موضوع إنشاء عن الأخ

كتابة:
موضوع إنشاء عن الأخ

الأخوة علاقة مقدسة

العلاقة الأخوية علاقة لا تضايها علاقة أخرى، لا أحد في العالم يمكن أن يكون كأخيك، الأخ هو السند الحقيقي الذي يمكن أن يكون كعمودك الفقري، تتكأ عليه حينما تشعر بالعجز، وتتوارى بداخله حينما تشعر بالضعف، وتحتمي تحت جناحيه عندما تريد الأمان، وهو الذي سيشد أزرك، ويشاركك أمرك ويعينك في حياتك، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم على لسان موسى عليه السلام:" قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا" [١]


لم يختر موسى أحدًا دون أخيه هارون عليه السلام لكي يكون وزيره، مستشاره الأمين، من سيتكأ عليه ويشركه في أمره وحاله، هو وحده الذي رأى فيه أنه سيعاونه على الحق والخير، وهذا هو مثال الأخ الصالح، الذي يكون دوره معاونتك ومساعدتك ومدك بالقوة في الخير والحق.


وسبحان الذي جعل شعورنا تجاه الأخ مختلف، يمكنك أن تشعر بالغيرة من أي شخص إلا أخوك، فالأخ هو الوحيد الذي سيتمنى أن تكون أفضل منه، سيعترف بمميزاتك عن مميزاته، وبفضلك وذكائك عن فضله وذكاءه، وهذا ظهر بوضوح في علاقة موسى وهارون عليهما السلام، حيث قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على لسان موسى عليه السلام:" وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ" [٢]، يا الله ما أجمل علاقة الأخوة وشعور الأخوة تجاه بعضهم البعض، حينما تعترف بكل أريحية وحب أنك تحتاج أخوك لأنه أفصح منك لسانًا.


لذا فإن علاقة موسى وهارون من العلاقات الأخوية التي يضرب بها الأمثال، وحين يذكر أمامي قصص الأخ في القرآن يتبادر إلى ذهني أولًا أخوّة موسى وهارون عليهما السلام، وقد قال ابن أبي حاتم : "ذكر عن ابن نمير، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها خرجت فيما كانت تعتمر، فنزلت ببعض الأعراب، فسمعت رجلا يقول: أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه؟ قالوا: ما ندري. قال: والله أنا أدري. قالت: فقلت في نفسي: في حلفه لا يستثني، إنه ليعلم أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه. قال: موسى حين سأل لأخيه النبوة. فقلت: صدق والله. قلت: وفي هذا قال الله تعالى في الثناء على موسى عليه السلام: (وكان عند الله وجيها)".


حقوق وواجبات الأخ

ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أخوة وأنه يجب على الجميع الصلح بينهم، وهذا يعني أننا جميعًا أخوة في الإيمان، إلا أنني هنا أتحدث عن علاقة أخوة أخرى، وهي أخوة الدم، أخي ابن أمي وأبي، الذي ولد معي في نفس البيت، وتربى على نفس مائدة الطعام، ونام معي في نفس الغرفة، شاركني حياتي، وأحلامي، وألعابي، وطعامي، حفظ أسراري، وعوقب معي على مصائبي وأفعالي، هذا الأخ لا يعوض، وكما قال الشاعر مسكين الدرامي: [٣]


أَخاكَ أَخاكَ إِنَّ من لا أَخاً لَه

كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ


لذا فإن حقوق وواجبات الأخ تجاه أخيه كثيرة، على رأسها الإحسان إليه والتلطف معه، فإذا كان الله سبحانه وتعالى أمرنا بالإحسان إلى الجميع، فما بالك بالإحسان إلى الأخ؟ لذا إن عطفك تجاه الأخ الصغير واجب عليك، ومن واجباتك أن توده وترعاه وتنظر في احتياجاته، وكذلك الأخ الكبير له الحق في أن يزوره أخوته الأصغر، ويسألون عنه وعن احتياجاته، ويجب أن يشعروا جميعًا تجاه بعضهم البعض بالتسامح، ويلتمس كلًا منهم العذر للآخر، هل هناك أكثر مما فعل أخوة يوسف به؟ ورغم ذلك سامحهم، فقال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام في القرآن الكريم : "قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ". [٤]


كذلك من حق الأخوة على بعضهم البعض الإعانة سواء بالنفس أو المال، يجب على الأخ أن ينظر لأخيه ويعطي له من وقته وماله إذا كان يحتاج.


وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن طارق بن عبد الله المحاربي قال:" قدمنا المدينةَ فإذا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قائمٌ علَى المنبرِ يخطبُ النَّاسَ وَهوَ يقولُ يدُ المعطي العليا وابدأ بمن تعولُ أمَّكَ وأباكَ وأختَك وأخاكَ ثمَّ أدناكَ أدناكَ" [٥]، وهناك بعض الأفعال البسيطة التي من واجبات الأخوة أن يفعلوها لكي تصبح قلوبهم أكثر لينًا تجاه بعضم البعض، كأن يخبر الأخ أخوه من وقت لآخر أنه يحبه، وأن يهديه هدية مهما كانت بسيطة، وأن ينصحه بالحسنى ولا يبخل عليه بأي معلومة، وكذلك أن يدعو له لاسيما بظهر الغيب.


وأعتقد أنه رغم كل هذه الأشياء التي نقوم بها تجاه أخواننا فوالله لن نوفي لهم حقهم، لحظة واحدة قضيناها معهم، مسحة من يدهم على شعرنا، وتربيت من يدهم على كتفنا بالدنيا وما فيها.


سنشدّ عضدك بأخيك

سبحان من جعلنا ضعفاء بدون أخوتنا، تائهين لا نقوى على العيش إلا بهم، وهذا المعنى يتجلى بوضوح في الآية الكريمة:" قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ" [٦]، وقد قال الله سبحانه وتعالى أن الأخ سند وعضد كتشبيه بليغ، لأن العضد هو ما بين المرفق والكتف، وهو المكان الذي يعين اليد ويجعلها قوية، لذا فإن معنى آية: سنشد عضدك بأخيك أن الله سبحانه وتعالى وصف قبوله لدعوة موسى بأنه سيمنحه القوة والسند والإعانة بأخيه هارون عليهما السلام.


ويقال أنه في قديم الزمان كان هناك رجلًا حكيمًا له من الأبناء ثلاث، لكنهم كانوا دائمًا في خلاف مع بعضهم البعض، وقد نصحهم والدهم كثيرًا بضرورة تعاونهم لكن دون جدوى، لذا أراد الأب أن يعلم هؤلاء الأخوة درسًا يوضح لهم كيف أنهم معًا أقوياء وبمفردهم ضعفاء، ففي يوم طلب منهم أن يحضروا له حزمة من العصى، ويربطوها معًا.


ثم طلب من أولاده واحدًا واحدًا أن يحاولوا كسر هذه المجموعة، ففشلوا جميعًا، لذا قام بفك الحزمة ثم وزعها عليهم بالتساوي، وقال لهم اكسروها الآن، فكسروها بمنتهى السهولة، حينها قال لهم أنهم بتعاونهم معًا سيكونوا أقوياء ولن يستطيع أعدائهم هزيمتهم وكسرهم كهذه الحزمة تمامًا وهي مجتمعة، أما بتفرقهم فسيسهل على أعدائهم كسرهم والانتصار عليهم مثلما تكسرت هذه العصى.


ومن منا لم يمر عليه رثاء الخنساء لأخيها صخر، التي صنفت أنها أجمل أبيات شعر عن الأخ وأكثرها حزنًا، فأخوها الذي كان نعم السند لها، والتي ظلت تذكره في أشعارها وتبكي عليه دمًا لا دموعًا، وكانت تعبر عن حزنها عليه بأبيات من الرثاء الذي يدمي القلب والعين، فكيف لا ترثوه وهو اليد الحنونة التي كانت تمسح على وجهها فتزيح عنه الحزن والأسى، وكيف لا تبكي عليه وهو الذي كان لها الراحة والسلوى في أيامها، لذا كانت تسير في الطرقات تبكي وتنوح ولا أحد يجرؤ أن يعترض طريقها.


وأعتقد أن حزن الخنساء الصادق على أخيها يوضح لنا كيف يمكن أن يفعل فقد الأخ كسند وعضد في الإنسان، كيف يمكن أن يجعله على مشارف الجنون يكاد يفقد عقله من فرط الصدمة والوحدة التي أصبح فيها، ومن أبرز أبيات الخنساء في رثاء أخيها صخر قولها: [٧]


أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا

أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى

أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ

أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا

طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ

سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا

إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ

إِلى المَجدِ مَدَّ إِلَيهِ يَدا

فَنالَ الَّذي فَوقَ أَيديهِمِ

مِنَ المَجدِ ثُمَّ مَضى مُصعِدا

يُكَلِّفُهُ القَومُ ما عالُهُم

وَإِن كانَ أَصغَرَهُم مَولِدا

تَرى المَجدَ يَهوي إِلى بَيتِهِ

يَرى أَفضَلَ الكَسبِ أَن يُحمَدا

وَإِن ذُكِرَ المَجدُ أَلفَيتَهُ

تَأَزَّرَ بِالمَجدِ ثُمَّ اِرتَدى


ويتجلى في هذا بوضوح أن الأخ هو سند أخيه وقوته الحقيقية، لذا فإن وجود الأخ نعمة في الحياة لن يشعر بقيمتها إلا من لا يملك أخًا، فحب الأخ ووجوده يمدك بالدفء والأمان، ويجعلك تشعر بالقوة في لحظات ضعفك، وبالأمل في أوقات يأسك، وبالفرح في ساعات حزنك وبأسك، وقد تجلى هذا بوضوح في قصة يوسف عليه السلام حينما تم اتهام أخوه بالسرقة فجاء له وقال:" وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [٨]، حيث ضم يوسف عليه السلام أخيه وقال له ألا يبتئس أو يحزن، فالأخ منبع الأمان التام وحضن الفرح الدائم، وشريان العطاء الذي لا ينضب.

المراجع

  1. سورة طه، آية:25-35
  2. سورة القصص، آية:34
  3. "أخاك أخاك إن من لا أخا له"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  4. سورة يوسف، آية:92
  5. "الموسوعة الحديثية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  6. سورة القصص، آية:35
  7. "أعيني جودا ولا تجمدا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  8. سورة يوسف، آية:69
9461 مشاهدة
للأعلى للسفل
×