مفهوم الهلاك
إنّ الهلاك في اللغة هو مصدر للجذر الثلاثي "هَلَكَ" والمقصود به الموت والفناء، واشتقاقاته كثيرة منها هلكى وهُلّاك، والهُلّاك هم الصعاليك الذين يترددون على الناس ويسألونهم المعروف والعطاء،[١] وقد ذكر الفيروز آبادي في معجمه المسمّى "بصائر ذوي التمييز" بأنّ الهلاك قد يأتي على أكثر من وجه وبأكثر من سبب، وهذه الأسباب هي: فناء الشيء من عند الإنسان ونفاده من عنده رغم وجوده عند غيره، وذهاب الشيء بسبب الإفساد والتخريب، وذهابه بسبب انعدامه من الوجود بالكلية، كما قد يكون الموت هو سبب الهلاك، ومنه يُقال للأمور التي تؤدّي بصاحبها إلى الموت "تهلُكة" أي أنّ مظنّة الموت والهلاك متحقّقة فيها، وقد يُطلق الهلاك على الخوف والجوع والفقر، والهلك جمع هلكة وهي السنين المجدبة أي التي يُعاني فيها الناس من قلّة الطعام والماء بسبب امتناع المطر عن النزول، ولجميع المعاني السابقة شواهد قرآنية وفي هذا المقال سيكون الحديث عن مواطن ذكر مصطلح الهلاك في القرآن ودلالتها.[٢]
مواطن ذكر مصطلح الهلاك في القرآن ودلالتها
إنّ كلمة "الهلاك" لم تُذكر في القرآن الكريم بهذه الصيغة، وإنّما ذُكرت باشتقاقاتها المتعدّدة نحو: "هلك ويهلك وأهلكناهم والتهلكة"، وغير ذلك من الاستعمالات، وقد تردّدت هذه الاشتقاقات كثيرًا في القرآن الكريم، وفيما يأتي بعض الشواهد القرآنية لمصطلح "الهلاك" مع ذكر المعنى المراد في كلّ شاهدٍ ودليل:[٣]
- جاء في القرآن الكريم ذكرٌ لكلمة الهلاك بمعنى الموت، ومنها قوله تعالى في سورة النساء: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ }،[٤] وقد حكت بعض المعاجم اللغوية أنّ كلمة الهلاك لا تُذكر إلّا عند الحديث عن ميتة السوء،[٥] ولكنّ استعمال القرآن لها بهذا السياق بالإضافة إلى استعماله لكلمة "هلك" عند الحديث عن موت النبي يوسف؛ حيث قال في سورة غافر: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ }،[٦] يدلّ على جواز استعمال كلمة الهلاك بمعنى الموت مع المسلم والكافر والله تعالى أعلم.[٧]
- جاء مصلح الهلاك في القرآن الكريم بمعنى العذاب والفناء وهذا كثيرًا ما يُستخدم عند الحديث عن الكفّار والظالمين، كقوله في سورة الأنعام: {ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ}،[٨] وقوله حكايةً عن قوم ثمود: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}،[٩] وغير ذلك من الأمثلة التي يتبيّن من خلالها أنّ الله -عزّ وجلّ- قد أهلك الظالمين بالعذاب والموت السيء وأزالهم من الوجود حتى انقطعوا وقُطعت ذريتّهم من الأرض.[٥]
- إنّ مصطلح الهلاك لا يعبّر فقط عن موت الإنسان حيث تمّ استخدامه للتعبير عن زوال الجاه والسلطان، فقد قال تعالى: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}،[١٠] كما عبّر به سبحانه عن حال جميع المخلوقات التي مصيرها هو الزوال والفناء، حيث قال في سورة القصص: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ }،[١١] فكل شيء سوف يزول ويفنى.[٥]
- قال بعض أهل العلم أنّ الهلاك بمعنى الموت لا يعبّر عن الموت بكل أحواله إذ إنّ الهلاك عندما يُراد به الموت فيكون المراد معنى زائد عن مجرد الموت وهو الانقطاع أي كون الميت قد انقطع نسله ولم تبقَ له ذرية وفي حال الأنبياء فإنّهم لا يُورثّون وهذا وجه استخدام مصطلح الهلاك عند الحديث عن موت النبي يوسف وكذلك الأمر عند الحديث عن النبي صالح في قوله تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}،[١٢] فالرهط وهم تسعة أشخاص قد وصفوا موت النبي صالح وأهله بالمهلِك لأنّ نيتهم كانت قتلهم جميعًا.[٥]
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى هلاك في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-29. بتصرّف.
- ↑ "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-29. بتصرّف.
- ↑ "آيات ورد فيها "هلك""، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-29. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:176
- ^ أ ب ت ث "هل هلك يوسف عليه السلام"، majles.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-29. بتصرّف.
- ↑ سورة غافر، آية:34
- ↑ "وصف الميت المسلم بـ: الهالك"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-29. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنعام، آية:131
- ↑ سورة الحاقة، آية:5
- ↑ سورة الحاقة، آية:29
- ↑ سورة القصص، آية:88
- ↑ سورة النمل، آية:49