مواقف وقصص عن عدل عمر بن الخطاب

كتابة:
مواقف وقصص عن عدل عمر بن الخطاب

عمر بن الخطاب والرجل المصري

وفي وقت هذه القصة وهذا الحدث، كان عمر بن العاص أميرًا على مصر، وكان قد ولاه عمر بن الخطاب، ليقوم بمتابعة شؤون العباد وتحقيق مصالحهم، والقصة ابتدأت عندما أجرى عمرو بن العاص سباقًا للخيول، فيظهر كلّ من في مصر مهاراته في الفروسية، ومن ضمن الذين تقدموا للسباق، ابن عمر بن العاص، واسمه محمد، وفي نهاية السباق كان خيل المصري قد سبق خيل ابن العاص، فغضب لنفسه، وضرب المصري بالسوط وقال: خذها وأنا ابن الأكرمين، فما كان من المصري إلا أن يذهب إلى أمير المؤمنين يشكو مظلمته، ليردَّ له حقه، فأتى عمر بن الخطاب بأمير مصر عمرو بن العاص وولده.[١]


فأمر ابن الخطاب المصري أن يضرب ابن عمرو بن العاص بالسوط الذي ضُربَ فيه بمصر، وقال: دُونَكَ الدِّرَّةُ فَاضْرِبْ بِهَا ابْنَ الأَكْرَمِينَ! اِضْرِبْ ابْنَ الأَكْرَمِينَ،  وأما عن جزاء أمير مصر عمرو بن العاص فقد قال له القول المشهور: أَيَا عَمْرُو، مَتَى اسْتَعْبَدْتُم النَّاسَ وَقَدْ وَلَدَتهُم ْأُمَّهَاتُهُم أَحْرَارًا، وقد وردت هذه القصة بكتب التاريخ والأخبار وعلى ألسنة الناس.[١]


عمر بن الخطاب وعام الرمادة

وما ذكر في كتب السيرة عن موقف عمر بن الخطاب، أنه كادّ أن يموت في هذا العام لا من المجاعة التي أصابت المسلمين آنذاك، إنما من الهم والغم الذي أصابه على حال المسلمين، ولم يكن بيده حيلة لحلّ هذا الأمر، فعام الرمادة هو العام الذي أصيبت فيه المدينة وبعض بلاد نجد بالمجاعة، وكان عمر بن الخطاب أكثر المتأثرين كمدًا وحزنًا في هذا العام، فلم يقرب امرأة له من همِّه الذي طال لحال المسلمين، فأنفق كلَّ مال بيت المسلمين، فاستشعر -رضي الله عنه- معنى المسؤولية والأمانة التي يجب أن يقوم فيها على أكمل وجه، فما انفكَ يقول: إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة.[٢]


وسُميّ عام الرمادة بهذا الاسم لأن الأرض اسودَّت من قلة المطر، فجفَّت الأرض والتربة، وأصبح لونها يشبه الرماد بعد الاحتراق، وما أصاب أرض الحجاز من جفاف أدى إلى جفول الأحياء عن المدينة، فألزم عمر بن الخطاب نفسه على عدم أكل السمن واكتفى بالزيت الذي لا يُشبع، فصار حاله كحال المسلمين من اسوداد الوجه وضعف الجسم وهزله،[٣]


واستمر هذا الحال طويلًا ومن صعوبة الحال هذا الموقف، كان الناس لا يتحدثون ولا يضحكون فأرسل عمر إلى كل من أمير مصر والبصرة، وناشدهم: يَا غَوْثَاهُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وكما ورد عن الشافعي أنه وعقب انقضاء هذا الحال أتى رجل من العرب إلى المدينة، وقال له: لقد انجلت عنك ولأنك لَابْنُ حُرَّةٍ. أَيْ وَاسَيْتَ النَّاسَ وَأَنْصَفْتَهُمْ وَأَحْسَنْتَ إِلَيْهِمْ.[٣]


عمر بن الخطاب والبطيخ

ورد في هذا الموقف الذي حصل مع ابن عمر بن الخطاب في عام الرمادة، وهو العام الذي لم يجد فيه الناس أي شيء ليأكلوه، فكان ولده يحمل في يده في بطيخة، فعنما رأى عمر بن الخطاب هذا، غضب على ولده وقال: بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين تأكل الفاكهة وأمة محمد هزلى، وفي هذا الموقف يؤكد عمر بن الخطاب حرصه على الأمانة والمسؤولية التي يقوم بها من أجل رعيته.[٤]


عمر بن الخطاب وخطاب نهيه لأهل بيته

كان عمر بن الخطاب شديدًا في خطابه لأهل بيته، وشديد العناية والرقابة على التزامهم بأحكام الدين، فكان حرصه بسبب معرفته أن الناس تنظر له ولأهله وتترقب أفعله، بالإضافة إلى أنه يجب عليهم أن يكونوا مثلًا لهم في الالتزام والحرص، وفيما ورد عن عبد الله أن عمر بن الخطاب كان عقب أن ينهى الناس عن شيء توجه لأهله وقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل منكم وقع في شيء مما نهيت عنه الناس إلا أضعفت له العقوبة لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم، ومن شاء فليتأخر.[٥]


وكان عمر بن الخطاب قد منع أهله من الاستفادة من المرافق التي تقيمها الدولة لعامة الناس والمحتاجين، وفيما ورد عن عبد الله ابن عمر، أنه اشترى إبلًا وذهب بها إلى أرض مخصصة لرعاية الإبل، فعندما زاد وزن الإبل وسمنت عاد بها إلى السوق، وعندما مرّ عمر بن الخطاب ورأى هذه الإبل وعلم أنها لولده وبخه، مخافة أنها سمنت بسبب حرص القائمين عليها على إبل إبن أمير المؤمنين وأمره بإبقاء رأس ماله والتبرع بالباقي لبيت مال المسلمين.[٦]


عمر بن الخطاب وإقامة الحد على ابنه

الحد الذي أقامه عمر بن الخطاب، على ابنه عبد الرحمن بسبب شربه للخمر في مصر، فقام أخوه بأخذ عبد الرحمن ليقام عليه الحد عند أمير مصر عمرو بن العاص، ولكن أقاموه سرًا، وقد كان الحد حينها يقام علنًا وأمام الناس وعلى مرأى الجميع، فعندما علم ابن الخطاب بذلك أرسل بابنه إلى المدينة وأقام عليه الحد أمام العالمين، ولم يأخذ بوجوب سقوط الحد الأول، ذلك لأنَّه أقيم سرًا، فكأنه لم يكن، وعاش عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب مدة ثم مرض ومات، ولم يكن مرضه بسبب الجلد.[٧]


عمر بن الخطاب وخصومة المسلم واليهودي

وأما عن المسلم فكان ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي ابن أبي طالب، وقد كان علي قد اختلف مع أحد من اليهود وحصل بينهما خصومة، فأتى هذا اليهودي إلى عمر بن الخطاب، واستدعى عمر عليًا، فقال له: يا أبا الحسن، قم فاجلس مع خصمك، فقام فجلس مع خصمه فتناظرا، وانصرف الرجل فرجع علي إلى مجلسه، فتبين عمر التغير في وجهه، فقال: يا أبا الحسن، ما لي أراك متغيرا؟ أكرهت ما كان؟ قال: نعم، قال: وما ذاك؟ قال: كنيتني بحضرة خصمي، فألا قلت لي يا علي قم فاجلس مع خصمك؟ فأخذ عمر برأس علي فقبل بين عينيه،[٨]


عمر بن الخطاب ومحاسبته لرعيته

وقد كان عمر بن الخطاب حريصًا كل الحرص على رعيته في كل شيء، من توليته إلى ولاة ذو ثقة وقوة وأصحاب رأي سديد، ليقوموا برعاية أمور المسلمين على أكمل وجه، فقد كان مسؤولًا عن كل مسلم في كل مكان تشمله ولايته، وقد عرف بأمانته وورعه في الفصل بين خلافات الناس، وكان يبتُّ فيها بنفسه، وما لا يستطيع أن يتم البتُّ فيها بسبب وجودها بالأقاليم والولايات المختلفة، كان يحكم فيها أهل القوة والأمانة ومن يثق برأيهم، وحرصهم على العدل مثله.[٩]


وما ورد عنه عند تولية أمور الفصل بين الناس، أنه قال: فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا هو يتحدث عن العمال، ومن غاب عنا وليناه أهل القوة والأمانة، فوالله لا يحضرني شيء من أمركم فيليه أحد دوني، ولا يتغيب عني فألو فيه الجزء والأمانة، ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم، ولئن أساءوا لأنكلن بهم.[٩] ولشدة ما كان عمر بن الخطاب معروفًا بعدالته وسياسته في تحمل المسؤولية، وحرصًا منه في تتبع كل قضية ومظلمة تعرض عليه كان يقول: أيُّما عاملٍ لي ظلم أحداً، فبلغتني مظلمته فلم أغيِّرها فأنا ظلمته.[١٠]


عمر بن الخطاب وموت الرجل في الماء

وفيما ورد عن عمر بن الخطاب في كتب السيرة، أنه خرج جيش زمن عمر بن الخطاب، وانتهى بهم الحال إلى نهر ليس عليه جسر فما كان من أمير ذلك الجيش إلا أن أجبر رجلًا على السباحة في ماء النهر، فاعترض هذا الرجل وقال: إنِّي أخاف إن دخلت هذ الماء أن أموت، فأجبر أمير الجيش هذا الرجل وأكرهه إلى النزول إلى النهر، فما كان من الرجل إلا أن قال قبل نزوله: واعمراه واعمراه، ثمَّ لم يلبث الرجل وهلك أي مات.[١١]


فوصل هذا الأمر لأمير المؤمنين، وقام بإحضار أمير الجيش ونزعه عن الجيش وقال: لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً لَأَقَدْتُ مِنْكَ، لَا تَعْمَلْ لِي عَلَى عَمَلٍ أَبَدًا، وقام عمر بن الخطاب بتحميل دية هذا الرجل لأمير الجيش.[١١]


عمر بن الخطاب وتنحي الخدم عن الأكل

ويذكر أنه عندما قدم عمر بن الخطاب لأداء فريضة الحج، نزل في بيت صفوان بن أمية وصنع له طعامًا، وقد حمل جفنة الطعام أربعًا من الخدم، فوضعوها بين القوم ورحلوا، فعنما رأى أمير المؤمنين هذا قال: أترغبونه عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكنا نستأثر عليهم، فأمر أمير المؤمنين الخدم بأن يجلسوا ويأكلوا ولم يأكل هو ليأكل الخدم ويكفيهم الطعام، فاستنكر الموقف وغضب بشدة ثم قال: ما لقوم يستأثرون على خدامهم، فعل الله بهم وفعل.[١٢]



كما يمكنك التعرّف أيضًا على قصة عمر بن الخطاب مع الشيطان بالاطلاع على هذا المقال: قصة عمر بن الخطابمع الشيطان


كما يمكنك الاستزادة بالاطلاع على قصص عمر بن الخطاب بالاطلاع على هذا المقال: قصة أويس القرني مع عمر بن الخطاب

المراجع

  1. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، أرشيف منتدى الفصيح. بتصرّف.
  2. علي بن عمر بادحدح، دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح، صفحة 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ابن كثير، كتاب البداية والنهاية ط الفكر، صفحة 90. بتصرّف.
  4. ابن سعد، كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر، صفحة 315. بتصرّف.
  5. عبد السلام بن محسن آل عيسى، كتاب دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه، صفحة 250. بتصرّف.
  6. ياسر عبد الرحمن، كتاب موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق، صفحة 144. بتصرّف.
  7. ابن تيمية، كتاب مجموع الفتاوى، صفحة 287. بتصرّف.
  8. الزمخشري، كتاب ربيع الأبرار ونصوص الأخيار، صفحة 306. بتصرّف.
  9. ^ أ ب جامعة المدينة العالمية، كتاب السياسة الشرعية جامعة المدينة، صفحة 400. بتصرّف.
  10. أكرم العمري، كتاب عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين، صفحة 123. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ابن شبة، تاريخ المدينة لابن شبة، صفحة 812. بتصرّف.
  12. محمد نصر الدين محمد عويضة، كتاب فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 782. بتصرّف.
5095 مشاهدة
للأعلى للسفل
×