موضوع إنشاء عن بر الوالدين

كتابة:
موضوع إنشاء عن بر الوالدين

مفهوم بر الوالدين

البِرّ لغة يعني: الطاعة والإحسان والصدق والفضل والصلاح وغير ذلك، هي باختصار كلمة جامعة لمفاهيم كثيرة من الخير والعطاء، وبإضافتها للوالدين فإنّها تعطي مفهومًا جديدًا مستقلًّا يعني الإحسان إلى الوالدين والصدق معهما وطاعتهما وعدم عصيانهما طالما أنّ الأمر لا يخرج عن حدود الشريعة الإسلامية، فطاعة الخالق تأتي أوّلًا، ومن ثَمّ المخلوقات، فلو تعارضت مشيئة الخالق مع إرادة شخصٍ ما ولو كان واحدًا من الوالدين فالواجب تقديم طاعة الله تعالى وعدم عصيانه، وعدم إطاعة أحد في غير ما أحلّ الله تعالى.



لكنّ برّ الوالدَين ممّا أمر به الله تعالى ورسوله الكريم -صلّى الله عليه وسلّم- في غير ما آية وحديث نبويّ شريف، فمتى كانت رغبة واحدٍ من الوالدين متماشية مع تعاليم الإسلام فالواجب على الابن الطاعة والسمع وعدم التلكّؤ في تأدية العمل الموكل إليه مهما تطلّب جهدًا، وإنّ عصيانهما بابٌ من أبواب العقوق الذي قد جعله الله تعالى من الموبقات المهلكات للعبد الراميات به إلى جهنّم نعوذ بالله منها، وقد سُئل ابن عبّاس -رضي الله عنه- وعن أبيه عن البرّ والعقوق ما أبوابهما، فقال إنّ البرّ أبوابه كثيرة، وأمّا العقوق فلو أنّ رجلًا نفضَ ثوبهُ فتطايرَ غباره على أحد والديه فإنّه يُكتَبُ عند الله عاقًّا.



الوالدان اللّذان قد أنفقا عمرَيْهما وزهرة حياتهما لكي ينشأ الولد ويكبر من دون أن يلحقَ به أذًى أو مرض أو مكروه وسهرا عليه الليالي لا يكون من الصعب على ابنهما أن يبرّهما ويكون لهما خير المعين على النوائب أيّام الشدّة، وخير زينة أيّام الرخاء والسرور، فلو أنّ الابنَ قد عاينَ بنفسه الوهن الذي عايشته والدته أيّام حملها به، والألم الذي يصل حدّ أنّها تتمنّى الموت في الطّلق وهي تلدُه لكان لا يسعه سوى أن يكون بساطًا تحت قدميهما.



رضي الله عن ابن عمر بن الخطّاب حين سأله رجلٌ جاء من بلادٍ بعيدة جدًّا أنّه قد حمل والدته على ظهره من بلاده إلى أن أتمّت حجّها وهي على ظهره، فجاء يسأل ابن عمر هل أدّاها حقّها؟ فقال ابن عمر: لا، ولا طلقة من طلقاتها.

طرق بر الوالدين

إنّ أبواب البرّ واسعةٌ لا حصر لها، وذلك لحكمة ربّما هي أنّ النفس تملّ لو كان البر محصورًا في أبواب معيّنة، والنفس في الحياة هي أكثر ما يملّ من الروتين والأمور المكرورة، فلذلك ينبغي التجديد المستمر في الحياة لتتجدّد النفس ويتجدّد معها عطاؤها، فمن هنا كان باب البرّ واسعًا ليتكيّف الابن معه ويؤدّيه على النحو الذي ينبغي له بكلّ ما أوتي من روح مبدعة تتوق إلى الجديد وتنبذ القديم الذي لا حياة فيه، ولكنّ هذا التجديد يكون في الهيئات وكيفية الأداء لا في الجوهر، فالطاعة والتوقير والاحترام والمحبة وغيرها من المشاعر والواجبات تجاه الوالدَين يجب أن تبقى ثابتة راسخةً رسوخ ثبير وأحد والتوباد.



وإنّ درجات بر الوالدين تتفاوت، فليست كلّها لها نفس الوقع في قلوب الوالدين؛ إذ منها ما يقع منهم موقع الإجلال، ومنها ما يقع موقع المحبة، ومنها ما يقع موقع الاحترام، فكلّ فعل له ردّة فعل تناسبه وتليق به، فمن طرق بر الوالدين في حياتهما أن يلبّي احتياجاتهما بسرعة خاطفة مهما كان الذي يشغله عنهما؛ فالطاعة هي من حقوق الوالدين على أبنائهم، ومن طرق البر كذلك أن يكرمهما ويصونهما عن الأذيّة ولا سيّما المعنويّة منها حين يسبّهما شخص ما بسبب ما يفعله الابن، وأيضًا من صور البر أن يعلم كيف يتعامل معهما، فليس التعامل مع الوالدين يشبه التعامل مع الآخرين؛ فللوالدين أسلوب معيّن في المعاملة ينبغي للابن معرفته جيّدًا.



مثلًا من البر أن يمشي الابن خلف والده أو على طرفيه، ولا يجوز للابن أن يمشي أمامه، وعند التحدّث مع أحد الوالدين ينبغي للابن أن يخفض صوته وألّا ينظر في وجه أحدهما، بل يصوّب بصره إلى موضع قدم كلّ منهما، وأن ينادي كلّ واحد منهما بأبي أو أمّي، ولا ينادي أيًّا منهما باسمه، وأيضًا أن يبالغ ويغالي في الإنفاق عليهما إن كانا بحاجة لذلك، وألّا ينتظرهما ليطلبا ما يشتهيان، بل الواجب أن يبادر هو وأن يحضر لهما ما يشتهيان، ومن تمام البرّ أيضًا إدخال السرور والسعادة عليهما وعدم إغضابهما ولو بشقّ كلمة، ومن صور البرّ التي لا ينتبه الناس إليها عادة هي المشاورة في شؤون الحياة كلّها.



الابن ينبغي له وإن شبّ وكبر أن يستشير والديه في أكثر شؤون حياته، ورحم الله من قال إنّ ابني من شدّة حبّه لي لا يحرّك رِجلًا إلى الأمام أو الوراء من دون أن يخبرني ويسألني النصيحة؛ فهذا كلّه يجعل الأب أو الأمّ يشعران بالمكانة والاحترام والتقدير؛ لأنّ الاستشارة لا تكون إلّا للشخص ذي العقل الراجح والمتّزن، وذلك سيعزّز ثقتهم بأنفسهم، ففي التخصّص الجامعي ينبغي استشارتهما ومناقشتهما بالأمر بعد الإحاطة بأسبابه ونتائجه وعواقبه وكلّ ما من شانه أن يجعل الصورة واضحة أمامهما ليكون القرار صائبًا ما أمكن، وكذلك ينبغي استشارتهما في معظم الأمور التي تكون مفصليّة في حياة الابن وبنبني عليها جزء كبير من مستقبله.



من طرق البر أيضًا أن يتصدّق عنهما ليكونا في ظل تلك الصدقة، وأيضًا الاهتمام والإنصات لحديثهما والتفاعل معه بصدق من دون أن يكون ذلك تكلفًا ظاهرًا فذلك من شأنه أن يؤذيهما، فيهزّ الابن رأسه عندما يتطلّب الأمر ذلك، ويعقّب متى كان التعقيب ملائمًا ولا يزعج أحدهما، وكذلك الابتسامة في المواطن التي تكون في الابتسامة هي علامة التفاعل والإنصات، وإن كان الابن يسكن في مكان بعيد عنهما يصعب معه أن يزورهما إلّا قليلًا جدًّا فليُكثر الابن من الاتصال بهما والاطمئنان عليهما باستمرار فكثيرًا ما يكون الاتصال حمّال شوقٍ وحنينٍ قتّال.



من طرق البر أيضًا أن يمدح الابن والديه بحضورهما وفي غيابهما، فذلك يُظهر للناس وللوالدين مدى فضلهما على ابنهما الذي قد تعهداه بالرعاية والتربية مذ كان في بطن أمّه وبعد ولادته وليدًا رضيعًا ضعيفًا، فكلّ ذلك يجعل الوالدين فخورَين بتربيتهما التي لم تذهب سدًى، فكانت تلك التربية هي البضاعة التي قد رُدَّت إليهم، والغرسة التي صارت شجرة باسقةً وارفة الظِّلال بعد أن تعهّدوها مذ كانت غرسة ضعيفة لا طاقة لها في تحمّل أعباء الحياة.

ثمرات بر الوالدين

إنّ فضل بر الوالدين على الابن هو فضلٌ عظيمٌ لا يحدّه حدّ ولا ينتهي عطاؤه، فإنّ الله سبحانه وتعالى يمدّ في أجل الابن البار بوالديه ويوسّع له في رزقه ويزيد فيه، وكذلك فإنّ من أهمية بر الوالدين أنّ الله تعالى يعُدّ البار بوالديه كالذي يسعى في سبيل الله، وإنّ الابن البار بوالديه يصبح من مستجابي الدعاء فلا يُردّ دعاؤه أبدًا، ومن الثمرات أيضًا أنّ المجتمع يغدو متماسكًا أكثر من خلال تماسك الأسرة، ومن أعظم الثمرات إن لم تكن أعظمها أنّ الابن البار بوالديه قد استحقّ أن ينال رضا الله سبحانه وتعالى، وكلّ ما بعد رضا الله هو أمرٌ هيّن؛ إذ الرضا هو الغاية ومنتهى الآمال.



من ذلك نعلم أنّ البار بوالديه هو من أهل الجنة ودار الخلود الأبديّة التي وعد الله بها عباده الصالحين، وكذلك من ثمرات بر الوالدين هو بر أبناء الأبناء لهم، فبر الوالدَين هو دينٌ في رقبة الابن، فإن أحسنَ إلى أبويه فسوف يُحسنُ إليه أبناؤه فيما بعد، وإن عقّّهما فسوف يَلقى من العقوق مثلما لقي والدَيه وربّما أكثر، فالبر هو السبيل للسعادة المستقبلية، ومن الثمرات التي يجنيها البار بوالديه هي أنّ ذِكرَه يعلو في الدنيا ويطير بين الناس، وهذا غيضٌ من فيض الثمرات التي يجنيها الإنسان من بره لوالديه.

بر الوالدين في الإسلام

لقد ربط الإسلام بين طاعة الله تعالى وطاعة الوالدين، فجعلَ طاعتهما في غير معصيته سبب دخول الجنة والابتعاد عن النار، وقد وسّع الإسلام مفهوم برّ الوالدين وجعله مرتبطًا بعقيدة المسلم وبإيمانه وإسلامه؛ فالعاق لوالديه هو خاسر في الإسلام لا تفيده صلاته ولا عباداته مهما كانت، وكذلك فقد وسّع الإسلام من طرق بر الوالدين وصوره وجعل الابن يستطيع أن يبرّ والديه حتى بعد وفاتها وليس فقط في حياتهما.



جعل من البر الدعاء للوالدين بعد وفاتهما، فقال -صلى الله عليه وسلّم-: "إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له"[١]، فقد قرنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بين صلاح الولد والدعاء لوالديه، وكذلك ما قاله تعالى في سورة الإسراء: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[٢]، فجعل الدعاء لهما بالرحمة نظير تربيتهما لابنهما صغيرًا.



صار الإنسان يمكن أن يبرّ والديه بعد وفاتهما بالدعاء لهما، وأيضًا بقضاء ما عليهما من دَين للناس أو دين في العبادات، فقد يموت الرجل أو المرأة وعليهما قضاء صومٍ ما، أو عليهما حجّ أو نحو ذلك، فهذا كلّه من البرّ للابن بعد وفاة والديه، وكذلك إحسان الابن لمن كان أحد والديه يحبهما هو من البر بعد الوفاة، وهنالك صور كثيرة قد جاء بها الإسلام لم تكن قبله.



لعلّنا نضرب أخيرًا مثلًا على مفهوم البر قديمًا عند الصحابة، وتحديدًا مفهوم بر الأب، فقد روي أنّ عبد الله بن عمر بن الخطاب قد طلّق زوجته بناء على طلب من والده عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهذا من أعلى درجات البر؛ فزوجة الرجل عادة ما تكون أقرب الناس إليه بعد والديه، ولكنّ البرّ كان عند ابن عمرمتجلّيًا في أعلى حالاته فقدّم رغبة والده على ما يحبّ؛ لأنّه يطمع أن يكون بارًّا بوالده وأن يُكتَبَ عند الله تعالى من البارّين الذين قد أعدّ الله تعالى لهم أجرًا عظيمًا سواء كان في الدنيا أم في الآخرة.



لقراءة المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: فضل بر الوالدين.

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1631، حديث صحيح.
  2. سورة الإسراء، آية:24
5619 مشاهدة
للأعلى للسفل
×