليق إطلاق عبارة الزّيادة في القرآن، بل الأصحّ أن تسمّى تأكيدًا، قال الطّرطوسي في "العمدة": زعم كلّ من المبرّد وثعلب ألّا صلة في القرآن، والدّهماء من العلماء، والفقهاء، والمفسرين على إثبات الصّلات في القرآن، وقال ابن الخبّاز في التّوجيه: وعند ابن السّراج أنّه ليس في كلام العرب زائد؛ وما ورد منه، حمله على التّوكيد،[١٦] ورأى الرّماني في كتابه "الجامع" والخطابي في "إعجاز القرآن": الزّيادة من باب الفصاحة؛ وتعرّض الزمخشري لهذه المسألة في "الكشاف"، فرأى بأنّ الزيادة لا تتوقّف عند مجرد التّوكيد كما يذكر السّابقون، بل لها فوائد بلاغية، وأمّا موقف الرّافعي من هذه المسألة: فإنّه يرى من المحال الزّيادة أو الاضطراب أو الحشو أو الاعتراض في كتاب الله تعالى، بل لكلّ حرف مقصده البلاغيّ والمعنويّ والإعجازيّ.[١٧]

  

المراجع

  1. سورة النساء، آية: 79.
  2. سورة الأنعام، آية: 38.
  3. "النحو الوافي"، www.marqoom.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-4-2020. بتصرّف.
  4. "حروف الجر / الجزء الثاني"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 22-4-2020. بتصرّف.
  5. محمد بن محمد حسن شراب (1427)، شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية (الطبعة 1)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 332، جزء 1. بتصرّف.
  6. سورة الأعراف، آية: 154.
  7. سورة البقرة، آية: 91.
  8. سورة البروج، آية: 16.
  9. سورة الشورى، آية: 11.
  10. سورة مريم، آية: 25.
  11. سورة التين، آية: 8.
  12. عبد القادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 300، جزء 10.
  13. سورة المائدة، آية: 19.
  14. سورة مريم، آية: 98.
  15. سورة فاطر، آية: 3.
  16. "هل يوجد في القرآن حروف زائدة؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-4-2020. بتصرّف.
  17. "مبحث الزائد في القرآن وموقف الرافعي منه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-4-2020. بتصرّف.
5355 مشاهدة
للأعلى للسفل
×