موضوع تعبير رسالة إلى صديق في الغربة

كتابة:
موضوع تعبير رسالة إلى صديق في الغربة

الغربة ذلك الوحش البريء

إلى صديقي العزيز، تحيّة ملؤها الشوق والمحبة، وبعدُ:

أبعث إليك وقلبي مليء بالحب والشوق إليك، فالفراق والبعد عن الصديق ليس كأيّ فراق، ولكنّني أعلم أنّ الإنسان قد يضطرّ لمُغادرة وطنه، ويترك معه جزءًا من روحه وقلبه، عائلته وأحبّته، فبُعده عن الوطن يبعث في نفسه مشاعر الألم والحزن والشوق للوطن، ففي الغربة ألم لا يُعادله ألم، ويظلّ الإنسان مهما حاول أن يتناسى ناقصًا دون وطنه مُنتظرًا لحظة عودته إليه، وافتراش أرضه والتحاف سمائه، واحتضان ترابه بين ثنايا قلبه حتى تعود له الحياة ويُزهر قلبه من جديد، يقول قيس بن المُلوّح عن الغربة:[١]


وَمُستَوحِشٍ لَم يُمسِ في دارِ غُربَةٍ

وَلَكِنَّهُ مِمَّن يَوَدُّ غَريبُ

أَلا أَيُّها البَيتُ الَّذي لا أَزورُهُ

وَهُجرانُهُ مِنّي إِلَيكِ ذُنوبُ

هَجَرتُكِ مُشتاقًا وَزُرتُكِ خائِفًا

وَمِنّي عَلَيَّ الدَهرَ فيكِ رَقيبُ


إنّ الغربة وحشٌ بريء، يظهر الوُدّ لك وباطنه مليء بالشرّ، فلا يظهر أنيابه إلّا في أشدّ لحظاتك ألمًا وحاجة، فعندما تحتاج شيئًا في وطنك يمدّ لك قلبه بدلًا من ذراعه، ويحني لك ضلعه لِتتكئ عليه بدلًا من كتفه، لكن الغربة تمدّ لك مخالبها وتُظهر عن أنيابها، فلا تقف معك حتى وإن أنهكتك الحياة، فالغربة يا عزيزي ليست بيتك، والنّاس فيها ليسوا أصدقاءك ولا أهلك، والشوارع ليست شوارع وطنك، والطريق لا تنتمي إليه، وحتى الطيور لن تُغنّي كغناء الطيور في وطنك، فكل شيء في الوطن له لون مميز.

إنّ الغربة خَيارٌ لكن الوطن ليس خَيارًا، فالغربة مهما طالت تموت يومًا وتندثر تحت الثرى، ولكن الوطن سيظلّ حاضرًا في قلبك، وسيحتضك بشوق حال عودتك، وإليه تنتمي وإليه ستعود.

الآن، يصبح الرصيف باردًا

لطالما شعرتُ يا صديقي أنّك جزء مني، فالصديق الحقيقيّ روح واحدة، فرحيلك لم يكن سهلًا عليّ، خاصّة وأنا أعلم أنّ الغربة يا صديقي وإن احتضنتك يظلّ حضنها جافيًا، وإن أظلّتك يظل ظلّها قاصرًا، وإن افترشت أرضها يظلّ رصيفها باردًا، فليس لك فيها بيت ولا رفيق، وحتى التربة ليس لك منها نصيب وأنت الآن غريب، ولي أن أتخيّل مشاعرك تجاه وطنك الحبيب وشوقك الكبير إليه، ولا يسعني الكلام سوى أن أذكرك أنّ جفاء الغربة سيتبعه حنان الوطن، وخوف الغربة سيتبعه أمن الوطن، وبرد سماء الغربة سيعقبه شمس الوطن يا عزيزي.


الآن يُصبح الطّريق مُعتمًا، ويُصبح الرّصيف باردًا، ولكن احرص على أن ُتنير طريقك بأملك، وتُدفئ قلبك بحلمك بالعودة إلى الوطن، فلا تظنّ الطريق طويلًا، لأنّ الإنسان مهما ابتعد عن وطنه فوطنه لن يتركه عبدًا للغربة، وهو يستطيع أن يجعله سيّدًا في أحضانه، ووطنك دائمًا يرفع يديه يدعو لك أن يخلّصك الله من ظلم الغربة، وكلّنا معه ندعو لك بقلوبنا وألسنتنا يا صديقي.


لا تظنّ أنّ رصيفك فقط هو البارد وغربتك هي الجافية، فنحنُ هنا في الوطن يا صديقي، رصيفنا بارد دونك، وحضن الوطن جافٍ وأنت بعيد، وقلوبنا خائفة عليك، وعيوننا مشتاقة لرؤيتك، فأنت جزء من أمانينا في هذا الوطن، وجزء من راحة أهلك وأصدقائك.


على ورق أحمل عنك وحشتك

إنّني يا صديقي لطالما شعرتُ أنّك جزء من روحي بل أنت الروح والقلب وكل شيء، لطالما حملتَ عنّي آلامي، وهوّنت عليّ أحزاني، لطالما رحل الحزن من قلبي بكلمة منك، وجاءتني السعادة بضحكة منك، وتحققت طموحاتي بدعم منك، وأنت الآن بعيد ولكنك من قلبي قريب، وشوقي إليك كبير، فالوطن ليس جميلًا دونك، والشوارع التي لا تفوح من رائحتك لا طعم لها ولا لون، وأنا الآن لا أتركك حتى وإن تركت الوطن، أنا معك وبجانبك وأخفّف عنك مهما أوحشتْك الغربة.


إنّ الصديق الحقيقيّ هو الذي يُمسك يدك بقوّة، وإنّني يا صديقي سأمسك بيدك حتى لا تضلّ الطريق، وأحمل عنك آلآمك حتى وإن أتعبَك المسير، وستجدني أحتويك حتى تنسى أنّك في الغربة، وأُرسل لك رسائل تمنحك القوّة على مُواجهة مصاعب الحياة، وأدعو لك كلّ لحظة وثانية ودقيقة أن تكون بخير، سأحاول بكلّ طاقتي أن أحمل معك أعباءك، وأبذل قلبي في سبيل إسعادك فأنت غريب عن الوطن، ولكنّني أنا وطنك القريب، الجأ إليّ إن اشتقتَ إلى وطنك، واتّكئ على كتفي إن سقطت، وتعالَ إليّ يا عزيزي في كلّ وقت وحين.


كلّ ما أقوله لكَ من كلامٍ هو نابع من القلب والرّوح ومُحمّل بِصدق الدُّنيا، فإذا لم أحمل عنك وحشتك فمَنْ يحملها عنك، وإذا لم أحتويك في قلبي من سيحتويك؟، وأنا لا أتركك تُجابِه الدُّنيا وحدك، لأنّنا خُلقنا لنكون معًا، وأنت في حاجتي الآن فكيف لا أعطيك عيوني وأنا لا أُبصر إلا بك؟، فلك عيوني وقلبي ولن تشعر بالوحشة أبدًا لأنّني معك وسأبقى معك يا رفيق روحي، أعِدُك.


إذا تأخّرتُ في مُراسلتك يومًا يا صديقي، أو لم أسأل عنك لفترة طويلة، فاعلم أنّني لا أقصد ذلك أبدًا ولكن الحياة تأخذنا أحيانًا، والهموم لا تجعلنا قادرين على فعل ذلك، فاعذرني واعلم أنّني في ذلك الوقت أقوم الليل لأدعو لك.


ذكرياتنا معًا حطب يضيء الليل

كيفَ لي يا صديقي أن أتقبّل بُعدك، وأنا لم يمرّ أيّ يوم دون أن أراك، ولم أمشِ بشارع دون أن أُمسك بيدك، ولم أبكِ دون أن أتكئ على كتفك، إنّني أشتاق إلى هذا كلّه اشتياق المريض إلى عافيته، والغريق إلى نجاته، وأشتاق إليك معه، لكن ذكرياتك تُعالج روحي دائمًا، يقول إيليا أبو ماضي عن الشوق للأصدقاء:[٢]


يا صَاحبي، وهواك يجذبُني

حتّى لأحسب بَيْننا رحما

ما ضرّنا، والودُّ ملتئم

أن لا يَكون الشّمْل مُلتئما


إنّك يا صديقي بعيد الآن عني، ولكنّني كلّما اشتقتُ إليك، أُعلّل نفسي بذكرياتنا معًا، فكم ضَحكنا وبكينا معًا، كم أكلنا من طعام واحد، وجلسنا على مقعد واحد، كم تبادلنا النّكات اللّطيفة، ومشينا في شوارع حيّنا الصغير، كم ذهبتُ إلى بيتِك كأنّه بيتي الثاني، وجلستُ مع عائلتك كأنّهم أهلي، كم احتفلنا معًا بأفراحنا وكنّا بجانب بعضنا في أحزاننا، وكم شعرنا بالتحدّي ثم إذا نجح أحدنا احتفلنا به كأنّه لم يحدث شيء، فلم أشعر يومًا أنّك شخص ثانٍ، فلطالما كنّا شخصًا واحدًا، وإذ إنّني الآن وحدي!.


إنّني يا صديقي كُلّما زار ليلي الظلام أشعلتُ حطب ذكرياتنا، فيُنير قلبي وينير أيامي وليلي، وكلّما جاءتني لفحة من الحزن تخيّلتكُ وأنتَ تحتضنني، وتذكّرت مُواساتك لي، وكلّما اقترب الفرح منّي احتفلت معك في ذكرياتي، فلا أنا أنساك ولا أيّامي تنساك، بل إنّك الأمان والرّاحة، إنك الحبّ لي ولقلبي حتى وإن كنت بعيدًا.


إنّ ذكرياتي معك ليست فقط مُجرّد ذكريات، بل هي جزء مِن أجمل أيّام حياتي، وكما تكون أجمل اللحظات مع الأصدقاء، فأنا أجمل لحظاتي تكون معك، وأنا أنتظر عودتك بفارغ الصّبر حتّى نُعيد أيّامنا ونبني ذكريات جميلة، وحتى أُطفئ شوق قلبي، وتشتعل فرحتي بعودتك.


أخيرًا، هذه أمنياتي

إنّني يا صديقي بالرُّغم من كلّ مشاعر الشوق والحزن على بٌعدك ومُفارقتي لك، أتمنّى لك أن تجد الخير في كلّ خطوة من خطواتك، وأن يُحالفك الحظّ فتُحقّق ما رغبْتَ به دائمًا، وأن يعينك الله على كلّ شيء، وأن يبتعد عنك سوء الحظ فلا تبصر عينيك الشرّ، وأن تجد رفاقًا يُعينونك على غربتك ويُخفّفون عنك إن تألّمت، ويسدون إليك نصائح إن كدت تضل أو حِدت عن الطريق.


إنّني أتمنّى أن تجد في الغربة خيرها وألا يأتيك شرّها، وأن يبعد الله عنك وحشة الطريق، وأن تعود إلى وطنك سالمًا مُعافى في أقرب وقت، وأن تنال شرف احتضان ترابه وتقبيل أرضه والتحاف سمائه وسماع صوت زقزقة عصافيره، وأن تشعر بأمانه ويبتعد عنك خوف الغربة وبردها، وأن تفرغ شوقك باحتضان والدتك ورؤية أصدقائك، وألّا تطول غربتك فتشقى ولا يزيد حنينك فتبلى، وأن تُقبل كلّ دعواتنا، وأن يُصيبك غيث آمالنا، وأن يحميك لنا ولقلوبنا، فالجميع في انتظارك ومُشتاق إليك.


احرص على أن تبتعِد قدر المُستطاع عن الضّلال، وأن تتمسّك بالحق خير تمسُّك، وأن تسير وأنت تضع الله نُصب عينيك، وأن يكون هدفك هو رضا الله والبُعد عن غضبه، وأعِن نفسك على ذلك بكثرة الدُّعاء والصلاة وقراءة القرآن فإن فيهم الخير الكثير وهم سبب لتوفيق الله، وإبصار طريق الحق، وابتعِدْ عن رفاق السوء قدر ما أعطاك الله من قوّة وطاقة، وذلك لأنّ رفاق السّوء سببٌ للضّلال والبُعد عن الطريق الحقّ، وغُضّ طرفك عمّا عند الناس، وارض بما كتبه الله لك لتعيش بهناء.


لقراءة المزيد من رسائل الأصدقاء، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير رسالة إلى صديق.

المراجع

  1. "ومستوحش لم يمس في دار غربة"، ديواني، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
  2. "ما عز من لم يصحب الخذما"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-30.
4199 مشاهدة
للأعلى للسفل
×