إنشاء عن حب الوطن
حب الوطن حبٌ فطريٌّ يولد مع كلّ كائنٍ في الوجود، فالوطن هو الحضن والملاذ الآمن الذي تأوي إليه الروح، وهو البيت الكبير الذي يجمع الأهل والأحبة أحياءً وأمواتًا، إذ يولد فيه الإنسان وفيه يتربّى ويترعرع ويكبر ويتمنى أن يموت ويُدفن فيه، فالوطن هو الرابطة التي تشدّ الإنسان أينما حلّ وارتحل؛ لأنّ الإنسان بلا وطن مثل الطائر بلا عش، لهذا ينبع حبّ الوطن من عمق القلب، ويتجسّد في الكثير من الأشياء، فالوطن ليس مجرّد أرضٍ وأشجارُ وتراب، بل هو مجموعة من أشياء كثيرة لا يمكن فصلها أبدًا.
حبّ الوطن لا يكونُ بالأقوال فقط، بل يكون فعلًا وقولًا، فالوطنُ يحتاج إلى سواعدِ أبنائه كي ينمو ويكبر، ويحتاج إلى السعي والتطوير، وإلى الحفاظ على مقدّراته والدفاع عنه في كلّ وقت وعدم التفريط بأي شبرٍ منه، فالوطن دون سواعد أبنائه يُصبح أشبهَ بمنفى، وهو يُعطي أبناءه بقدر ما يُعطونَه، وكلّما كان عطاؤهم أكبر كلّما كان الوطن أكثر جمالًا وتطورًا، ولهذا فإنّ حبّه جزءٌ لا يتجزأ من إيمانِ الفرد، وقد تجلّى هذا واضحًا في العديد من الأمثلة، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يُحبّ وطنه مكة أكثر من أي مكانٍ آخر، وحين هاجر منها فإنّه لم يتركها إلّا مضطرًا، وهذا لا ينطبق على الإنسان فقط، فالحيوانات أيضًا تحزن إن فارقت أوطانها، فالطيور المهاجرة تعود إلى وطنها مهما قطعت من مسافات، والأسماك تعود إلى البحر الذي نشأت فيه مهما قطعت مسافاتٍ بعيدة عنه، والنباتات أيضًا تنتمي إلى بيئاتها وأوطانها، فالنبتة التي تُقتلع من جذورها تذبل وربما تموت.
حب الوطن حبٌ عظيم يجب ألّا يُخالطه رياءٌ أو نفاق، لأنّ من لا يحبّ وطنه بحقّ لا يستحقّ أن ينتميَ إليه أو يعيش فيه، ومَن لم يكن وفيًا لوطنه في الحرب لا يستحقّ أن يعيش فيه وقتَ السّلم، فالوطن يَحيا بدماء أبنائه، ويُزهر بسواعدهم، ويتطوّر بعقولهم، والوطن هو الوطن بجميع حالاته وتقلّباته، وإن تعرّض الوطن لأي خطر، فلا بدّ أن يتحوّل جميع أبنائه إلى جنود؛ لأنّ كرامة الوطن فوق كلّ كرامة، ولهذا طالما تغنّى الشعراء والأدباء بالوطن وقالوا فيه أروع القصائد الخالدة وأجمل الأشعار والكلمات، ولا عجب أنّ القصائد التي تُقال في حب الوطن تظلّ خالدةً يُكرّرها الجميع على اختلافِ مذاهبهم وأديانهم ومعتقداتهم، فمهما تفرّقت ميولُ أبناء الوطن الواحد فإنّ الوطنَ يجمعُهم في ظلّه وتحتَ كنفِه لأنّهم منه وهو منهم.